يبدو أن مصر وإسرائيل في طريقهما إلى بناء مسارات جديدة للتعاون تتوافق مع ما يجري في الإقليم من تطورات مفصلية، إذ يُعد لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت بشرم الشيخ في 21 مارس (آذار) الحالي خطوةً مهمةً لتطوير التعاون المصري - الإسرائيلي من جانب، والانفتاح بمجال التعاون الإقليمي من جانب آخر، بخاصة أن اللقاء تزامن مع تدشين خط طيران جديد بين تل أبيب وشرم الشيخ.
الحديث يُدار مجدداً حول تأثير تلك الخطوة في دفع العلاقات المصرية - الإسرائيلية إلى مرحلة جديدة على طريق تنمية وتطوير العلاقات يكون طابعها تحقيق المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة، خصوصاً في قطاع الطاقة الذي أصبح مجالاً خصباً لتوطيد العلاقات، بعد الإعلان عن اكتشافات ضخمة في شرق المتوسط، وسعي القاهرة وتل أبيب نحو التحول إلى مركز إقليمي للطاقة.
التطورات الأخيرة تشير إلى مقاربة سياسية واقتصادية بين القاهرة وتل أبيب، سيكون لها تداعياتها الكبيرة في الفترة المقبلة، بخاصة مع مستجدات الوضع الإقليمي التي ستحتاج إلى فك وتركيب التحالفات الراهنة، وأخطرها قرب توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، واقتراب إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن رفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو أمر مرفوض على المستوى الإسرائيلي والخليجي.
زيادة الرحلات الجوية
اتفاق مصر وإسرائيل على تدشين خط طيران بين شرم الشيخ وتل أبيب وزيادة الرحلات بين البلدين، يأتي في توقيت له دلالاته السياسية والاستراتيجية، ويشير إلى حرص البلدين على تجاوز تباينات الماضي التي أوقفت مساحات التعاون بين الجانبين في دائرة محددة، حيث قدمت شركة طيران إسرائيلية تعرف باسم "إيسرآير"، طلباً لتنظيم رحلات جوية تجارية من مطار بن غوريون في تل أبيب إلى شرم الشيخ في سيناء، إذ سعت الشركة لتسيير رحلتين يومياً، في سابقة جديدة لم تحدث من جانب شركات إسرائيلية.
وكان السياح الإسرائيليون الذين يرغبون في زيارة شرم الشيخ يلجأون إلى تأجير طائرات خاصة، أو يذهبون إلى هناك بالحافلة، أو بسيارة أجرة، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على خط الطيران المباشر بين مطار بن جوريون وشرم الشيخ، وتشير التقديرات إلى أن الرحلات ستخدم أكثر من 70 ألف سائح إسرائيلي في السنة.
في إطار هذا التعاون، كان واضحاً رد الفعل الإسرائيلي، الذي جاء على لسان رئيس الوزراء نفتالي بينت، إذ اعتبر خطوة تدشين خط الطيران مقدمة مهمة لتهدئة العلاقات بين البلدين، وإيصالها إلى مرحلة جديدة، وهو ما قد يعطي الفرصة لإسرائيل للمطالبة بزيارات لمسؤولين إسرائيليين للقاهرة في الفترة المقبلة، خصوصاً أن هناك إرادة سياسية جديدة تتشكل في مسار العلاقات الثنائية.
توافقات أمنية جديدة
وفقاً لما جرى في التطورات الأخيرة، فإن العلاقات المصرية - الإسرائيلية ستشهد مزيداً من التنسيق الأمني واللوجيستي، حيث جاء الاتفاق الأمني الأخير استناداً إلى الملحق الأول في معاهدة السلام الموقعة بين البلدين في عام 1979، وتُتيح تعديل ترتيبات الأمن المتفق عليها بناءً على طلب أحد الطرفين وباتفاقهما.
وعلى الرغم من أن النص الأساسي للمعاهدة قضى بضرورة إقامة "ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبون من الأمم المتحدة"، غير أن تفاصيل ذلك تركت إلى بروتوكول إضافي ألحق بالاتفاقية، وحدد حجم وتوزيع القوات في شبه الجزيرة، وهو الأمر الذي ستطرأ عليه تعديلات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن أن ضباطاً عسكريين كباراً تحدثوا مع نظرائهم المصريين في لقاء علني بسيناء، وعقد اللقاء تحت رعاية ما يسمى آلية الأنشطة المتفق عليها، وهي بند من بنود معاهدة السلام الإسرائيلية - المصرية الموقعة في عام 1979، وتتطلب من إسرائيل التوقيع على أي تعزيزات تريد القاهرة نشرها في سيناء، من خلال لجنة مشتركة مشكلة من كبار ضباط الجيشين، وانتهى اجتماع اللجنة بالتوقيع على اتفاق لإضفاء الطابع الرسمي على نشر قوات حراسة في منطقة رفح لتعزيز السيطرة الأمنية للجيش المصري على المنطقة.
العلاقات السياسية الجيدة والتنسيق الأمني فتحا الباب أمام التوسع في نطاق الأمن الاستراتيجي، بخاصة مع اهتمام مصر بتوسيع الأنشطة عند معبر "نيتسانا" الحدودي، وهو طريق السلع الرئيس بين مصر وإسرائيل، من أجل تصدير واستيراد الأسمنت والحديد والكيماويات، وغيرها من المنتجات. ومعلوم أن نحو 80 في المئة من الصادرات الموجهة من البضائع إلى مصر في عام 2020 كانت بموجب اتفاقية المنطقة الصناعية المؤهلة الكويز، على غرار السنوات السابقة، حيث أوجدت الاتفاقية، الموقعة في ديسمبر (كانون الأول) 2004 بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة، حافزاً للتعاون بين الشركات الإسرائيلية والمصرية من خلال منح إعفاء جمركي لتصدير المنتجات المصرية التي تشمل مدخلات من إسرائيل (على الأقل 10.5 في المئة) إلى سوق الولايات المتحدة.
موقف واضح
تسعى مصر لتحديد إطار للعلاقات مع الحكومة الإسرائيلية، ويذهب تقدير القاهرة إلى أن الحكومة الحالية مستمرة، ولن تتفكك في الوقت الراهن، على الرغم مما يجري من مناكفات خاصة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، ومسعاه لتفكيك الائتلاف والدخول مجدداً للحكومة، لكن الواقع يشير إلى تجاوزها العثرات المعتادة وتماسكها مبدئياً في مواجهة ما يجري من محاولات للإسقاط، الأمر الذي يؤكد، وبعد عام ونصف العام تقريباً من تولي الحكومة، أنها ستقطع الطريق إلى منتصف ولاية نفتالي بينيت، وهو ما تُراهن القاهرة على استمراره.
وترى مصر أن التعامل مع الحكومة الإسرائيلية يجب أن يعمل في اتجاه مسارين، الأول: التجاوب الحذر مع الجانب الإسرائيلي، ليس فقط على مستوى الحكومة، وإنما أيضاً على الداخل الإسرائيلي، الذي تراه معقداً ومتخماً بتجارب وخبرات متعددة منذ سنوات طويلة، ويحتاج بالفعل لمراجعات حقيقية مع استقرار الوضع في العلاقات الثنائية، الثاني: يرى أن إسرائيل كدولة وحكومة يمكنها أن تدخل في شراكة مباشرة في العلاقات مع مصر، مع فصل ما هو ثُنائي عما هو متعدد، وخصوصاً في الملف الفلسطيني الذي لا يحتل أولوية حقيقية لدى صانع القرار الإسرائيلي في الوقت الراهن، بينما يأتي ملف إيران أولوية أولى وأخيرة.
الملف الفلسطيني
يُلقي الملف الفلسطيني بتبعاته على ما يجري مصرياً وإسرائيلياً، حيث تتخوف الحكومة الإسرائيلية من انهيار الداخل في رام الله، أو حدوث طارئ متعلق بوضع السلطة، لهذا كان التقييم الإسرائيلي هو الاقتراب الحذر من المشهد الفلسطيني الحالي والعمل على مسارات بديلة إن اقتضى الأمر، ولذلك وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت على لقاء مسؤولين إسرائيليين الرئيس محمود عباس، في إشارة لا تغيب إلى أن الاقتراب من السلطة الفلسطينية أمر مهم لمعرفة ما يجري داخلها، وتخوفاً من قطع الجانب الفلسطيني الاتصالات الأمنية أو وقف الاتصالات السياسية.
الحكومة الإسرائيلية منحت تسهيلات للسلطة، بتطبيق بنود اتفاق باريس وجمع المتحصلات، في إشارة إلى أنها ماضية في إطارها، بصرف النظر عن رفض نفتالي بينيت مقابلة الرئيس الفلسطيني متحججاً بوضعه في الائتلاف، وانتظاره لعقد لقاء يضم مصر والأردن وإسرائيل وفلسطين بدعم أميركي، وقد يُقدم الرئيس جو بايدن على القيام بذلك، ولكن ليس قبل مرور عامين على الولاية الأولى كما تخطط الخارجية الأميركية.