فاجأت إعادة انتخاب لويزة حنون على رأس حزب العمال للمرة الثامنة توالياً، الجزائريين، الذين ترقبوا حصول تغييرات داخل الأحزاب بعد المشهد السياسي الجديد، الذي خلفه الحراك الشعبي، بخاصة على مستوى النظام والسلطة، الأمر الذي يكشف عن تناقضات بين مطالبة السلطة بالتغيير ورفض التداول الحزبي.
وجاء استمرار لويزة حنون في قيادة حزب العمال منذ إقرار التعددية في 1989 ليكشف عن ممارسات أحادية تتنافى مع شعارات الديمقراطية والتجديد والتداول على المناصب القيادية، وهو ما يعد أحد الأسباب الأساسية لنفور الشارع الجزائري من الطبقة السياسية، سواء أكانت في خندق الموالاة أم المعارضة، ما يستدعي قراءة في المشهد الحزبي والجمعوي الجزائري من زاوية الثقافة الديمقراطية، ومدى التمسك الفعلي بالقيم السياسية.
في خطابها أمام المؤتمر، قالت حنون، إن الأوضاع السياسية في البلاد مقلقة وغير مسبوقة، وانتقدت ما وصفتها بـ"التهديدات ضد الأحزاب المعارضة"، مشددة على أنه "لا يمكن الحديث عن الديمقراطية عندما يتم الاعتداء على التعددية السياسية وحرية التنظيم، وعندما لا تخفي الإدارة إرادتها في التسلط على الحياة السياسية والجمعوية والنقابية".
التشبث بالكرسي
ليس حزب العمال وحده المعني بظاهرة التشبث بالكرسي، إذ يشمل الوضع عدة تشكيلات سياسية دأبت على تزكية الوجوه ذاتها، التي يبدو بالنظر إلى نسب المشاركة في مختلف الاستحقاقات السابقة، أنها تتحمل مسؤولية عزوف المواطنين عن ممارسة السياسة.
وباستمرار الطبقة السياسية في الممارسات نفسها، فإن الشعارات، التي يرفعها زعماء الأحزاب حول تكريس الديمقراطية، ومبدأ التداول على السلطة، أصبحت غير موثوقة وغير ذات مصداقية، وقد تزيد من الهوة بينها وبين المواطنين، بخاصة الشباب، فمن غير المعقول تحقيق ذلك مع شخصيات لا تعترف بالتغيير داخل محيطها، بعد أن رفضت التخلي عن تزعم الحزب إلا بالوفاة أو الانقلابات المدبرة، وهو ما يعكس أن الأزمة التنظيمية والسياسية وسط الأحزاب الجزائرية مرتبطة وجودياً في أذهان مؤسسيها ومنخرطيها بالزعيم الروحي وجوداً وعدماً.
الأصل في التطبيق
وتعقيباً على هذه "الاتهامات"، يقول القيادي في حزب "الفجر الجديد"، المحسوب على المعارضة، حليم بن بعيبش، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنه "طالبنا بتغيير النظام من أجل بناء أسس ديمقراطية حقيقية يكون مبدؤها احترام صوت المواطن، وشفافية الانتخابات، لذلك لا أرى أي إشكال في إعادة انتخاب قادة الأحزاب لفترات جديدة، بما أن المناضلين هم من اختاروا بكل حرية". مضيفاً "مثلاً حزب العمال، المؤتمرون كلهم زكوا لويزة حنون، وهذا أمر طبيعي"، لافتاً إلى أن "الأمر غير الطبيعي هو ما يحدث في أحزاب السلطة، أو ما أسميها أجهزة السلطة، التي يتم فيها تعيين الأمناء العامين بعيداً من إرادة المناضلين".
ويتابع بن بعيبش، أنه "يجب ترك الشعب يختار بكل حرية ممثليه ورئيسه، وإذا أراد تجديد عهدة لأحد مرات عدة فذلك لا يهم، وإنما المهم حضور الشفافية وحرية الاختيار"، مشدداً على أن "الأحزاب تخضع لقانونها الأساسي، وهو المؤتمر هو السيد في اختيار القيادات، وعليه لو كانت السلطة تخضع للدستور والانتخابات هي السيدة في اختيار ممثلي الشعب لكانت الأمور في الطريق الصحيح". وختم بأن "التركيز على تجديد فترات رؤساء الأحزاب أمر خطأ، لأن الأصل هو مدى تطبيق الأحزاب قوانينها الأساسية ونزاهة سيرورة مؤتمراتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التداول السلمي
من جانبه، يرى القيادي في "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، مراد بياتور، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أنه على مستوى حزبه، فالاستعدادات جارية لعقد المؤتمر العادي السادس بعد شهرين، الذي يمتاز بإعلان الرئيس الحالي محسن بلعباس، عدم ترشحه لعهدة ثالثة بعد أن قاده لعشر سنوات.
وقال بياتور إنه لو لم يترشح بوتفليقة لمرة ثالثة لما آلت الجزائر إلى هذا الانسداد اليوم، وبالتالي على رجال السياسة أن يأخذوا من هذه العبر ويتعلموا التداول على المسؤولية، وضخ دماء جديدة عوض الانقلاب عليهم وانتزاعهم من أماكنهم، مشيراً إلى أنه "تعلمنا في الحزب أن التداول السلمي على المسؤولية والسلطة هو أحد ركائز الديمقراطية، وهذا ما نعمل على تجسيده في بلادنا".
ويواصل بياتور أنه على الخطاب السياسي مواكبة العصر، وأن يكون في مستوى تطلعات الشعب، و"علينا كطبقة سياسية أن نساير التحولات المجتمعية التي تحدث حولنا، فليس بإمكاننا الاستمرار في مغالطة الشعب، بل علينا العمل على استعادة الثقة مع المواطن، وأن نزرع الأمل في النفوس". وقال "في الواقع، لا يمكن بناء دولة قوية من دون ثقة متبادلة بين مكونات المجتمع بمختلف أشكاله، وهذه الثقة عملت السلطة على كسرها من أجل ضمان البقاء".
وأضاف القيادي في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، أنه "في الجزائر عانينا وما زلنا من جيل ضحى بكل الكفاءات وبقي في المسؤولية، ولم يتمكن من مواكبة العصر، فطريقة تسيير الدولة توحي كأننا نعيش في الستينيات". مشيراً إلى أن الحراك يعتبر نقطة تحول للفكر السياسي في البلاد، و"أرى أن هناك فكراً سياسياً قبل الحراك وصفحة جديدة من الفكر السياسي تفتح بعد الحراك".
قيادة مدى الحياة
إلى ذلك، يعتبر الباحث المتخصص في الإعلام والاتصال، عبد الرحمن بوثلجة، أن إعادة انتخاب لويزة حنون أمينة عامة من جديد على رأس حزب العمال، تطرح السؤال مرة أخرى حول مدى إيمان الشخصيات السياسية بمبدأ التداول على المناصب، وهو الأمر الذي ينطبق على الكثير من الأحزاب والمنظمات والنقابات، حيث تترسخ فكرة الزعيم أو الرئيس المؤهل لتولي القيادة مدى الحياة.
وقال بوثلجة في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إنه لأمر غريب حديث بعض الأحزاب عن التداول على السلطة وهي لا تسمح بالتداول على مناصبها القيادية، مضيفاً "لقد عايشنا في الماضي القريب صراعات ومعارك وتغييراً للقوانين التنظيمية، وعقد مؤتمرات استثنائية، ومناورات سياسية، كان الهدف منها بقاء أشخاص في مناصب المسؤولية، بعيداً من ترقية الممارسة الديمقراطية والاجتماعية".
ويرى بوثلجة أن القضية مرتبطة بمدى الاقتناع بالديمقراطية والتعددية والتداول على المسؤولية، وكذلك ممارستها في الواقع، وليس شعارات الهدف منها ربح النقاط على الخصوم، ووسيلة للبقاء في المناصب من أجل كسب الامتيازات وتحقيق رضا نفسي داخلي لبعض الشخصيات المهووسة بالبقاء في الأضواء وبالزعامة.
وشدد على أن الخروج من هذا المأزق يكون بفتح المجال أمام الشباب المتخرج في الجامعات لممارسة العمل السياسي، عبر إدماجه في مختلف الهياكل الحزبية. وأضاف "لا أتكلم عن الخطاب الصوري، الذي نسمعه منذ زمن، والذي يدعو إلى إعطاء الفرصة للشباب، ولا نجد له أثراً في الواقع إلا شكلياً"، ولن يتحقق ذلك إلا بعد تطهير الساحة السياسية من بعض الممارسات والسلوكيات، التي جعلت كثيرين لا يؤمنون بالعمل السياسي.