فور انتهاء ساعات العمل الرسمية المخصصة لموظفي دائرة الشؤون المدنية في غزة، اقتحمت أجهزة الأمن التابعة لحركة "حماس" المبنى المخصص للمؤسسة الحكومية التابعة للسلطة الفلسطينية، واحتجزت القوة الأمنية جميع العاملين فيه لمدة خمس ساعات متواصلة، خلالها حاولت الوصول إلى معلومات المواطنين والتجار.
وهيئة الشؤون المدنية تعد مؤسسة حكومية، لكن لا تتبع لمجلس الوزراء، وهي حلقة الوصل الوحيدة بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، وتختص في عملية تسجيل السكان ومنح التصاريح (أذون دخول إسرائيل)، والإشراف على المعابر، وتعمل في الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء.
وتعد هيئة الشؤون المدنية المؤسسة الوحيدة التي ما زالت تعمل في القطاع وتتبع للسلطة الفلسطينية بعد أحداث الانقسام الفلسطيني الذي جرى عام 2007، وخلاله سيطرة "حماس" على جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية.
تفاصيل الاقتحام
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "اندبندنت عربية" فإن نحو 40 عنصراً مسلحاً من جهاز الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية في غزة (تسيطر عليها حركة "حماس")، اقتحموا مقر الشؤون المدنية، وكانت جميع أفراد القوة مسلحة، فيما كان جزء منهم يرتدي زياً مدنياً وآخرون عسكرياً.
وتشير المعلومات إلى أن القوة الأمنية وصلت إلى المقر قبل انتهاء ساعات استقبال الجمهور بعدة دقائق، واقتحمت ثلاث طبقات من مبنى المؤسسة الحكومية (مكون من خمس طبقات)، واستمرت في داخله لنحو خمس ساعات متواصلة، ومنعت جميع العاملين من مغادرة المبنى أو التنقل فيه أو استخدام الهواتف المحمولة.
وبحسب البيانات المتوافرة، فإنه كان برفقة القوة العسكرية عدد من المختصين في مجال تكنولوجيا المعلومات، وطالب مسؤول القوة الموظفين تسليمه جميع المعلومات الخاصة بالمواطنين المتقدمين للحصول على تصريح.
وبعد رفض العاملين الحكوميين تزويدهم بالبيانات، صادر أفراد الأمن ثلاثة أجهزة كمبيوتر، وستة هواتف محمولة، وثلاثة أقراص صلبة خاصة في تخزين المعلومات، وملفات ورقية لمواطنين.
الحصول على نسخة من بيانات المواطنين
ووفقاً للمعلومات، فإنه خلال عملية الاقتحام، نقل عناصر القوة جميع البيانات والمعلومات الخاصة بالمواطنين والتجار المتقدمين للحصول على تصاريح، على أجهزة خاصة بهم، وبعد انتهاء المهمة أعادوا الأجهزة الإلكترونية، لكنهم حرروا عدداً من أوامر الحضور لمقر جهاز الأمن لعدد من موظفي الهيئة قبل مغادرتهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب مصادر متطابقة، فإن مهندسي تكنولوجيا المعلومات في القوة الأمنية حاولوا سرقة النظام الإلكتروني الخاص في هيئة الشؤون المدنية، وكذلك قام مسؤول القوة الأمنية بالتواصل مع مدير مكتب هيئة الشؤون المدنية في غزة إياد نصر، وحذره من العودة إلى قطاع غزة. ومنذ ثلاثة أيام يوجد نصر في الضفة الغربية لمتابعة ملف تصاريح العمال الراغبين في دخول إسرائيل.
وكان من المقرر عودة نصر إلى غزة، الخميس، وأثناء دخوله القطاع احتجزه جهاز الأمن الداخلي في إحدى الغرف في معبر إيرز لمدة ثلاث ساعات. وفي محاولة للحصول على رد منه قال "الوقت غير مناسب للإدلاء بأي تصريحات صحافية، لكن نحاول مواصلة عمل الهيئة المدنية بشكل معتاد، من دون إثارة قضايا قد تعرقل العمل الذي هو بالأساس لمصلحة المواطنين".
وقد رفضت وزارة الداخلية التعليق على الحادث، فيما اتصلت "اندبندنت عربية" بسبعة قياديين وأشخاص معنيين في الحركة إلا أنهم جميعا رفضوا التعليق.
قد تعرقل العمل
وبحسب المتابعين، فإن هذه الخطوة قد تؤثر سلباً في طبيعة عمل هيئة الشؤون المدنية، خصوصاً أن هذه الجهة الوحيدة التي لها اتصال مباشر مع الجانب الإسرائيلي، ومحاولة "حماس" قرصنة النظام الإلكتروني الخاص بها قد تدفع إسرائيل إلى وقف التنسيق معها من داخل غزة. وينعكس ذلك على معاملات المواطنين الراغبين في الحصول على تصاريح العمل.
ويقول مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك إن اقتحام مقر الشؤون المدنية مدان ومرفوض، وهذه الطريقة في الحصول على معلومات قد تعرقل عمل المؤسسة، لذلك على أجهزة الأمن عدم التدخل بشكل قاطع في نظام إدارة بيانات المواطنين، وكذلك مطلوب احترام الاتفاقيات المتعلقة بتصاريح العمال بين وزارتي العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يحفظ الأمن والاستقرار المجتمعي ويصون حقوق المواطنين.
التصاريح تتم وفق تقاسم مشترك
ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، بدأت إسرائيل استقبال ملفات من السكان للعمل في أراضيها، وتولت وزارة العمل في غزة مهمة تسجيل الراغبين في ذلك، على اعتبار أن هذه الخطوة جاءت بعد تفاهمات وقف إطلاق النار في مايو (أيار).
وبحسب النظام المعتاد، فإن مهمة استقبال الطلبات تكون في الشؤون المدنية التي ترسلها إلى إسرائيل ثم تقوم بالرد على المواطنين المتقدمين، ولكن بعد اتفاق الأطراف الحكومية في غزة والضفة الغربية، أوكلت مهمة استقبال طلبات العمال إلى وزارة العمل، التي تقوم هي بإرسال الملفات ذات المواصفات والمعايير المتطابقة مع إسرائيل إلى الشؤون المدنية، وهي التي تتولى مهمة التنسيق مع تل أبيب.
ويقول نصر إن ملف العمال والسجلات التجارية بات من اختصاص وزارة العمل ووظيفة الشؤون المدنية إرسالها إلى الجانب الإسرائيلي وتلقي الرد.
لذلك، يعتقد مراقبون أن جميع بيانات المواطنين الراغبين في العمل داخل إسرائيل موجودة لدى وزارة العمل التابعة للحكومة في غزة، ولا يوجد بيانات تمتلكها الشؤون المدنية سوى تلك المتعلقة في ملفات التجار.