في توقيت مهم، وتزامناً مع هزة اقتصادية عنيفة أربكت الاقتصاد المصري منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، تدفقت الاستثمارات الخليجية للقاهرة في الثلث الأخير من شهر مارس (آذار) الماضي، وتنوعت بين ودائع واستثمارات متوقعة تتخطى الـ20 مليار دولار.
ومرت القاهرة بأزمة اقتصادية خلال الشهر الماضي، تحت تأثير عوامل عدة أسهمت في تعميقها، فمع اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا تضخمت أسعار السلع الرئيسة والاستراتيجية، وأبرزها القمح، مما دفع الحكومة المصرية إلى ضخ نحو 130 مليار جنيه (7.1 مليار دولار أميركي) لتوفير رصيد استراتيجي آمن من السلع، في الوقت الذي منعت فيه الحرب السائحين من الوصول إلى مدينة شرم الشيخ، قبلة السياح الروس والأوكرانيين، وهو ما قلص حصة السياحة بنحو 3 مليارات دولار على الأقل.
ثم جاء قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، برفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية للمرة الأولى منذ عام 2018، ليجهز على ما تبقى من موارد ويسحب نحو 26 مليار دولار من الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية) من القاهرة إلى واشنطن، مما دفع البنك المركزي المصري إلى رفع أسعار الفائدة وتقليص قيمة الجنيه المصري بنحو 14 في المئة، 21 مارس الماضي.
قطار دعم يتحرك من أبو ظبي
وتحرك قطار الاستثمارات الخليجي سريعاً من أبو ظبي بعد 48 ساعة من خفض قيمة الجنيه المصري، إذ أعلن صندوق أبو ظبي السيادي اعتزامه ضخ استثمارات لا تقل عن ملياري دولار، بالاستحواذ على حصص في بعض شركات الأسمدة المملوكة للدولة المصرية، إضافة إلى حصص في شركات خدمات مالية ومصرفية، إلى جانب البنك التجاري الدولي، أكبر ذراع استثمارية في القطاع الخاص، وفقاً لما نقلته وكالة "بلومبيرغ" في 23 من مارس الماضي. وأشارت إلى أن قائمة الشركات العامة تضم "أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية"، وشركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو) والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قبل 3 أعوام دشنت القاهرة وأبو ظبي منصة استثمارية مشتركة بقيمة تصل إلى 20 مليار دولار للاستثمار في مجموعة من القطاعات والأصول، على أن تُدار من قبل صندوق مصر السيادي وشركة أبو ظبي التنموية القابضة.
10 في المئة من أسهم "أبو قير للأسمدة" لـ"أبو ظبي القابضة"
رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية (المملوكة للدولة)، عماد الدين مصطفى، قال إن المفاوضات الدائرة بين مصر والإمارات حول شركة "أبو قير للأسمدة" تتضمن حصول شركة "أبو ظبي التنموية القابضة" على نسبة لا تزيد على 10 في المئة من رأسمال الشركة.
أضاف لـ"اندبندنت عربية" أن الشركة الإماراتية ستحل مكان بنك الاستثمار القومي (الذراع الاستثمارية للحكومة)، وأن البنك سيبيع 10 في المئة من حصته البالغة 21 في المئة في ملكية "أبو قير للأسمدة" لصالح الشركة.
في ديسمبر (كانون الأول) 2021 أعلنت البورصة المصرية، إتمام طرح حصة 10 في المئة من شركة "أبو قير للأسمدة"، مقابل نحو 2.2 مليار جنيه (120 مليون دولار) وتتوزع ملكيتها بين جهات عدة مملوكة للدولة بين 21.52 في المئة لصالح بنك الاستثمار القومي و19.11 في المئة لصالح الهيئة المصرية العامة للبترول، و10.8 في المئة لصالح الهيئة العامة للتنمية الصناعية، و5.9 في المئة لصالح بنك ناصر الاجتماعي، و5.47 في المئة لصالح القابضة للصناعات الكيماوية، وبقية الأسهم بين مستثمرين من القطاع الخاص.
وأعلنت مجموعة موانئ أبو ظبي، الثلاثاء 29 مارس الماضي، عن إبرام اتفاقيتين مع الحكومة، الأولى مع المجموعة المصرية للمحطات متعددة الأغراض، الذراع التجارية لوزارة النقل، وهيئة النقل النهري لتطوير وإدارة وتشغيل ميناء عين السخنة وإدارة عملياته، بينما تستهدف الاتفاقية الأخرى إنشاء وإدارة وتشغيل ميناء نهري في محافظة المنيا (وسط صعيد مصر) إلى جانب تجهيز وتشغيل مرافق تخزين في محافظة دمياط الساحلية (شمال البلاد) والتعاون لتعزيز القطاع البحري في البلاد، وفقاً لوكالة "رويترز".
الدوحة تضخ 5 مليارات دولار
بعد الإمارات، أعلنت الدوحة نيتها ضخ استثمارات وشراكات في مصر بقيمة إجمالية تبلغ 5 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة، على هامش لقاء جمع بين رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بحسب بيان صادر من مجلس الوزراء الثلاثاء 29 مارس الماضي.
وتطورت استثمارات قطر في مصر، خلال السنوات الأخيرة، وتتنوع بين البنوك والعقارات، ويعد أبرزها بنك قطر الوطني الأهلي مصر (QNB) وشركة الديار العقارية، بجانب مساهمة شركة قطر للطاقة، عبر شركة التكرير العربية، باستثمارات في مشروع مصفاة الشركة المصرية للتكرير، بحسب ما تظهره آخر بيانات البنك المركزي المصري.
وأعلنت شركة "قطر للطاقة"، الثلاثاء الماضي، أنها أبرمت اتفاقية مع شركة "إكسون موبيل" للاستحواذ على حصة في منطقة استكشاف شمال مراقيا البحرية في البحر الأبيض المتوسط بمصر.
وبموجب شروط الاتفاقية، التي ستخضع لموافقات الحكومة المصرية، ستمتلك شركة "قطر للطاقة" 40 في المئة من حصة المقاول في منطقة شمال مراقيا البحرية بالبحر الأبيض المتوسط، في حين أن شركة تابعة لـ"إكسون موبيل" (المشغل) ستحتفظ بنسبة 60 في المئة المتبقية من الامتياز، وفقاً لـ"رويترز".
الدعم السعودي ودائع واستثمارات
وفي اليوم التالي من الدعم القطري، تدفق الدعم والاستثمار السعودي، إذ تلقت القاهرة وديعة سعودية بقيمة 5 مليارات دولار، لدعم احتياطيها النقدي من العملات الأجنبية، الأربعاء 30 مارس، بعد أن أعلنت وكالة الأنباء السعودية (واس)، أنه بتوجيهات من الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أودعت المملكة 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري.
الدعم السعودي امتد لضخ استثمارات مباشرة، عبر صندوقها السيادي، على الأراضي المصرية، بالشراكة مع صندوق مصر السيادي، بعد أن وقع مسؤولو الصندوقين اتفاقية قبل نهاية الشهر الماضي لجذب استثمارات سريعة من الرياض إلى القاهرة بقيمة 10 مليارات دولار، عبر تنفيذ حزمة من المشروعات السعودية في مصر بقطاعات التعليم والصحة والدواء والزراعة، وقطاع الخدمات المالية، وفق بيانات رسمية.
دعم مهم في توقيت مناسب
من جهته، قال المتخصص في شؤون الاقتصاد، هاني توفيق، إن الدعم الخليجي للقاهرة من الرياض والدوحة وأبو ظبي، مهم، وجاء في الوقت المناسب لدعم الجنيه المصري بعد تحركات مصرية على المستوى الرسمي.
أضاف لـ"اندبندنت عربية" أن التدخل السريع جاء بعد تهاوي سعر صرف الجنيه مقابل الدولار وتأزم موقف البنوك المحلية، إذ كانت حساباتها بالعملة الأجنبية مكشوفة بنحو 17 مليار دولار، وكان لا بد من حلول سريعة للغاية.
توفيق أشار إلى أن دول الخليج، سواء السعودية أو الإمارات أو قطر، لديها فوائض مالية تستثمرها في شتى دول العالم، ولذلك صوبت استثماراتها تجاه القاهرة لأهميتها الاقتصادية وتوسع سوقها الاستهلاكية الذي يصل إلى 110 ملايين مستهلك، إضافة إلى مساندة الحكومة المصرية في وقت عصيب يمر به اقتصادها.
وطالب توفيق بأن تدير الحكومة حزمة الدعم الخليجي بشكل صحيح لتحقيق الفائدة، قائلاً، "يجب ألا نستنفد الأموال في دعم العملة فحسب، بل لا بد من خلق استثمارات مباشرة على الأرض، تشمل مصانع وشركات لتشغيل عمالة كثيفة، ودعم الناتج المحلي ومعدل النمو".