نشرت صحيفة "هآرتس" مقالاً لزفي باريل، يتناول الاقتصاد الإيراني ومستقبله وموقع "الحرس الثوري" وامتيازاته وحصته، هنا نصه:
في العام الماضي، تقدم أكثر من أربعة آلاف طبيب إيراني بطلبات هجرة، ومعهم آلاف مؤلفة من المهنيين، مثل السباكين والنجارين، بل حتى الحلاقين، فهؤلاء لم يعودوا قادرين على العيش في ظل ارتفاع حاد لأسعار المواد الاستهلاكية وتخفيض قيمة الريال الإيراني.
يذكر أن البرلمان الإيراني كان قد طالب بإقالة عدد من أعضاء الحكومة مثل وزير التجارة رضا فاطمي أمين، ووزير العمل حجت عبد الملك، ووزير المالية إحسان خاندوزي. ويبلغ العجز الرسمي للميزانية الإيرانية للعام المالي 2021- 2022 (17 مليار دولار)، لكن هناك تقديرات تشير إلى ما هو أعلى من ذلك بكثير - نحو 25 مليار دولار - مع معدل تضخم يبلغ 40 في المئة.
وقد أرجئت المطالبات بإقالة الوزراء حتى نهاية احتفالات العام الجديد، النوروز، في 21 مارس (آذار)، وها قد مرت ثلاثة أسابيع على ذلك التاريخ، فتم تجديد الطلب.
ولا يقتصر النقد الحاد على الوزراء، بل يشمل الرئيس إبراهيم رئيسي بسبب اتهامه بالفشل السياسي وغياب خطة اقتصادية واقعية تعالج آثار العقوبات المدمرة للاقتصاد في إيران، إضافة إلى اتهامات بالفساد وخسائر هائلة نتيجة العجوزات الناتجة من سوء إدارته.
ويشير منتقدو رئيسي - وبينهم من كانوا بالأمس القريب مؤيدين له - إلى الوعود الفارغة التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية في الربيع الماضي حين وعد ببناء مليون وحدة سكنية جديدة، وهو واحد من الوعود التي بقيت حبراً على ورق.
أرقام لا تقنع الشعب
ولمواجهة هذه الانتقادات، قدم وزير النفط جواد أوجي تقريراً متفائلاً يشير إلى أن صادرات إيران النفطية قفزت 40 في المئة خلال الـ12 شهراً الماضية مقارنة بالسنة التي سبقتها بعائدات قدرها 17 مليار دولار. وتتوزع هذه العائدات بين وزارة النفط (14.5 في المئة) التي يفترض أن تستثمرها في تطوير حقول نفط وغاز جديدة، وبين صندوق التنمية القومي (20 في المئة) الذي مهمته تأمين الاقتصاد الإيراني أثناء الأزمات، والباب التشغيلي للدولة الذي يستحوذ على 65 في المئة. ويشير أوجي إلى أن إيران تصدر 75 ألف برميل يومياً تذهب معظمها إلى الصين.
لكن هذه الأرقام - على فرض أنها صحيحة - لا تقنع الشعب الإيراني بقدرة حكومته على مواجهة العقوبات، إذ يشكك الناس في مصير هذه العوائد النفطية: فلا مستشفيات جديدة أنشئت، والمدارس لا تستوعب زيادة الإعداد، والمواصلات متهالكة، ونقص المياه وصل في بعض المقاطعات إلى درجة الجفاف.
لكن مصدر الخطر الحقيقي على الاقتصاد الإيراني هو الديون التي تدين بها الدولة للبنوك والمقرضين من الأفراد والمنظمات القلقين على مصالحهم في حال لم تفِ الحكومة الإيرانية بسداد البلايين التي يطالبونها بها.
تقرير متشائم
وتقدر دراسة أجرتها إدارة التخطيط في وزارة المالية، في أغسطس (آب) 2021، وتسربت للإعلام في أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه، بأن إيران يمكن أن تعلن إفلاسها عام 2027، ما لم ترفع عنها العقوبات.
ويحذر التقرير المتشائم من أن قيمة الريال الإيراني يمكن أن تنهار إلى عشر قيمته الحالية. وحتى لو رفعت العقوبات عن إيران اليوم، فإن ديون طهران ستكون نحو 68 مليار دولار. وإن بقيت العقوبات على ما هي عليه، فإن هذه الديون قد تتراكم لتبلغ 560 مليار دولار.
وتبلغ ديون هيئة التأمين الصحي الإيرانية لوحدها 20 مليار دولار. وهي الهيئة التي تقدم المساعدات الاجتماعية وتساعد الأسر الفقيرة. وعلى الرغم من أن الحكومة يمكن أن تلجأ إلى السحب من صندوق التنمية القومي مثلما فعلت في العامين الماضيين لسد بعض التزاماتها، فإن ذلك يعد خرقاً للدستور الإيراني ويتطلب موافقة خاصة من المرشد الأعلى علي خامنئي.
لا يشعر بالأزمة
وحده "الحرس الثوري الإيراني"، الذي لا يشعر بهذه الأزمة الاقتصادية، إذ تضاعفت ميزانيته مقارنة بعام 2021، إلى 22 مليار دولار. وبالمقارنة، لم يخصص سوى 8 مليارات دولار للجيش النظامي الإيراني على الرغم من أن "الحرس الثوري" لا يشكل سوى 10 في المئة من مجموع القوات المسلحة الإيرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولـ"الحرس الثوري" مصادر مالية أخرى خارج ميزانية الدولة، فهو يتحكم بمنتجات مدنية وعسكرية مثل محطات الوقود والمطارات وقريباً جداً إنتاج الأرز. وتأتي سيطرة "الحرس الثوري" هذه عبر هيئات مدنية مثل مركز "خاتم الأنبياء" للمنشآت الهندسية التي تعتبر أكبر متعهد مشاريع إنشائية في إيران.
ويسيطر "الحرس الثوري" على مؤسسات أخرى، فبعض التقديرات الغربية تشير إلى سيطرته على أكثر من نصف الاقتصاد الإيراني، ويشغل مباشرة 200 ألف مدني في القطاعات المدنية والعسكرية بينهم 30 ألفاً يعملون بصفة دائمة. ويشغل "الحرس الثوري" مليون متعهد مباشر وبالباطن، ويبقى الدخل الحقيقي له غير معروف، إذ إنه غير خاضع لأي جهة رقابية عامة.
ويساور قادة الحرس القلق من أن رفع العقوبات إذا ما تم بشروط تعامل الشركات الأجنبية مع الشركات والقطاع الخاص الإيراني مباشرة، فإن ذلك سيخفض من نسبة عمولاتهم بالمشاريع والعقود. وهذا هو السبب في رفض الحرس الاتفاق النووي الذي وقع في عام 2015، وهو السبب في ممارسته الضغط على الفريق المفاوض في فيينا الآن، وكذلك هو السبب وراء إصرار الحكومة الإيرانية وإلحاحها على رفع "الحرس الثوري" من قائمة الخارجية الأميركية للإرهاب.
خشية العقوبات
ويدرك المستثمرون الأجانب الذين توافدوا إلى إيران منذ عام 2016 بعد توقيع الاتفاق النووي، أن أي مشروع يجب أن يمر عبر "الحرس الثوري"، لكن وضع الحرس على قائمة الإرهاب الأميركية منع المستثمر الأجنبي من الدخول في مشاريع بإيران خشية التعرض لعقوبات.
ويعتمد بقاء النظام كلياً على القوة السياسية والعسكرية للحرس الذي ينتمي له معظم الوزراء في الحكومة، بل إن الرئيس إبراهيم رئيسي عضو فيه، مما يجعل للحرس حصصاً من العوائد المالية للدولة.
وتدعي إيران أن بقاء "الحرس الثوري" على قائمة الإرهاب في حال التوصل إلى اتفاق نووي جديد سيمنع أي استثمارات مستقبلية حتى وإن رفعت العقوبات خشية التعامل مع "الحرس الثوري" بطريقة غير مباشرة. ويؤيد مناصرو النظام مطلب حكومتهم في الوقت الذي يطالبون الحكومة بإيجاد حلول لآثار العقوبات ويطالبون بإقالة وزرائها.
ضغوط وحل توافقي
ويمارس أعضاء في الكونغرس الأميركي وإسرائيل والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ضغوطاً هائلة على الرئيس الأميركي جو بايدن بعدم الاستجابة للطلب الإيراني ورفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب.
وقد حامت شكوك، الأسبوع الماضي، حول إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي بسبب الجدل في شأن مسألة "الحرس الثوري"، على الرغم من سعي الأطراف الغربية وإيران إلى التوصل لاتفاق. وقد يتم الوصول إلى حل توافقي يرفع "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب مع إبقاء فيلق القدس التابع له على القائمة.
من الواضح أن مسألة "الحرس الثوري الإيراني" تمس مفهوم السيادة الإيرانية التي ترى أن لا قبول ببقائه على قائمة الإرهاب، لكن موقف الولايات المتحدة من رفعه من قائمة الإرهاب مسألة تتعلق بحربها على الإرهاب. والحقيقة هي أن المسألة صراع سياسي يتمحور حول بقاء النظام في إيران الذي قد يجد نفسه في صراع مباشر مع الحرس ما لم يوجد مخرجاً لتقاسم العوائد المالية بينه وبين الحرس.