عندما شاهد عامل البناء السنغالي الحسن فاي أخبار الغزو الروسي لأوكرانيا على شاشة التلفزيون، رغب فوراً بمد يد العون بطريقة ما.
وقال الحسن البالغ من العمر 45 سنة ويعيش في بلدة بوت بضواحي العاصمة السنغالية "نفسي لا تطيق تحمل الظلم. لا أحب أن أرى الناس يعانون".
عثر الحسن فاي على رقم هاتف السفارة الأوكرانية في داكار وهاتفهم ليخبرهم أنه يريد القتال. وجهته السفارة نحو نموذج تسجيل عبر الإنترنت، ولكن بعد ذلك طالبت الحكومة السنغالية بإنهاء جميع عمليات التجنيد. وبحلول ذلك الوقت، أي بداية شهر مارس (آذار)، تسجل 35 آخرون في البلاد.
والسنغال ليس البلد الوحيد، فعبر أفريقيا، أعرب العديد من المدنيين عن استعدادهم للقتال في صف الفيلق الأجنبي الدولي الأوكراني ضد القوات الروسية.
وفيما يُستبعد نجاح كثيرين في الوصول بسبب تكلفة السفر، و[انعدام] الخبرة القتالية والحظر الذي فرضته حكوماتهم، فإن مستوى الاهتمام الذي أبدوه للقتال فاجأ العديد من المحللين والمسؤولين.
فسفارتا أوكرانيا في جنوب أفريقيا ونيجيريا ذكرتا أنهما وحدهما تلقتا مئات الطلبات -عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو شخصياً– للمشاركة في الحرب.
وفي مقابلة، أوضحت سفيرة أوكرانيا في جنوب أفريقيا أن الرسائل انهالت على سفارتها عندما تم إنشاء الفيلق الأجنبي بناءً على طلب من الرئيس فولوديمير زيلينسكي في نهاية فبراير (شباط) – بعد مرور ثلاثة أيام من بدء الغزو.
وتقول السفارة في كينيا إنها أيضاً تلقت طلبات، وتحدث موقع "اندبندنت" إلى أشخاص من أوغندا وبوروندي -وهما دولتان ليس لديهما سفارات أوكرانية– أعربوا عن رغبتهم أيضاً في المشاركة العسكرية ولكنهم لا يعرفون كيف.
وأكد داميان ماغرو، المتحدث الرسمي باسم الفيلق الأجنبي، أن هناك "بعض جنود الفيلق" من أفريقيا، لكنه لم يعلّق على الأرقام أو الجنسيات.
وفي الشهر الماضي، قال مسؤول عسكري إن أكثر من 20000 شخص من 50 دولة في الأقل انضموا للفيلق.
من بين سبعة مقاتلين محتملين أجرت "اندبندنت" مقابلة معهم، أكد معظمهم أن دافعهم الرئيس هو مساعدة الأوكرانيين. لكن العامل الآخر لكثيرين تمثل في الرغبة في الهجرة إلى أوروبا.
وتسمح أوكرانيا حالياً بدخول أراضيها من دون تأشيرة للمواطنين الأجانب الراغبين في القتال، وهو أمر نادر بالنسبة إلى مواطني الدول الأفريقية التي غالباً ما تكون جوازات سفرها من بين الأقل قوة في العالم.
علاوة على ذلك، العديد من الأفارقة ممن لا يحملون جوازات سفر يحاولون الهجرة إلى أوروبا عبر قنوات غير نظامية، إذ يشرعون في رحلات طويلة وخطيرة عبر البر والبحر معرضين أنفسهم طوال الرحلة إلى تهديد التعرض للعنف والتمييز والاحتجاز في أي وقت.
وقال ستيفن غروزد، رئيس الحوكمة والدبلوماسية الأفريقية في معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث "إذا كنت تفكر بالفئة التي ستتطوع، ستراهم من الشباب اليافعين وذوي البنية القوية، وقد ينظرون إلى هذه الخطوة على أنها تذكرة خروج من أفريقيا وسبيل للوصول إلى أوروبا وربما البقاء هناك".
وقال إبراهيم نيي، وهو زميل في مركز الديمقراطية والتنمية في ليبيريا -وهي منظمة حقوقية- إن العديد من أولئك الذين "قدموا إلى أوكرانيا" من الأرجح أنهم حاولوا سابقاً السفر إلى أوروبا بوسائل غير نظامية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وألقي القبض على فاي، من السنغال، في عام 2005 بعد محاولته الهجرة إلى إسبانيا على متن قارب صيد. وقال إن صديقاً يدين له بالمال دعاه للانضمام إلى الرحلة، وعرض عليه دفع أتعابه، واستقل هو وصديقان آخران الزورق في قرية ديل-مبام [على الساحل السنغالي]. ولكن قبل أن يتمكن الزورق من الإقلاع، وصلت الشرطة وألقت القبض عليهم.
اليوم فاي هو أب لستة أطفال، ولم يتمكن من دفع إيجار السكن من شهرين، وقال على الرغم من عدم رغبته بـ"استغلال" الحرب، فإن جزءاً من هدفه في القتال في أوكرانيا هو إمكانية البحث عن عمل هناك بعد ذلك.
وعلى المنوال نفسه، قال فريدريك أوكوت، البالغ من العمر 27 سنة في أوغندا، إنه يود "الذهاب إلى أوكرانيا ليعين على تقديم المساعدة الإنسانية ويقاتل وينقذ الأرواح".
وذكر أنه حاول البحث عن أقرب سفارة يمكن أن تساعده، وبحث في الإنترنت للحصول على معلومات وسأل صديقاً يعمل في وزارة الخارجية عن كيفية اتصاله بالفيلق.
وقال في رسالة على تطبيق "واتساب" "أنا مستعد للقتال من أجل إخوتي في أوكرانيا"، مشيراً إلى القوات الروسية بأنها "إرهابية".
ولكن عند الضغط عليه حول سبب استعداده للمخاطرة بحياته في حرب أجنبية، قال إنه كان مدفوعاً جزئياً بفرصة مغادرة الدولة الواقعة في شرق أفريقيا. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في الخدمة الاجتماعية والإدارة الاجتماعية لكنه لم يتمكن من العثور على وظيفة منذ عامين.
وقال "أريد مغادرة أوغندا. بحثت عن وظائف لكنني فشلت في الحصول على وظيفة في بلدي. أعتبر نفسي عالة على المجتمع وغير منتج".
وقال أوكوت إنه إذا ذهب إلى أوكرانيا، سيحاول البحث عن عمل هناك – على الرغم من أنه يأمل في نهاية المطاف في الوصول إلى المملكة المتحدة.
ويقول محللون إن هناك تغطية إخبارية للحرب الأوروبية أكثر من الصراعات الأفريقية من قبيل التي تجري في إثيوبيا أو الكاميرون أو مالي. قد يكون ذلك سبباً وراء استعداد العديد من الأفارقة للقتال في أوكرانيا لكنهم لم يحاولوا المشاركة في صراعات أقرب إلى الوطن.
وقال السيد نيي "نالت الحرب الدائرة في أوكرانيا مستوى تغطية دولية لم تحظَ به الحرب في الكاميرون. لا يستطيع الكثير من الناس في نيجيريا المجاورة معرفة كثير عن الحرب في الكاميرون كما يعرفون عن الحرب في أوكرانيا".
بالنسبة إلى المراقبين العاديين، فإن معظم الصراعات داخل أفريقيا تعد أقل وضوحاً من غزو روسيا لأوكرانيا. قد لا يكون هناك معتدٍ واحد واضح، ومعظم الحروب داخلية وليست صراعات بين الدول.
كما أشار المجندون المحتملون إلى السهولة الواضحة للانضمام إلى الفيلق الدولي الأوكراني.
وقال أوكوت إنه إذا أراد المشاركة في صراع أقرب إلى وطنه، كما هو الحال في جمهورية الكونغو الديمقراطية أو جنوب السودان، يتعيّن عليه بحسب اعتقاده الانضمام إلى الجيش الأوغندي بدلاً من كتيبة أجنبية.
وقال فاي السنغالي إنه "مستعد لمعاونة كل محتاج" سواء في أوكرانيا أو مالي أو منطقة كازامانس الانفصالية في جنوب السنغال.
وأضاف "إن الفرصة التي أتيحت لي للذهاب ومساعدة الأوكرانيين لم تسنح بالضرورة في المناطق أو البلدان الأخرى. ليس لديَّ أي معلومات حول كيفية التعامل مع الجيش السنغالي أو المالي. كان من السهل التواصل مع السفارة الأوكرانية".
لكن أوكرانيا لا تستطيع تغطية نفقات مثل تذاكر السفر للمقاتلين المحتملين، بالإضافة إلى أن الخبرة القتالية أصبحت الآن شرطاً للانضمام إلى الفيلق - وكذلك الطلاقة في اللغة الإنجليزية أو الأوكرانية.
وقال نيي إن بعض الذين يريدون القتال هم على الأرجح مقاتلون سابقون عاطلون عن العمل سبق أن استأجرتهم شركات الأمن الخاصة البريطانية أو الأميركية للقتال في أفغانستان أو العراق. وقال إن معظم المتعاقدين الذين جرى استئجارهم لهاتين الحربين خاضوا في السابق حروباً أهلية في سيراليون وليبيريا أو ساحل العاج. لكن من المحتمل أن العديد من المجندين المحتملين غير مستوفين للمعايير.
وقال متحدث باسم السفارة الأوكرانية في كينيا إنه بعد تلقي طلبات بشأن الفيلق عبر "فيسبوك" وعبر الهاتف تلاشت رغبة المتصلين عندما شرح الموظفون لهم المتطلبات المالية والعسكرية.
لكن بالنسبة إلى ألان كيتونسا سافا، فإن فرصة القتال في أوكرانيا هي أكثر من مجرد تذكرة إلى أوروبا أو راتب.
وذكر لاجئ سياسي أوغندي يبلغ من العمر 35 سنة ويعيش في زيمبابوي أنه يريد محاربة روسيا لأن "بوتين يقف إلى جانب المستبدين والبرابرة مثل [الرئيس الأوغندي يويري] موسيفيني ضد القضية العالمية للديمقراطية".
وأردف "عندما تريد حل مشكلة فمن الأفضل التعامل مع السبب الجذري،" مشيراً إلى أن روسيا تصنع أسلحة يتم تصديرها إلى الخارج، "لذلك يجب شل حركة بوتين لإضعاف وكلائه".
وحاول السيد كيتونسا التسجل [للتطوع] على الإنترنت عبر موقع السفارة الأوكرانية في جنوب أفريقيا وهي مسؤولة أيضاً عن زيمبابوي. ولكنه "لم يتمكن من الوصول إلى المكان المطلوب"، بحسب قوله.
ووفقاً ليوبوف أبرافيتوفا، سفيرة أوكرانيا في جنوب أفريقيا وموزمبيق وبوتسوانا، لا تزال السفارة تنتظر توجيهات من زيمبابوي بشأن إمكانية التجنيد من عدمه.
وقالت السفيرة في مقابلة لـ"اندبندنت" "بمجرد أن أعلن رئيس أوكرانيا إنشاء هذا الفيلق، بدأنا في تلقي المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني وبدأ الناس في الكتابة إلينا على صفحة فيسبوك وعلى تويتر".
وطلبت سفارتها، بصفتها المسؤولة عن عشر دول في جنوب أفريقيا، من وزارة الشؤون الخارجية في كل دولة الحصول على إرشادات قانونية بشأن تجنيد المقاتلين.
ولم ترد زيمبابوي وست دول أخرى، بينما قالت ناميبيا وبوتسوانا إنهما لا تسمحان بذلك. وفي جنوب أفريقيا، أخبروها أنه يجب على المقاتلين المتطوعين التقدم بطلب إلى اللجنة الوطنية للحد من التسلح وإلى وزير الدفاع والمحاربين القدامى قبل السماح لهم بالانضمام إلى القوات المسلحة الأوكرانية.
وأوضحت "كما نعلم، تستغرق البيروقراطية عادة الكثير من الوقت، لذلك أعتقد أن عملية ضم المتخصصين لن تكون فعالة ولا سريعة حقاً"، مقدرة أن الأمر سيستغرق شهراً في الأقل للحصول على الموافقات.
وقالت إنها لا تعتقد أن أحداً قد بدأ عملية تقديم الطلبات.
وفي عام 2007، أصدرت جنوب أفريقيا -التي كانت مورداً رئيساً للأفراد للشركات العسكرية الخاصة في العراق- قانوناً يحظر نشاط المرتزقة وينظم "تقديم المساعدة أو الخدمات ذات الطابع العسكري والمعونة الإنسانية في النزاعات المسلحة".
وكانت حكومات أفريقية أخرى أكثر صرامة في منع مواطنيها من الاستجابة لدعوة أوكرانيا إلى حمل السلاح.
وقال سولتيس بوهدان المتحدث باسم السفارة الأوكرانية في نيجيريا إن الحكومة هناك أصدرت تعليمات للسفارة بعدم تجنيد مقاتلين، ورفض طلب أي مواطن يتواصل مع السفارة.
وفي الجزائر، أمرت الحكومة السفارة الأوكرانية بحذف منشور على "فيسبوك" يدعو إلى تجنيد مجندين، معتبرة ذلك "انتهاكا صارخاً لاتفاقية فيينا،" وفقاً لتقارير محلية.
فيما قالت وزارة الخارجية السنغالية في بيان لها إنها استدعت السفير الأوكراني و"دعت" السفارة إلى التراجع عن دعوتها المقاتلين، ووقف جميع أنشطة التجنيد على الفور. وقالت إن "تجنيد متطوعين أجانب أو مرتزقة أو مقاتلين على الأراضي السنغالية غير قانوني" وأشارت أيضاً إلى اتفاقية فيينا.
إن قمع التجنيد [في أفريقيا] يقابله بشكل بارز رد فعل مغاير في دول مثل كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة التي سمحت لمواطنيها بالانضمام إلى الفيلق الدولي الأوكراني. وقد ينبع ذلك [القمع] من مخاوف بشأن ما من تبعات عودة المقاتلين إلى ديارهم بعد الحرب.
وأوضح السيد نيي من مركز الديمقراطية والتنمية "[منع التجنيد] هدفه تجنب الوضع الليبي الذي شهد مشاركة العديد من الشباب الأفارقة في القتال كمرتزقة [خلال الحرب الأهلية التي أطاحت معمر القذافي] وعودة بعضهم بتوجهات عنيفة وإنشاء بعضهم حركات مسلحة في أماكن مثل مالي ونيجيريا وتشاد".
وقد ترغب الحكومات أيضاً في تجنب إضرار العلاقات مع روسيا على المدى الطويل.
وقال السيد غروزد من معهد جنوب أفريقيا للشؤون الدولية "أعتقد أن هناك على الأرجح بعض المخاوف بشأن الجانب الشكلي".
وكانت جنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال من بين 58 دولة امتنعت عن التصويت في 7 أبريل (نيسان) لتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. فيما انضمت الجزائر وزيمبابوي إلى 22 دولة أخرى في التصويت ضد القرار، الذي جرى تبنيه في نهاية المطاف.
ولم تستجب حكومات جنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال والجزائر لطلبات "اندبندنت" للتعليق أو لم يتسنَّ الوصول إليها.
أما كيتونسا، الذي لا يزال ينتظر معرفة ما إذا كانت زيمبابوي ستسمح له بالانضمام إلى الفيلق الأوكراني، فقال إنه سيواصل المحاولة. "إذا أتيحت لي الفرصة سأذهب"، بحسب تعبيره.
© The Independent