ما إن بدأت التحركات والتعزيزات العسكرية تصل إلى الأطراف المتنازعة في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، حتى أُعلنت هدنة ثانية برعاية روسية، وسط هدوء حذر يخيّم على مناطق إدلب، شمال غرب سوريا، بدت معها أنقرة وموسكو متفقتين حول تسويات واسعة تلوح بالأفق.
تسويات سلمية
ووسط الحديث عن هدنة مفاجئة وغامضة الأسباب، أعلنت قاعدة حميميم التوصل لاتفاق هدنة يسري مفعولها مدة 72 ساعة بينما سُربت معلومات عن حديث روسي لتسويات ووقف إطلاق للنار بشكل تام. مركز المصالحة الروسية الذي يتخذ من قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية مقراً له، أكد ببيانه الهدنة الثانية، وإعطاء فرصة ضمن فترة زمنية قصيرة للتنظيمات المسلحة لتسوية سلمية تقرر مصيرها.
وأعلن اللواء رئيس المركز الروسي للمصالحة فيكتور كوبتشيشين عن مبادرة من الجانب الروسي وبرعاية روسية تركية، وقال: "توصل الاتفاق عن وقف تام لإطلاق النار في كامل أراضي منطقة إدلب لخفض التصعيد، اعتباراً من منتصف ليل 12 من يونيو (حزيران)".
الهدوء الحذر
وبينما بدا جلياً تطبيق بنود الهدنة على أرض المعركة في ريفي حماة وإدلب وسط هدوء حذر صباح الخميس 13 يونيو، يكسر صمته تحليق جوي لأغراض الاستطلاع والمراقبة من دون تسجيل أي قصف أو أعمال عسكرية من قبل الأطراف المتنازعة.
وذكرت مصادر مطلعة عن خروقات للهدنة على إثر سقوط قذائف صاروخية على بلدة قمحانة في ريف حماة، إلى أنها أتت على الأراضي الزراعية من دون وقوع أضرار بشرية، وبحسب صحيفة الوطن الصادرة في دمشق، فقد أُسقطت طائرة مسيرة تتبع للفصائل المسلحة.
خطوط التماس
من جانبها، نفت المعارضة السورية علمها بالهدنة، ولوّح مصدر من الائتلاف الوطني السوري المعارض عن تحريك جبهة ريف حلب، وأن الهدنة ليست ملزمة بالنتيجة للمجموعات المقاتلة خارج جبهات إدلب وريفها. وواقع الحال على جبهات القتال وخطوط التماس ليس كما هي على الورق أو وفق ما يُعلن، إذ يترقب كل من جيش النظام السوري والجيش الروسي أي خروقات من جانب التنظيمات المسلحة المتشددة، في وقت لم تقبل "الجبهة الوطنية للتحرير" العرض الروسي كاملاً.
وجاء في إعلان سابق للمتحدث باسم الجبهة ناجي مصطفى الذي اشترط في تصريحات سابقة انسحاب جيش النظام السوري من الأراضي التي سيطر عليها في حملته الأخيرة على إدلب، بينما اعتبر الهدنة من طرف واحد وغير ملزمة للجبهة. وأعلن وزير الخارجية التركي تشاوش أوغلو في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي جان ايف لودريان "نسعى جاهدين مع روسيا لوقف هذه الهجمات، ليس ممكناً القول إنه جرى التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار".
تحت الجمر
ويأتي إطلاق الهدنة الثانية من نوعها لوقف إطلاق النار في معارك إدلب وسط غموض عن السبب في تطبيقها على الأرض، ويرى مراقبون للتطورات الأخيرة أن تفسير تنفيذ الهدنة ينطلق من إعادة ترتيب جيش النظام السوري لأوراق الميدان العسكري من جديد بعد وصول تعزيزات للحملة العسكرية مع دراسة نقاط القوة والضغط لخصمه والتمكن منها وتقدمه من جديد.
وتفسر مصادر مطلعة أن الحملة مستمرة بلا شك في حال لم تفلح المفاوضات الروسية التركية إذ تمكنت الحملة التي يقودها الجيش السوري وحليفه الروسي، من السيطرة على 27 قرية وبلدة في ريف حماة الشمالي، وتوغلت بريف إدلب الجنوبي من محور كفرنبودة منذ انطلاق الهجوم في مايو (أيار) الماضي.
من جانبها، طوّرت الفصائل المتشددة في إدلب وريف حماة من قدراتها العسكرية واستخدمت تكتيكات عسكرية بالتركيز على الخواصر الرخوة للحملة العسكرية واستحوذت على معدات متطورة دخلت عن طريق تركيا. والرد الروسي سيكون ساحقاً في ضوء تصريحات وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي أعلن في مجمل حديثه بمؤتمر صحفي أن الإرهابيين ينفذون هجمات استفزازية على مواقع سورية وقاعدة حميميم بالطائرات المسيرة.
مستقبل البلاد
وتهدف الهدنة التي سعت وراءها موسكو إلى أن تكون بوابة لمفاوضات وشيكة وإلى إيجاد حلول بخصوص مستقبل سوريا وتوافقاً إيجابياً مع أنقرة للدخول بمحادثات بعد وقف إطلاق النار على حد تعبير المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف. وعوّلت القيادة الروسية على الحملة العسكرية باتجاه إدلب كثيراً في تمهيد الطريق لتحقيق أهداف سياسية ولوجستية وميدانية متعددة، كما أرادت أن تؤمن قاعدتها الجوية في ريف اللاذقية من استهدافها بطائرات من دون طيار المسيرة "الدرون" بالإضافة لفتح طرق دولية واقعة تحت سيطرة التنظيمات المسلحة.
في المقلب الآخر تتأهب أنقرة للدخول بمفاوضات جديدة، وعليها أن تستحضر اتفاقاتها مع موسكو وطهران في سوتشي، والتزامها بالاستمرار بفصل الجماعات المسلحة في مناطق إدلب وتقويض دورها على الأرض.
الهدنة الثانية
وسجّل مركز المصالحة الروسية فور تطبيق الهدنة الثانية انخفاضاً كبيراً وملحوظاً في عدد الهجمات من قبل الفصائل المسلحة في المنطقة، مع رصد حالتي قصف منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ استهدفتا منطقتي محردة وصوران بريف حماة.
وتتوقع اللجنة الروسية السورية المشتركة لتنظيم عودة اللاجئين مغادرة ما بين 40 ألف إلى 80 ألف نازح منطقة خفض التوتر وإحداث مركز لتنسيق العمل للمصالحة بين الأطراف المتنازعة باستثناء جبهة النصرة، وتنظيم داعش، مع وجود معبر آمن هو معبر "صوران"، وأنه لا يشهد أي حركة نزوح حالياً على الرغم من أن طاقته الاستيعابية تبلغ حوالى ألف شخص و50 مركبة يومياً.