أصدرت "المحكمة العليا" في المملكة المتحدة حكماً شكل منعطفاً، عندما قضت بأن سياسة الحكومة البريطانية المتمثلة بإخراج مرضى من المستشفيات إلى دور الرعاية في بداية تفشي وباء "كوفيد-19"، كانت غير قانونية، وذلك في دعوى قضائية فازت بها امرأتان توفي والداهما بفيروس كورونا.
وفيما يعد الحكم موضع ترحيب، إلا أنه لن يعيد راحة البال إلى عائلات كثيرة في البلاد فقدت أحباءها، بعد إخراج نحو 25 ألف شخص من المستشفيات إلى دور الرعاية في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) من عام 2020، كثيرون منهم لم تجر لهم اختبارات للتحقق مما إذا كانوا مصابين بفيروس "كوفيد" أم لا.
الأفراد ما بيننا الذين لديهم أقارب في دور الرعاية، كانوا يدركون أن زعم الحكومة في ذلك الحين أنها تقوم بضرب "طوق حماية" حول هذا القطاع الذي يعاني نقصاً في الموارد، والمنهك إلى أقصى الدرجات، كان بمثابة مزحة سمجة. السبب يرتبط مرةً أخرى بحفظ ماء الوجه لمرافق "الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس) NHS. فما أرادته الحكومة آنذاك هو تفادي ظهور الصور المروعة على شاشات التلفزة التي كنا قد شاهدناها من إيطاليا عن المستشفيات التي كانت تعج هناك بالمصابين.
عائلتي نفدت بنفسها [نجت] في تلك الآونة، فقد أصيبت والدتي البالغة من العمر 95 عاماً بعدوى "كوفيد"، كما عدد من زملائها المقيمين معها. الأمر أوقعنا في معضلة مؤلمة، فهل يكون من الأفضل لها أن تدخل إلى مستشفى، أم يتعين إبقاؤها في مكانها في دار الرعاية؟ لم نتمكن طبعاً من زيارتها، وكانت مريضة للغاية بحيث لم تتمكن من التحدث معنا عبر الهاتف. قمنا بحشد الجهود اللازمة كي نتمكن من نقلها إلى مستشفى، وتمكنا من الحصول لها على إذن بالدخول، على عكس الاتجاه الذي كان سائداً في ذلك الوقت. تماثلت والدتي بشكل ملحوظ إلى الشفاء والتعافي، واحتفلت للتو بذكرى ميلادها السابعة والتسعين، في حين أن خمسةً من أصدقائها الذين لزموا مكان إقامتهم، توفوا بسبب "كوفيد".
لا أعلم حقاً ما إذا كان الفيروس قد انتقل إلى دار الرعاية من المستشفى، لكن كان واضحاً أن الدار كانت تجد مصاعب في التكيف مع الوضع المرضي، كما دور أخرى عدة. ومع ذلك، لا يمكنني انتقاد الموظفين فيه الذين عانى بعضهم من مآسيه الخاصة مع العدوى، والذين قدموا تحديداً دعماً رائعاً لوالدتي في الفترة الأخيرة بعد خضوعها لعملية جراحية.
وفي عودة إلى الحكم الذي أصدرته "المحكمة العليا"، يطرح السؤال: ماذا سيكون تأثير قرار قضائي من هذا النوع؟ فعلى الرغم من أنه يؤكد المؤكد ويثبت أمراً سبق أن عرفناه، فإنه سيؤثر على سجل أداء الحكومة في ما يتعلق بالجائحة. وفيما يحظى رئيس الوزراء بوريس جونسون طبعاً بنقطة إيجابية قوية في مجال نشر اللقاحات، إلا أن طريقة تعامل حكومته مع دور الرعاية الصحية تشكل الآن نقطةً سلبية أكبر. وقد حرص رئيس الوزراء، في إطار الحد من الانعكاسات السلبية عليه، على التأكد من أن التحقيق الرسمي المؤجل في طريقة تعاطي حكومته مع الجائحة، لن يصدر تقريره إلا بعد إجراء الانتخابات العامة المقبلة.
وينتظر عندما ينطلق هذا التحقيق، أن تلقي الحكومة باللوم على "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" Public Health England (PHE)، لتكون كبش فداء مناسباً بعد أن تم حلها في التاسع والعشرين من مارس عام 2021. ويمكن لمات هانكوك وزير الصحة البريطاني في الفترة التي تم خلالها إجلاء المرضى من المستشفيات - وهو يقوم الآن بوضع كتاب عن سجل الحكومة خلال الأزمة الصحية - أن يقدم بياناً لـ"المحكمة العليا"، مفاده أنه تصرف من جانبه على النحو المناسب، وأن "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" هي التي سجلت "فشلاً لناحية عدم إبلاغ الحكومة بما كانت تعرفه عن انتقال الفيروس من أشخاص لا تبدو عليهم أعراض "كوفيد".
أما مسألة ما إذا كانت الحكومة قد استخلصت العبر فتبقى موضوعاً آخر، لكن المأساة مستمرة ولم تنته بعد: فبالنسبة إلى مقدمي الرعاية والأفراد الذين يتلقونها، لا يوجد بعد "طوق نجاة" اليوم. ولا يزال القطاع يعاني نقصاً في التمويل، كما أن العاملين فيه يواجهون ظروفاً وأوضاعاً سيئة، فيما الوظائف الشاغرة آخذة في الارتفاع من جديد (يبلغ المعدل الراهن 9.5 في المئة في مجال الرعاية الاجتماعية للأشخاص البالغين).
أما الوعد الحكومي بتخصيص مزيد من الموارد المالية المُجباة من "ضريبة الرعاية الصحية والاجتماعية" - وهي التسمية الأكثر استساغةً لزيادة رسوم التأمين الوطني هذا الشهر - فهو بالكاد تحقق. وتبقى المفاجأة الوحيدة في أنه سيتم تخصيص دفعة أولية بشكل أساسي، لمعالجة مشكلة قوائم الانتظار القياسية للاستشفاء في مرافق "الخدمات الصحية الوطنية"، وهي قضية تعد أكثر وضوحاً وخطورةً من الناحية السياسية مما يحدث في دور الرعاية التي أعادت فتح أبوابها للزائرين فقط. وما عدا هذا التغيير، فإن شيئاً آخر لن يحدث، على الرغم من حكم "المحكمة العليا"، والادعاء المبالغ فيه من جانب بوريس جونسون بإصلاح نظام الرعاية في البلاد.
© The Independent