تمضي إسرائيل في طريقها لفرض التقسيم الزماني للمسجد الأقصى عبر تخصيصها أوقاتاً محددة لدخول المسلمين، وأخرى للمستوطنين اليهود، في ظل رفض فلسطيني وعربي ودولي تغيير الوضع التاريخي القائم في المسجد، باعتباره "مكاناً خالصاً للمسلمين وحدهم".
احتفالات وجروح
وبعد صلاة فجر الخميس، منعت الشرطة الإسرائيلية الفلسطينيين من دخول "الأقصى" للسماح لمئات المستوطنين بدخوله لإحياء الذكرى الـ74 لتأسيس دولة إسرائيل. كما حظرت الشرطة الإسرائيلية على الشبان الفلسطينيين الدخول لأداء صلاة ظهر اليوم، واعتقلت 50 شخصاً على أبواب المسجد، و15 خلال مغادرتهم منه.
وأدت الصدامات بين الجيش الإسرائيلي والمرابطين إلى إصابة عشرات الفلسطينيين بجروح وحالات اختناق. وبعد أسبوعين على منع الشرطة الإسرائيلية دخولهم في العشر الأواخر من شهر رمضان، سمحت للمستوطنين بدخول المسجد الأقصى وسط حماية مشددة من عناصرها، في ظل استياء الفلسطينيين المرابطين بداخله.
وتعمل الشرطة الإسرائيلية على تنظيم اقتحام المستوطنين لـ"الأقصى" يومياً عدا يومي الجمعة والسبت على فترتين: صباحية وبعد الظهر. وفي الفترة الصباحية، اقتحم نحو 600 مستوطن المسجد على 25 مجموعة، ورفعوا العلم الإسرائيلي، وأدوا صلوات يهودية علنية.
يوميات قديمة باقية
وفي مثل هذا اليوم من العام الماضي، اقتحم 1200 مستوطن "الأقصى" في ذكرى تأسيس إسرائيل، في حين بلغ العدد الإجمالي خلال عام 2021، 34 ألفاً بزيادة ألف مرة أكثر من عددهم في ثمانينيات القرن الماضي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرفض الفلسطيينون بشدة تلك الاقتحامات، ويتصدون لها بالوجود في "الأقصى" وبصيحات التكبير، مما يدفع الشرطة الإسرائيلية إلى ملاحقة الشبان في المسجد وإخراجهم منه بالقوة. وتوعدت الشرطة الإسرائيلية بالتعامل "بحزم ومن دون تساهل" مع من وصفتم بـ"مثيري الشغب"، مؤكدة "إصابة شرطي بجروح طفيفة".
تقسيم زماني للمكان والتاريخ
وتوجد الشرطة الإسرائيلية على أبواب المسجد الأقصى، لكنها تقتحم باحاته لمرافقة المستوطنين وملاحقة المرابطين داخله. وطالب قائد الشرطة الإسرائيلية في القدس عبر مكبرات الصوت الفلسطينيين الذين وُجِدُوا في "الأقصى" بمغادرة ساحات المسجد لتمكين المستوطنين من دخوله.
وأعلنت الشرطة الإسرائيلية استنئاف "زيارات السياح الأجانب والمواطنين الإسرائيليين إلى "الأقصى"، وفقاً لأوقات وقواعد الزيارة القائمة في الوضع الاعتيادي إلى جانب استمرار دخول المسلمين لأداء الصلوات طوال أيام السنة".
ونفت الشرطة الإسرائيلية "وجود تغيير في النظام المتبع منذ سنوات، مضيفة أنها "ستحافظ على حرية العبادة لجميع الديانات في القدس، وستمنع المشاغبين من الإخلال بالنظام العام".
مرابطون "لآخر مدى"
لكن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد مجدلاني، أكد أن إسرائيل "ألغت الوضع التاريخي القائم في المسجد الأقصى منذ العهد العثماني، والانتداب البريطاني، والحكم الأردني، مشيراً إلى أنها "نجحت في فرض التقسيم الزماني للأقصى".
"الشرطة الإسرائيلية تتحكم فيمن يدخل ويخرج"، قال مجدلاني، مضيفاً أن "المرابطين في (الأقصى) يتصدون بإرادتهم الصلبة للمستوطنين". وأشار إلى أن الموقفين العربي والإسلامي بشأن ما يجري في المسجد الأقصى "دون المستوى المطلوب"، قائلاً إن الدول العربية التي لديها علاقات مع إسرائيل "كان يجب أن تلوح لها بتضرر تلك العلاقات إذا تم اقتحام (الأقصى) وعدم اكتفاء ببيانات الإدانة".
واعتبرت الخارجية الفلسطينية أن قرار الحكومة الإسرائيلية استنئاف اقتحام المستوطنين لـ"الأقصى" إعلاناً رسمياً بالحرب الدينية التي ستشعل المنطقة برمتها، يتحمل مسؤوليته رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت. وقالت الوزارة، إن بينيت "يعبر بذلك عن ازدرائه لجهود التهدئة، وتحديه الوضع التاريخي والقانوني القائم، وفرض واقع جديد فيه تقاسم زماني للمسجد وباحاته حتى الآن، وشواهد ذلك إغلاق أبواب المسجد بالكامل، وحصار المصلين داخله وإغلاق الأبواب عليهم".
من يملك السلطة؟
مستشار ديوان الرئاسة الفلسطينية لشؤون القدس أحمد الرويضي قال إن "إسرائيل تعمل على إنهاء الوضع التاريخي القائم في المسجد الأقصى، عبر تقليص دور الأوقاف الإسلامية فيه، وفرض التقسيم الزماني والمكاني بالقوة، وشرعنة اقتحاماته"، مؤكداً، "طالما نحن موجودون لن يستطيع أحد فرض تقسيم الأقصى".
في عمان، أكدت الخارجية أن المسجد الأقصى "مكان عبادة خالص للمسلمين، وتكون الزيارة لغير المسلمين له بتنظيم من إدارة أوقاف القدس، بصفتها الجهة القانونية صاحبة الاختصاص الحصري بإدارة جميع شؤون الحرم وتنظيم الدخول إليه". وطالبت على لسان المتحدث باسمها هيثم أبو الفول "إسرائيل بالكف عن جميع الممارسات بحق الأقصى، واحترام حرمته ووقف جميع الإجراءات التي تستهدف تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم، واحترام سلطة إدارة أوقاف القدس".