في عام 2006 أطلقت الحكومة المصرية مشروع (إحلال التاكسي القديم) بدعم من صندوق "تمويل شراء بعض مركبات النقل السريع" التابع لوزارة المالية المصرية.
واستفاد نحو 44 ألف سائق من المشروع على ثلاث مراحل، وحصل 79% منهم على السيارة بالتقسيط، وتعثر بعضهم في سداد أقساط البنوك، تزامناً مع الانفلات الأمني خلال ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011.
وبعد هدوء الأوضاع السياسية والأمنية بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013 أعلنت الوزارة اعتزامها استكمال المشروع مجدداً، بتحويل اشتراك سيارات التاكسي القديمة (الأبيض والأسود موديل 1999 وما قبل ذلك) إلى أخرى جديدة بداية من يناير (كانون الثاني) 2019 اختيارياً، وليس إجبارياً، ورغم مرور 6 أشهر على هذا الإعلان، فإن أرض الواقع لم تشهد جديداً.
سيارات التاكسي الأبيض كانت تصول وتجول في شوارع العاصمة المصرية القاهرة وسائر المحافظات المصرية دون منازع أو منافس. وكانت إحدى أمنيات الشباب في تسعينيات القرن الماضي وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هي تملُّك (تاكسي) للعمل عليه بعيداً عن القطاع الخاص.
ولأن دوام الحال من المحال، تبدَّلت أحوال سائقي مركبات التاكسي الأجرة في غضون عامين فقط، حينما تسللت شركات النقل التشاركي (أوبر) و(كريم) داخل مصر لتعمل بوضع غير مقنن كلياً، في البداية، إلى أن أقرَّت الحكومة المصرية خطوات تقنينها بشكل رسمي بعد أن أصبحت واقعاً.
بروتوكول تعاون
في 18 فبراير (شباط) الماضي وقَّعت مصلحة الضرائب المصرية بروتوكولاً مع شركة (أوبر مصر) بهدف تحصيل ضريبة القيمة المضافة، وإخضاع الشركة رسمياً لأحكام القانون رقم 67 لسنة 2016.
وقبل إخضاع (أوبر) إلى الضرائب المصرية بنحو 30 يوماً، بحثت وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر مع النائب الأول لرئيس شركة (أوبر) الأميركية توني ويست في القاهرة توسيع نشاطها بمصر في إطار خطتها لضخ استثمارات بقيمة 100 مليون دولار خلال مدة 5 سنوات مقبلة.
زيادة الاستثمارات
وأكدت سحر نصر، في يناير (كانون الثاني) 2019، حيث اللقاء المشار إليه، دعم وزارتها كل الشركات المستثمرة في مصر لتوسيع نشاطها، مشيرة إلى "خطة الدولة في زيادة الاستثمارات، التي توفر فرص عمل، وتقدم خدمة جيدة بسعر مناسب للمواطنين".
وأشادت الوزيرة بدور "أوبر في تحوّل العاملين بالقطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، وتدريبهم على أفضل معايير الجودة، لتوفير خدمة آمنة، وإيراد ضريبي للدولة".
أوبر باص... القاهرة بداية الانطلاق
إغراءات الحكومة المصرية لـ(أوبر) ظهرت في تعقيب توني ويست حينما أكد حرص الشركة على توسيع نشاطها بمصر، في ظل توفر بيئة جاذبة للاستثمار، وهو ما جعل (أوبر) تفتتح خلال العامين الماضيين مركز خدمة متميزاً في القاهرة، يعد الأول بمنطقة الشرق الأوسط، وبتكلفة استثمارية تُقدر بنحو 20 مليون دولار، واختيار الشركة القاهرة لتكون بداية إطلاق خدمتها الجديدة (أوبر باص) في 2018.
الإحباط يسيطر
على الوجه المقابل فإن أكثر من مليوني سائق مركبة تاكسي أجرة (الأبيض) يشعرون بالقلق والخوف والإحباط نتيجة تراجع إيراداتهم، وتدني أهم مصادر دخلهم، مع دخول النقل التشاركي مصر.
أحمد مغازي، شاب ثلاثيني، أبدى امتعاضه من توجه الحكومة إلى تقنين أوضاع شركة (أوبر) على حساب شريحة كبيرة من الشباب المصري، الذي يعمل على مركبات التاكسي الأبيض لتدبير نفقات الحياة.
يقول "أعمل سائقاً على مركبة تاكسي أبيض منذ عام 2009، وحسمت مستقبلي الوظيفي بمساعدة والدي، ولم أعمل بغيرها، ومن خلالها تزوجت، ولديّ طفلان، ولا مصدر دخل لي سوى التاكسي".
وأضاف الشاب الثلاثيني "الإيرادات والأرباح كانت جيدة للغاية حتى عام 2016، حينما بدأنا نرى (سيارات ملاكي) تحلّ محلنا وتقوم بمهامنا. ومع الأسف أرزاقنا أصبحت معلقة بأوبر وغيرها".
وكشف المغازي أنه "في بداية ظهور (أوبر) أو (كريم) كانت تخوفاتنا ليست كبيرة، نظرا إلى أن تلك الشركات كانت تعمل بشكل غير رسمي، وكنا نتوقع نحن سائقي التاكسي انتهاء التجربة الحديثة سريعاً بتدخل حكومي".
وتابع "ما زاد الطين بلة بالنسبة إلينا هو توجه الحكومة نحو تقنين أوضاع تلك الشركات، ومنذ منتصف العام الماضي بدأ الطلب يتراجع بشكل مخيف، وتسرب إلينا إحساسٌ بعدم القدرة على الوفاء بمتطلبات ونفقات الحياة".
وطالب مغازي "الحكومة المصرية بمراعاة سائقي التاكسي الأبيض، ووضعهم على قدم المساواة مع شركات النقل التشاركي، قبل أن تزداد أعداد المتعطلين عن العمل في مصر".
وعلى النقيض من ذلك، شابٌ آخر في منتصف الثلاثينيات أيضاً، حاصل على ليسانس الحقوق، ويعمل ضمن منظومة (أوبر)، من خلال سيارته الملاكي.
يقول (م. علي)، رفض ذكر اسمه "بعد دخول شركات النقل التشاركي مصر قررتُ اقتناء سيارة ملاكي لإدخالها في المنظومة، فالشركة تستهدف شرائح محددة من الراكبين، إلى جانب تجنب عناء البحث عن راكبين، مثلما يفعل التاكسي الأبيض، فضلاً عن دخل جيد أحصل عليه بنسبة 75% من قيمة الأجرة".
تعنت المالية المصرية
محمود عبد الحميد، رئيس جمعية سائقي التاكسي الأبيض بمصر، قال إن "أزمة المركبات ليست مرتبطة بالمنافسة مع منظومة النقل التشاركي الوليد في مصر"، موضحاً أن "حتى اللحظة الحالية (أوبر) ليس لها وضع قانوني كامل بنسبة 100%، فالقانون صدر في يونيو (حزيران) 2018، ولائحته التنفيذية لم ترَ النور حتى الآن".
وأرجع عبد الحميد، تراجع مبيعات مركبات التاكسي الأبيض إلى "تعنت وزارة المالية ضد السائقين بوضع شروط تعجيزية عند تنفيذ المرحلة الثالثة من مشروع الإحلال، فالصندوق المنوط به هذه المهمة، توقف عن التمويل منذ مارس (آذار) 2013 نتيجة وضع شروط تعسفية باشتراط ضامن ورفع الرسوم المقررة بمعدلات مغالى فيها".
وتابع رئيس جمعية التاكسي الأبيض أن "قرار وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي رقم 610 لسنة 2017 بمضاعفة الرسوم والتأمينات خمسة أضعاف من 700 جنيه (41 دولاراً أميركياً) إلى 3500 جنيه (207 دولارات أميركية)، علاوة على زيادة سنوية 25%، كان القشة التي قصمت ظهر التاكسي الأبيض، وجعلت بعض سائقيه يتجهون إلى شراء سيارات ملاكي".
مشروع قانون لتطوير التاكسي الأبيض
وحول ضعف منافسة التاكسي الأبيض في مواجهة الخدمات والعروض التي تقدمها شركات النقل التشاركي، كشف عبد الحميد أنه "أعدّ مشروع قانون جديد تقدم به إلى وزارتي النقل والمالية ومجلس الوزراء المصري تمهيداً لرفعه إلى مجلس النواب لتطوير المنظومة بشكل جذري، إضافة إلى مذكرة توضح خطورة انهيار التاكسي الأبيض التقليدي أمام طموح شركات النقل التشاركي بالسوق المصرية".
وتتضمن مشروع القانون الجديد، مقترح تشريع إنشاء اتحاد سيارات الأجرة (التاكسي) بشكل إلزامي، إذ لا تتم مصوغات استخراج واستلام التراخيص اللازمة سواء للسيارة أو السائق قبل سداد اشتراكات الاتحاد الجديد لتدبير الموارد اللازمة لمواكبة التطورات التكنولوجية في قطاع نقل الركاب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تراجع المبيعات
مجلس معلومات سوق السيارات "أميك" أعلن في آخر إحصاءاته تراجع مبيعات مركبات التاكسي الأبيض للشهر الرابع على التوالي بنسبة 66%، مسجلة 32 سيارة خلال أبريل (نيسان) الماضي من العام الحالي، مقارنة بـ96 وحدة خلال أبريل (نيسان) 2018 من العام السابق.
وخلال الـ120 يوماً الأولى من العام الحالي 2019 شهدت مبيعات مركبات التاكسي تراجعاً كبيراً، مسجلة انخفاضاً بنسبة 73% لتبلغ نحو 157 سيارة فقط خلال الشهور الأربعة، مقارنة بنحو 584 مركبة في الفترة نفسها مقارنة من العام الماضي 2018.
وقال رأفت مسروجة، خبير قطاع السيارات والرئيس الشرفي لـ"أميك"، إن "التراجع الكبير في مبيعات التاكسي الأبيض مع مطلع العام الحالي يعود إلى أن شريحة كبيرة من المستهلكين بدأت تستهدف شراء المركبات الملاكي عوضاً عن التاكسي، بهدف الانضمام إلى (أوبر) و(كريم)".
وأضاف مسروجة "لا يجب أن نغفل كذلك ارتفاع أسعار السيارات التاكسي، وانخفاض إجمالي رسوم التراخيص المحصلة عن السيارات الملاكي مقارنة بـ(الأبيض) بنسب مرتفعة".