فجّر سعي البرلمان العراقي إلى إشراك رجال دين شيعة وسُنة ضمن هيئة أعلى كيان قضائي في البلاد، جدلاً واسعاً في البلاد، إذ اعتبر البعض ذلك محاولةً لاستنساخ تجربة "الولي الفقيه"، المعمول بها في إيران.
مسودة قانون مثير للجدل
وينظر البرلمان العراقي حالياً في مسودة قانون "المحكمة الاتحادية العليا"، وهي السلطة القضائية المتخصّصة في الفصل بالنزاعات الدستورية، حيث تُعتبر قراراتها قطعية، ولا تخضع للتمييز، ما يمنحها تفوّقاً على المؤسسات السياسية الأخرى.
وتحتكر "المحكمة الاتحادية العليا" حقّ مراقبة دستورية تطبيق القوانين والأنظمة وتفسير نصوص الدستور، وتنظر في صحة عضوية أعضاء البرلمان، ويمنحها الدستور سلطة إبعاد مَن لا تنطبق عليه لوائح القانون من بينهم، ما يضعها في موضع الرقيب بالنسبة إلى العملية السياسية في العراق.
هل يهدف البرلمان إلى السيطرة على المحكمة؟
منذ تشكيلها في عام 2005، كانت هيئة المحكمة الاتحادية العليا مكونة من قضاة يتمتعون بخبرات واسعة وسنوات خدمة طويلة، بعيداً من تأثيرات البرلمان وأحزابه السياسية، على الرغم من اندلاع الجدل بشأن مستوى الاستقلال الذي تمتّعت به هذه المحكمة في نهاية الولاية الأولى لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ويقول مقرّبون من رئيس المحكمة الاتحادية القاضي مدحت المحمود إن البرلمان العراقي يخطّط للسيطرة على أعلى سلطة قضائية في البلاد، من خلال التدخل في طريقة تعيين أعضائها.
وينصّ قانون المحكمة الاتحادية النافذ على أن يقوم "مجلس القضاء الأعلى"، وهو السلطة المتخصّصة بتنظيم شؤون القضاء العراقي، بترشيح رئيسها وأعضائها، لكن الجدل القانوني يدور الآن حول الجهة التي تملك حق الاختيار من بين المرشحين.
وعندما أصدر مجلس الوزراء العراقي عام 2005، قرار تشكيل المحكمة الاتحادية، منح حق اختيار قضاتها إلى مجلس رئاسة الجمهورية، الذي كان يضم آنذاك رئيساً كردياً، ونائباً شيعياً للرئيس، وآخر سنياً. ولكن مجلس الرئاسة هذا لم يستمر، ما ترك فراغاً في مسألة تحديد الجهة التي تعيّن قضاة المحكمة.
فقهاء بدرجة قضاة!
وتنص مسودة قانون المحكمة على أمرين مثيران للجدل، الأول هو إشراك فقهاء من الطوائف الدينية المختلفة، وأبرزها السنة والشيعة، ضمن هيئتها القضائية، ما يمنحهم للمرة الأولى حق التصويت على قراراتها.
ويقول مقربون من رئيس المحكمة الاتحادية إن هذا الرأي يخالف الدستور، ويمنح مَن ليسوا بقضاة، حق المشاركة في هيئة قضائية، فيما يرى ناشطون أن البرلمان العراقي يستنسخ تجربة "ولاية الفقيه" من إيران.
وقال الصحافي والناشط العراقي مصطفى ناصر، إن "مشروع قانون المحكمة الاتحادية هو استنساخ تجربة ولاية الفقيه في إيران". وأضاف ناصر أن "لدى إيران مجلساً اسمه مجلس صيانة الدستور يضم 12 عضواً، يُعيَّن فيه 6 قضاة من قبل رئيس السلطة القضائية الذي يعينه المرشد الأعلى بالأساس، و6 رجال دين يعينون من قبل المرشد الأعلى، ويكون لهم حق التصويت وإيقاف أي
قرار".
وتابع "في العراق مَن يصون الدستور هي المحكمة الاتحادية التي تضم مجموعة قضاة فقط، لكن وفق مشروع قانون المحكمة الجديد، ستضم 4 رجال دين... إن تنصيب رجال الدين سيكون وفق مبدأ المحاصصة، وستنتهي السلطة القضائية إلى ممرّ المحاصصة المعطلة لكل شيء".
محاصصة في القضاء!
أما الأمر الثاني الذي تنص عليه المسودة، فيتعلق بالجهة التي تختار رئيس المحكمة وقضاتها، إذ يحاول البرلمان استغلال صلاحياته لاحتكار هذا الحق. لكن اللافت أن بعض النواب، يرون أن ترك اختيار قضاة هذه المحكمة للبرلمان، سيطلق يد الأحزاب التي تشكل مجلس النواب.
ويقول النائب العراقي كاظم الصيادي، إن "المحكمة الاتحادية ستصبح محكمة توافقية محاصصتية قومية طائفية"، مشيراً إلى أنه "لا توجد حلول لدى الدولة العراقية، بسبب غياب مقومات دولة، وفقدان رجال دولة يقودون الدولة العراقية إلى حين أن يجدوا الحلول".
ويرى الباحث في مجال العلوم السياسية، علي طاهر أن "الكتل السياسية العراقية تريد تفصيل قانون المحكمة الاتحادية على مقاساتها"، مشيراً إلى أن اختيار الأعضاء من قبل مجلس النواب "وفق معايير المحاصصة" سيمنح رجال الدين حق "الفيتو" لتعطيل أي قرار، مشيراً إلى أن "هذا النوع من التشريعات يقرب العراق من الدولة الإسلامية".
تحركات مضادة
وعلمت "اندبندنت عربية" من مصادر قضائية أن "رئاسة المحكمة الاتحادية تتواصل مع رئيس الجمهورية برهم صالح ورئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، لحضّهما على التصدي لجهود البرلمان، التي يقودها رئيسه محمد الحلبوسي"، لكنها تعول في الوقت ذاته على الشرط الحاسم الذي يفصل بين القانون ونفاذه، إذ ينص الدستور العراقي على أن قانون المحكمة العليا يجب أن يحظى
بإجماع ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، وهو أمر بالغ الصعوبة، نظر إلى الانقسامات السياسية الكبيرة بين القوى العراقية، وندرة توصلها إلى إجماع.