يتوقع أن تقرر الحكومة البريطانية، الأسبوع المقبل، إلغاء بنود من "بروتوكول إيرلندا الشمالية" الموقع بينها وبين الاتحاد الأوروبي ضمن اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد (بريكست) التي وافق عليها رئيس الوزراء بوريس جونسون قبل 18 شهراً، ودخلت حيّز التنفيذ العام الماضي مع خروج بريطانيا رسمياً من أوروبا، وذلك بعد أن وصلت المفاوضات بين الجانبين، التي تقودها وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس من جهة ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، ماروش شيفتشوفيتش من جهة أخرى، حول تعديل البروتوكول إلى طريق مسدود.
ينظم البروتوكول انتقال السلع والبضائع ما بين إيرلندا الشمالية وبقية بريطانيا، تفادياً لفرض حدود جمركية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا. ويعني ذلك مد الحدود التجارية والجمركية للاتحاد الأوروبي إلى بحر إيرلندا الذي يفصل إيرلندا الشمالية عن بقية المملكة المتحدة (بريطانيا) كي لا يتم تقسيم الجزيرة الإيرلندية. وفي حال طرحت الحكومة البريطانية الأسبوع المقبل، كما هو متوقع، مشروع قانون لإلغاء بنود البروتوكول فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر ذلك "تمزيقاً" لاتفاقية دولية التزمت بها بريطانيا وسيلجأ إلى إجراءات عقابية قد تضر بالوضع الاقتصادي المتدهور أساساً في بريطانيا.
ولن يكون من السهل على الحكومة تمرير القانون في البرلمان، إذ سيجد معارضة قوية من النواب وأقوى وأشد من اللوردات الذين يخشون من أن ما ستفعله الحكومة يدمر الثقة بالتزام بريطانيا بتعهداتها الدولية ويشكل خطراً على الأمن القومي البريطاني.
وذكرت صحيفة الـ"اندبندنت" أن وزيرة الخارجية ليز تراس أعدت بالفعل مشروع القانون، الذي يتجاوز تفعيل المادة 16 من البروتوكول ويصل إلى حد النكوص عن الاتفاقية كلياً بنظر الأوروبيين. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين أوروبيين قولهم إن مثل هذا الإجراء ستكون له نتائج عكسية ضارة ببريطانيا.
إرضاء الوحدويين
ترى ليز تراس، ومعها بعض من أنصار "بريكست" المتشددين في حزب المحافظين مثل جاكوب ريس - موغ، أن توقيع بوريس جونسون على بروتوكول إيرلندا الشمالية ضمن اتفاقية بريكست عام 2019 كان خطأ، لكن وقتها لم يكن ممكناً الخروج باتفاق دون البروتوكول الملحق لتظل إيرلندا الشمالية تتعامل بحرية تجارياً واقتصادياً مع بقية الجزيرة الإيرلندية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يفترض تقرير الـ"اندبندنت" أن الحكومة البريطانية ربما تستخدم مشروع قانون تغيير البروتوكول كورقة ضغط تفاوضية مع الأوروبيين، لكن من غير المحتمل أن يقدم الاتحاد الأوروبي أي تنازلات إضافية لبريطانيا في ما يتعلق بما تم الاتفاق عليه بشأن إيرلندا الشمالية. ولدى المفوضية الأوروبية خيارات كثيرة لفرض عقوبات على بريطانيا إذا لجأت إلى تمزيق البروتوكول. ويقول تقرير الصحيفة إن وزير الخزانة ريشي سوناك يقف ضد الإجراء خشية أن تؤدي أي عقوبات أوروبية على بريطانيا إلى مزيد من الأضرار الاقتصادية، بينما وزارته تحاول جاهدة للتعامل مع التردي الناجم عن انكماش الاقتصاد في وقت ترتفع فيه تكاليف المعيشة بشكل صاروخي مثقلةً كاهل البريطانيين.
حجة ليز تراس ومجموعتها أن إلغاء البروتوكول، أو إلغاء أغلب بنوده الرئيسة، يسهم في الإبقاء على اتفاقية "الجمعة الطيبة" لعام 1998 التي تضمن تشارك السلطة في إيرلندا الشمالية، بين الوحدويين والانفصاليين. ومنذ البداية، يعارض الحزب الديمقراطي الوحدوي في إيرلندا الشمالية البروتوكول. وبعد أن خسر الحزب الذي يؤيد بقاء إيرلندا الشمالية ضمن المملكة المتحدة في الانتخابات الأخيرة الأسبوع الماضي، لصالح حزب "شين فين" الذي يفضل انضمام إيرلندا الشمالية إلى جمهورية إيرلندا، يرفض الوحدويون المشاركة في السلطة التنفيذية للإقليم. وتشترط اتفاقية "الجمعة الطيبة" مشاركة الطرفين، الوحدويين والانفصاليين، بالإقليم في كل السلطات التفيذية والتشريعية فيه.
لكن محاولة إرضاء الوحدويين لا تقنع أحداً بأن البروتوكول يهدد اتفاقية "الجمعة الطيبة". وأبلغ رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن، نظيره البريطاني بوريس جونسون في مكالمة هاتفية هذا الأسبوع، أن بريطانيا بهذه الخطوة "تضر باستقرار عملية السلام" في إيرلندا الشمالية. كما أن الولايات المتحدة منزعجة أيضاً وأعربت عن قلقها من مشروع القانون الذي تطرحه ليز تراس. وستعين واشنطن مبعوثاً خاصاً إلى إيرلندا الشمالية في أقرب وقت.
موقف أوروبا
يدرك الأوروبيون منذ البداية أن رئيس الوزراء البريطاني إنما يناور دائماً ويحاول الاستجابة لضغوط المعارضين لأوروبا في حزبه وحكومته، لكن المفوضية الأوروبية هذه المرة لا تريد أن تخرج إيرلندا الشمالية من السوق المشتركة. وهو ما سيشكل ضرراً هائلاً بجمهورية إيرلندا، العضو المهم في الاتحاد الأوروبي.
كما أن تمزيق البروتوكول قد يؤدي إلى ضرر لا يمكن إصلاحه بمكانة بريطانيا دولياً كبلد يلتزم باتفاقياته الدولية. وكما يقول اللورد بيتر ريكيتس، المستشار السابق للأمن القومي البريطاني، فإن موقف البرلمان سيكون "تأكيدنا على الضرر بسمعة بريطانيا إذا اتخذت هذه الخطوة الآن، وسط أصعب صراع تمر به أوروبا منذ عام 1945 (نهاية الحرب العالمية الثانية)".
أما ويزر الخارجية الإيرلندي سايمون كوفيني فقال في مقابلة إذاعية، "يتوقع الاتحاد الأوروبي ببساطة أن يتم احترام المعاهدة الدولية، وهو مستعد للمرونة القصوى لتنفيذها في ما يخص الأخذ في الاعتبار المخاوف لدى إيرلندا الشمالية ورجال الأعمال ومن الوحديين على وجه الخصوص".
لكن الواضح أن مشروع القانون الذي أعدته ليز تراس ينسف البروتوكول تماماً ولا يهدف إلى تخفيف إجراءات التفتيش والرسوم الجمركية على السلع والبضائع من بريطانيا إلى إيرلندا الشمالية، بخاصة أنه على الرغم من مقترحات تخفيف تلك القيود عبر البحر الإيرلندي، فإن بعض رجال الأعمال يشكون للحكومة من أنهم لا يستطيعون توريد منتجاتهم بسهولة إلى إيرلندا الشمالية.