بعد يوم واحد من صدور أرقام وبيانات التضخم في الهند، فرضت الحكومة حظراً على تصدير القمح إلى خارج البلاد إلا لتلبية عقود بخطابات ائتمان صدرت بالفعل وللدول التي تحتاج بشدة لتلك الواردات لضمان أمنها الغذائي.
وعلى رغم أن الهند ليست من كبار مصدري القمح في العالم، إلا أن السوق العالمية كانت تراهن على زيادة صادراتها منه لتعويض تعطل شحنات القمح الأوكراني نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا منذ نهاية فبراير (شباط) الماضي.
بررت الحكومة الهندية قرارها بحماية السوق المحلية من ارتفاع الأسعار في ظل توقعات نقص الإنتاج من القمح هذا الموسم بسبب ارتفاع درجات الحرارة ونقص الأسمدة. وكان معدل التضخم في الهند لشهر أبريل (نيسان) ارتفع إلى أعلى معدل له في ثماني سنوات بنسبة 7.79 في المئة، بينما ارتفعت اسعار المواد الغذائية بنسبة 8.38 في المئة.
وتراجع شراء المؤسسات الحكومية للقمح هذا الموسم إلى أدنى مستوى له في 15 سنة، إذ بلغت المشتريات الحكومية من محصول القمح حتى الآن 18 مليون طن فقط، مقابل 43.3 مليون طن في موسم 2021-2022.
وعلى رغم أن موسم شراء القمح يمتد من أبريل إلى مارس (آذار) المقبل، إلا أن القدر الأكبر من المشتريات الحكومية من المحصول يكون في الفترة من بداية أبريل إلى منتصف مايو (أيار).
وخفضت الحكومة الهندية توقعاتها السابقة بأن يصل انتاج محصول القمح إلى 111.3 مليون طن هذا العام. وتصل توقعات وزارة الزراعة الهندية الآن إلى نحو 105 ملايين طن، ربما تقل بحسب ما يبدو من إنتاج بعض المناطق التي تعرضت لدرجات حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية أو تزيد.
حرب أوكرانيا
وتشير تقديرات داخلية لوزارة الزراعة والحكومة الهندية أن محصول القمح هذا الموسم قد لا يزيد على 95 مليون طن، وهو أدنى مستوى له منذ موسم 2015-2016 بحسب ما ذكرت صحيفة "إنديان إكسبرس" اليوم السبت.
لا تعد الهند من بين كبار مصدري القمح في العالم، على رغم حجم إنتاجها الكبير، لأن أغلب الإنتاج يتم استهلاكه محلياً. وفي الموسم الماضي بلغت صادرات الهند من القمح 7 ملايين طن بنحو ملياري دولار. لكن الحرب في أوكرانيا وتعطل شحنات القمح عبر البحر الأسود جعل البلاد تزيد من توقعاتها بمضاعفة صادراتها هذا الموسم لتصل إلى نحو 10 أو 15 مليون طن.
ومع تعطل الصادرات الأوكرانية والعقوبات على روسيا وموسم الجفاف في الولايات المتحدة الذي أضر بمحصول هذا الموسم، راهن تجار القمح في السوق العالمية على مضاعفة الصادرات الهندية لتسد النقص الناجم عن تلك التطورات. بخاصة أن فرنسا، التي تعد رابع أكبر مصدر للقمح عالمياً، تواجه موجة حرارة شديدة وجفاف قد يضر بمحصولها هذا الموسم.
وبالفعل أرسلت الهند وفوداً تجارية من وزارة التجارة إلى تسع دول هي المغرب وتونس وإندونيسيا والفيليبين وتايلاند وفيتنام وتركيا والجزائر ولبنان لبحث "فرص زيادة صادرات القمح الهندية" إلى تلك الدول. ووافقت مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم، أخيراً على وصول القمح الهندي كبديل للقمح الأوكراني العالق وسط الحرب. لكن لم تمض أيام وأعلنت الهند حظر تصدير القمح هذا الموسم، ما جعل الأسواق تتحسب لمزيد من ارتفاع الأسعار بخاصة في سوق البيع الفوري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جاء قرار الحكومة الهندية بحظر تصدير القمح مفاجئاً، بخاصة أن ارتفاع معدلات التضخم على رغم أنه كبير لكنه لا يكفي لتبرير القرار. إنما تخشى حكومة رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي من أزمة في السوق المحلية وارتفاع أسعار القمح بشكل يزيد من الأعباء المعيشية لمئات ملايين المواطنين في الهند. كما أن نقص المحصول سيعني اضطرار الحكومة إلى رفع سعر شراء القمح من المزارعين. إذ بلغت أسعار القمح في السوق الفورية المحلية أكثر من 322 دولاراً (25 ألف روبيه) للطن، بينما السعر الحكومي المثبت هو عند نحو 260 دولاراً (نحو 20 ألف روبيه) لطن القمح.
استفادة روسيا
ما لم تذكره التقارير الإعلامية والتحليلات السريعة السبت تعقيباً على قرار الهند حظر تصدير القمح هو أن المستفيد الأكبر من قرار حظر صادرات القمح الهندية هو كبار المصدرين في العالم مثل روسيا وكندا. أما الولايات المتحدة، فقد صدرت توقعات الأسبوع الماضي تشير إلى تراجع محصول القمح هذا الموسم بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
بحسب أرقام العام قبل الماضي، تأتي روسيا في مقدمة قائمة الخمس الكبار من مصدري القمح في العالم، تليها الولايات المتحدة وكندا ثم فرنسا.
وحلت أوكرانيا في المرتبة الخامسة بين أكبر مصدرين للقمح عالمياً. ومع نهاية عام 2020 بلغت نسبة صادرات روسيا من إجمالي صادرات القمح العالمية 17.6 في المئة، وصدرت روسيا قمحاً في ذلك العام بما يصل إلى 8 مليارات دولار.
أما نصيب الولايات المتحدة من صادرات القمح العالمية فكان بنسبة 14 في المئة تقريباً، وصدرت قمحاً العام قبل الماضي بنحو 6.3 مليار دولار. كما كانت نسبة الصادرات الكندية من سوق تجارة القمح العالمية مماثلة إلى حد كبير لنسبة أميركا.
وجاءت فرنسا في المركز الرابع بين كبار مصدري القمح بنسبة في حدود 10 في المئة من إجمالي الصادرات العالمية. وصدرت فرنسا في العام قبل الماضي قمحاً بقيمة 4.5 مليار دولار. أما نصيب أوكرانيا فكان في حدود 8 في المئة من تجارة القمح العالمية وبلغت قيمة صادراتها 3.6 مليار دولار.
وفي ظل تعطل الصادرات الأوكرانية، وموجة الجفاف في الولايات المتحدة وفرنسا، تصبح روسيا وكندا أكبر مستفيدين من تراجع حصص كبار المصدرين هؤلاء، وكذلك من ارتفاع أسعار القمح العالمية نتيجة نقص المعروض في السوق. وربما تستفيد أيضاً أستراليا، التي بلغ نصيبها من تجارة القمح العالمية عام 2020 نسبة 6 في المئة، وصدرت في ذلك العام قمحاً بقيمة 2.7 مليار دولار. لكن الموسم في أستراليا لم يتضح وضعه حتى الآن، وهذا ما يترك روسيا وكندا في وضع المستفيد الأكبر من سوق تجارة القمح العالمية هذا الموسم.