يترقب السودانيون، وسط جدل وسخط وتبادل اتهامات وتقاذف مسؤوليات، نتائج تحقيق تقوم به جهات مختصة بوزارة الطاقة والنفط حول انتشار توزيع بنزين فاسد غير مطابق للمواصفات دخل البلاد وتم توزيعه على المحطات، في وقت دفعت جمعية حماية المستهلك السودانية ببلاغ لدى نيابة حماية المستهلك حول الموضوع لم يبتّ فيه بعد.
شكاوى
وفوجئ كثيرون من المواطنين بتعطل محركات عرباتهم من دون سبب بعد تعبئة البنزين ومغادرة محطة الوقود بوقت وجيز، وتكررت الواقعة وسط دهشة وحيرة الجميع، حتى جاء التشخيص الميكانيكي ليكشف أن السبب هو بنزين فاسد، وانتشرت موجة الأعطال سريعاً بحجم كميات البنزين التي وزعت وارتفعت معها أصوات شكاوى المتضررين بعد الزيادة اللافتة في أعداد السيارات التي تعطلت خلال الأسابيع الماضية، في حال وصفت بأنها كانت أشبه بالتسمم الجماعي للسيارات التي تكدست أمام ورش الصيانة القريبة من محطات الوقود على وجه الخصوص.
وتزايدت شكاوى المواطنين في الخرطوم من تعطّل مركباتهم وتكبدهم خسائر كبيرة مرتين، الأولى في ثمن البنزين الذي دفعوه، والثانية في تحملهم تكلفة صيانة سياراتهم، وأشار متضررون إلى أن الواقعة تكشف غياب الرقابة واللامبالاة في التعامل مع سلع استراتيجية وحساسة مثل الوقود حتى باتت معرضة للغش والفساد، على الرغم من أن أسعارها بعد التحرير أصبحت تفوق إمكانيات المواطن وتشكل عبئاً ثقيلاً عليه.
ويقول المواطن مجاهد سليم إنه لم يكد يغادر محطة الوقود بعد أن ملأ خزان سيارته كاملاً بالبنزين بمبلغ 50 ألف جنيه سوداني (حوالى 100 دولار) حتى توقف محركها عن الحركة، مشيراً إلى أنه كان يستبعد تماماً في بادئ الأمر أن يكون السبب البنزين، لكن المفاجأة كانت في تكرر الواقعة نفسها مع آخرين في المنطقة عينها.
بلاغ وتحقيق
على الصعيد الرسمي، توقعت مصادر إعلان نتائج تحقيق بشأن البنزين غير المطابق للمواصفات، شرعت فيه وزارة الطاقة والنفط، وقد يستغرق أسبوعاً لاستكماله، مشيرة إلى أن لجنة التحقيق التي شكلتها الوزارة باشرت أعمالها بالفعل منذ أيام، فضلاً عن تعزيز الوزارة إجراءات الرقابة على محطات ومستودعات الوقود، كما فتحت الجمعية السودانية لحماية المستهلك، بلاغاً ضد عدد من محطات خدمة الوقود في العاصمة السودانية، المتهمة بتوزيع البنزين الفاسد، ودعت المتضررين للانضمام إلى دعواها المقيدة بنيابة حماية المستهلك والبيئة والصحة العامة، ضد تلك المحطات.
هل النافتا السبب؟
في السياق، أكد مصدر مختص في مجال توزيع المحروقات حقيقة وصول بنزين غير مطابق للمواصفات لبعض المحطات سببها دخول باخرة تحمل بنزين غير مطابق يرجح أن تكون فيه نسبة أكبر من المطلوب من مادة "النافتا"، وأوضح أن هذه المادة تدخل كعنصر في أساس في إنتاج البنزين بمختلف أنواعه، وهي بمثابة المادة الخام التي تتم عليها إضافات ومعالجات عدة كيماوية لتحويلها إلى البنزين، لكن يجب ألا تختل النسبة بحيث تتجاوز الحد المسموح به، وقال إن بعض الشركات التي تستورد النفط ليس لديها الإلمام الكافي بالمواصفات الفنية للمشتقات النفطية سواء كان البنزين أو غيره، فضلاً عن بحثها عن الأسعار الأقل في سوق النفط ما قد يوقعها في مثل هذا الخطأ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع المصدر نفيه أنها ليست المرة الأولى التي يوزع فيها بنزين غير مطابق للمواصفات، فقد جرى قبل سنوات توزيع بنزين يحتوي على نسبة عالية من الشوائب والكبريت، لكن أضراره لم تكن بمستوى ما حدث هذه المرة.
فحص الواردات
على صعيد متصل، طالب نصر الدين شلقامي رئيس مجلس إدارة الجهاز القومي لحماية المستهلك، بضرورة تفادي ما حدث، مطلع الشهر الجاري، من تضرر بعض المستهلكين من بنزين غير مطابق للمواصفات، من خلال إخضاع كل الواردات للبلاد لفحص الجودة والسلامة عبر مختبرات الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس كجهة معتمدة من الدولة وفق المواصفات القياسية التي تصدرها أو التنسيق بين الهيئة والجهات ذات الصلة، وأكد شلقامي، في الاجتماع الثاني لمجلس إدارة الجهاز القومي لحماية المستهلك، فتح بلاغات في نيابة المستهلك ومتابعة الملف مع الجهة المختصة، المؤسسة السودانية للنفط ومختبراتها، بصفتها الجهة المسؤولة عن فحص وتأكيد جودة المواد البترولية قبل دخولها البلاد، وأعلن رئيس مجلس إدارة الجهاز القومي عن تأليف ثلاث لجان متخصصة في مجالات الغذاء، والدواء والخدمات إلى جانب تبني إنشاء مجلس لسلامة الغذاء.
الشركات تدافع
وحمّلت بعض الشركات المستوردة للنفط، في المقابل، ما وصفته بـ "مافيا النفط" مسؤولية محاولة إخراجها من السوق بإطلاق إشاعات حول استيراد إحدى الشركات بنزيناً ملوثاً، وأكدت الشركات خضوعها للرقابة والتدقيق من قبل الجهات الرسمية، معتبرة أن القصد من الإشاعات هو الكيد التجاري بغرض إبعادها عن السوق بغرض احتكار هذه السلعة عقب صدور قرار تحرير المحروقات، واتهمت الشركات في بيان، ما سمته بـ "لوبي" يعمل على عرقلة عملها وزيادة الضغوط عليها لإقصائها عن السوق، مشيرة إلى أن وزارة الطاقة والنفط رفضت طلباً لعدد من الشركات الأخرى (المنافسة) في وقت سابق بداية العام، لإيقاف الشركات الخاصة من الاستيراد، وأكدت الشركات المستوردة للوقود، خضوع شحناتها للفحص والرقابة من البلد المستورد، محذرة من اتجاه البعض إلى الهجوم على الشركات من أجل العودة إلى احتكار القطاع.
"المواصفات" ترفع يدها
في الأثناء، أصدرت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، تعميماً صحافياً، قالت فيه إنها تتابع بقلق ما يثار حول تضرر بعض السيارات جراء بنزين غير مطابق للمواصفات مع بعض الإشارات والتساؤلات عن دورها في ضبط جودة الوقود وإجراءات فحصه، وأوضحت الهيئة أن عمليات فحص وتأكيد جودة المواد البترولية ليس من صميم عملها، بل يدخل في نطاق جهات مختصة أخرى، داعية إلى تكامل الأدوار التنسيقية بين الجهات الحكومية والمستهلك وأجهزة الإعلام في التصدي لكل المخالفات، كل في مجال تخصصه، وأضاف التعميم، "الهيئة مع أسفها لذلك الضرر الذي لحق ببعض المستهلكين، تشير إلى أنها هيئة اتحادية تعمل وفق قوانين ولوائح منظمة لعملها كونها الجهة الوطنية المناط بها إحكام الرقابة على الصادرات والواردات والمنتجات المحلية، وفي هذا الصدد، فقد تحدد صلاحيتها ومسؤوليتها منعاً لأي تقاطعات فنية أو إدارية مع المؤسسات الأخرى".
وكانت الحكومة السودانية قد قررت بشكل مفاجئ في يونيو (حزيران) الماضي، في إطار الوفاء بالتزاماتها بشروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التحرير الكلي لأسعار الوقود، وأصدرت وزارة المالية قراراً بإلغاء كل أسعار الوقود على أن تخضع أسعار الوقود بعد التحرير للمراجعة الدورية بحسب التقلبات في سعر الصرف، في وقت كانت قيمة الجنيه السوداني انخفضت في السوق الموازية إلى 450 جنيهاً أمام الدولار، واضطرت الحكومة إلى فتح باب استيراد الوقود عبر الشركات الخاصة لفك ضائقة الاختناقات التي حدثت خلال الآونة الأخيرة، وتركت للشركات المستوردة حق تحديد السعر وفق آلية السوق، بحسب الأسعار السائدة، ومنذ ذلك الحين، بدأت أسعار الوقود في تصاعد مستمر، تبعاً لتحرك سعر الدولار.
ويستورد السودان حوالى أكثر من 30 في المئة من احتياجاته البترولية من الخارج، بينما يغطي الإنتاج المحلي بشكل متذبذب نحو 70 في المئة من البنزين وغاز الطهي و40 في المئة من "الغازولين".