بعد حوالي 12 أسبوعاً من ضخ الحكومة الروسية وسائل إعلامها الرسمية بروايتها المفبركة عن "الحرب المجيدة" التي يخوضها الرئيس فلاديمير بوتين في أوكرانيا، جاء الرد الصاعق الذي ينفي هذه الدعاية الإعلامية من كولونيل متقاعد قدم تقويماً صادماً بصراحته وإدانته لوضع روسيا على جبهة القتال وفي المسرح الدولي.
الحرب تسير بشكل سيء
واستغل القائد السابق للدفاع الجوي وخريج أفضل المدارس العسكرية في الاتحاد السوفياتي ميخائيل خوداريونوك المساحة المتاحة له في أحد البرامج الحوارية الأكثر مشاهدة في روسيا، لينبه إلى أن الحرب تسير بشكل سيء وستزداد سوءاً على الأرجح، وأن حديث روسيا عن برنامجها النووي لا يتعدى كونه زوبعة في فنجان، ولن يؤثر في أعداء روسيا و"يبدو في الواقع مضحكاً للغاية" في وقت يقف العالم كله ضد الكرملين.
وفي الحوار الذي نشرت خلاصته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، قال العسكري المتقاعد إن أوكرانيا ستحشد قريباً أكثر من مليون جندي سيدربهم الغرب ويزودهم بأسلحة حديثة، وسيكونون على استعداد للقتال والموت لحماية وطنهم ضد روسيا.
وعلى الرغم من المقاطعة المتكررة من المروجة للحكومة الروسية أولغا سكابييفا للقول إن الجيش الأوكراني سيتكون في الغالب من مجندين، أصر خوداريونوك على أن كيفية تجنيد القوات ليس القضية الأساس، لكن ما يهم حقاً هو الاستعداد للقتال، وأوكرانيا "تنوي القتال حتى آخر رجل".
وأضاف أن وضع روسيا في المسرح العالمي ليس أفضل، مشيراً إلى "أننا نعيش عزلة جيو-سياسية كاملة، ومهما كرهنا الاعتراف بذلك لكن العالم بأسره تقريباً ضدنا، ونحن بحاجة إلى الخروج من هذا الموقف".
خروج عن الرواية الرسمية
تصريحات خوداريونوك التي بثت أمام ملايين الروس الذين كانوا يُلقنون طوال الفترة السابقة الرواية التي تتحدث عن براعة جيشهم وضعف أوكرانيا، تمثل خروجاً مدهشاً عن الرواية التي تعتمدها الدولة، وتضعه في خلاف شديد مع عملاء الكرملين الذين عارضوه بالكامل.
وفي حديثه ضمن البرنامج الحواري المسائي الذي تقدمه سكابييفا ويتماشى مع خط الكرملين بشدة، لدرجة أن المقدمة باتت تعرف باسم "دمية تلفزيون بوتين الحديدية"، حث خوداريونوك شريكته في النقاش على الابتعاد من "المهدئات الإعلامية" والنظر إلى الموقف بموضوعية.
وقال، "بداية وقبل كل شي فإن الإشاعات عن الانهيار المعنوي والنفسي للقوات المسلحة الأوكرانية التي يزعم أنها على وشك الدخول في أزمة معنوية ما هي إلا عبارة مغلوطة، والوضع هو أن القوات المسلحة الأوكرانية قادرة على تسليح مليون شخص"، الذين سيتم تجهيزهم بأسلحة غربية وتدريبهم على كيفية استخدامها من قبل جيوش هي جزء من الـ "ناتو". وأضاف، "لذلك يجب التعامل مع مليون جندي أوكراني مسلح على أنهم حقيقة واقعية في المستقبل القريب جداً. رغبة المرء في حماية وطنه بالمفهوم الموجود في أوكرانيا، إنها حقيقية بالفعل هناك وهم يعتزمون القتال حتى آخر رجل، وفي نهاية المطاف يتحدد النصر في ساحة المعركة بمستوى الروح المعنوية العالية بين الأفراد الذين يضحون بدمائهم من أجل الأفكار التي هم مستعدون للقتال من أجلها".
وحث المحيطين به على "الحفاظ على إدراك الواقع"، وحذر من أنه "عاجلاً أم آجلاً ستسبب لكم حقيقة التاريخ صدمة شديدة لدرجة الندم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التعبئة الجماهيرية لن تحل المشكلات
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يعرب فيها خوداريونوك عن مخاوفه، فحتى قبل بدء الحرب كتب أن الأوكرانيين سيقاتلون بشراسة للدفاع عن بلادهم وأن روسيا كانت تسير في صراع أطول وأكثر دموية وأكثر كلفة بكثير مما هي مستعدة له، كما أنها ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها على شاشة تلفزيون حكومي. وقبل خطاب بوتين في "يوم النصر" في التاسع من مايو (أيار)، حذر من أن ما تردد عن تعبئة جماهيرية للقوات لن يحل المشكلات التي يواجهها الجيش الروسي.
وتحدث الكولونيل المتقاعد علناً بعد التقارير المتكررة من وكالات المخابرات الغربية التي تقول إن الهجوم الروسي في دونباس قد توقف، وإن الطريق بات الآن ممهداً للنصر الأوكراني.
وفي علامة على اليأس المتزايد في الكرملين، قالت مصادر عسكرية الليلة الماضية إن بوتين يدير الآن المجهود الحربي بشكل دقيق، ويتخذ قرارات تترك عادة للكولونيلات في ظل تعثر خطته القتالية.
ويقال أيضاً إن الجنرال فاليري جيراسيموف يتخذ قرارات تكتيكية مماثلة ويدير الحرب بتفاصيلها الدقيقة، وهي مهمة عادة ما يشرف عليها كولونيل.
ونقلت صحيفة "ذا غارديان" عن مصدر عسكري غربي قوله "نعتقد أن بوتين وجيراسيموف يتدخلان في صنع القرار التكتيكي على مستوى يتوقع عادة أن يتخذه كولونيل أو قائد لواء".
وقال المصدر نفسه إن الكتيبة الروسية التكتيكية تمزقت. مضيفاً، "إذا كان بوتين يقوم بعمل قائد لواء، فقد يتدخل حينئذ في قوة صغيرة لا يتجاوز عددها 700 أو 1000 جندي".
وحتى الآن فشل جنود بوتين في تحقيق أهدافهم العسكرية في شرق أوكرانيا، حيث تحاول القوات الروسية تحقيق اختراق من أجل تطويق القوات الأوكرانية في منطقة دونباس.
ويعتقد مسؤولون أن قرار بوتين بتولي السيطرة شخصياً على تحركات القوات على الأرض يمكن أن يسهم في إخفاقات عسكرية.
وأجبر التشويش الإذاعي موسكو على إرسال مزيد من قادة الكتائب إلى الخطوط الأمامية من أجل التواصل مع قواتهم، مما أدى ببساطة إلى استفادة الأوكرانيين من الوضع وقتل الجنرالات الروس، إذ تأكد مقتل 12 منهم. وتأتي هذه الأنباء بعدما بات الجنود الأوكرانيون هم أول الواصلين إلى الحدود الروسية بعد استعادة خاركيف من الاحتلال.
وقالت وزارة الدفاع الأوكرانية عبر مواقع التواصل الاجتماعي إن الكتيبة (227) من اللواء (127) من جيشها وصلت إلى الحدود مع روسيا، في إشارة إلى وصول الجنود الأوكرانيين إلى أقرب نقطة مع جارتهم منذ بدء الغزو في الـ 24 من فبراير (شباط).
وكان أحد كبار المروجين لبوتين أعلن يوم الإثنين أن الهجوم الروسي في منطقة دونباس فشل، حيث تظهر الصور الصادمة الوضع الداخلي في مصنع الصلب في آزوفستال الذي كان محاصراً معظم الوقت خلال الحرب.
الضابط وقائد المخابرات الروسية إيغور جيركين الذي تحدث بصراحة عن الصعوبات التي تواجه قوات بوتين خلال الأسابيع الأخيرة مع استمرار غزوها لأوكرانيا، شارك عبر قناته على "تيليغرام" ملخصاً مفصلاً عن التقدم الذي أحرزته أو لم تحرزه القوات، مضيفاً أن الفشل في تحقيق تقدم لم يكن أمراً مفاجئاً.
ملاحظات خوداريونوك الأخيرة هي الأطول والأكثر تحليلاً للمأزق الذي وضعت موسكو نفسها فيه، وهو الأكثر وضوحاً في مطالبة البلاد أن تخرج نفسها منه، لكن ما يبقى غير واضح هو ما إذا كان أي شخص، بخاصة في الكرملين، يستمع إلى ما يقوله الرجل.