بعد 14 عاماً على انهيار بنك "ليمان براذرز" الاستثماري، الذي كان انهياره بداية أزمة مالية عالمية في 2008، ما زالت قضاياه تنظر أمام المحاكم، ليس هذا وحسب، بل إن هناك موظفين من البنك ما زالوا على رأس عملهم معظمهم من المحامين والمحاسبين والاستشاريين، وهكذا، على الرغم من إفلاس البنك، الذي كان الأكبر في تاريخ إفلاس الشركات على الإطلاق، لم يتم "دفن الميت" بعد. وهكذا الحال، حسب حجم الشركة تطول المدة بين موتها ودفنها نهائياً، بمعنى تسليم آخر مفتاح لآخر مكتب لها وخروج آخر موظف منها.
تُفلس الشركات حين تتراكم عليها الديون والمستحقات ولا تكفي عائداتها لتلبية التزاماتها، حينها تتقدم للمحكمة طلباً للحماية من الدائنين، فيمنحها القاضي وقتاً لتسوية أوضاعها إما بتوفير التمويل عبر إعادة هيكلة أو تسويات مختلفة أو التصفية، فإذا أفلس محل ملابس مثلاً، أي تقدم للمحكمة تحت الفصل 11 (طلب الحماية من الدائنين)، يكون الوقت بين إعلان الافلاس ونهاية الأمر قصيراً، فإما يقوم المصفي ببيع ما لدى المحل من مخزون وأصول أخرى لتغطية الديون والالتزامات، أو يتم بيع المحل كله في صفقة كاملة، لكن في حالة بنك كبير بمصالح متشعبة مثل "ليمان براذرز" يمتد الوقت بين إعلان الإفلاس والتصفية الكاملة سنوات، هذا ما ألقى عليه الضوء العدد الأخير من "بزنس ويك" من وكالة "بلومبيرغ" بشأن البنك الاستثماري الشهير.
ويذكر التقرير قصصاً لبعض الذين ما زالوا في وظيفتهم في البنك الشهير منذ انهياره عام 2008، ويصف هؤلاء بأنهم مثل "الحانوتية" الذين يعملون على الجنازة والدفن منذ الموت حتى تنتهي أمور الميت كلها.
المحامون والديون
حين طلب بنك "ليمان" الحماية من الدائنين كانت بذمته ديون بلغت 613 مليار دولار وقتها، لذا كانت أزمته أكبر عملية تصفية في التاريخ. مع ذلك، لم تكن كل أصول البنك وموجوداته عبئاً، بل كان بعضها ذا قيمة عالية. وكما هو معروف، فإن روح البنوك في الحياة والممات هي الديون: ديون مستحقة لها على عملائها وديون مستحقة عليها لمقرضيها ومستثمريها.
وحين تولت شركة "برايس ووتر هاوس كوبر" مسؤولية تصفية البنك الكبير كان عليها أن تبحث بين موظفيه على من يعرف أين الأصول الصالحة والطالحة ومن لديه خبرة معرفة الملفات والعقود وغيرها من البيانات والمستندات، لذا، أبقت شركة التصفية على بعض الموظفين، في مقدمتهم المحامون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقبل إفلاس "ليمان" بأربع سنوات، جاء داريل راتيغان إلى "ليمان براذرز" من شركة المحاماة التي يعمل بها في مهمة لمدة ثلاثة اشهر، وانتهى به الأمر أن عرض عليه البنك وظيفة في ذراعه للتمويل العقاري في لندن فقبلها، وفي يوم إفلاس البنك، كان راتيغان مثله مثل نحو خمسة آلاف يعملون في فرع "ليمان" في لندن لا يعرفون مصير وظائفهم، وتم تسريح معظمهم، لكن داريل راتيغان ومجموعة صغيرة ظلوا في عملهم تحت "إشراف برايس ووتر هاوس كوبر".
أزمة
وكانت أزمة "ليمان براذرز" التي أدت لانهياره، حيازته أوراق قروض الرهن العقاري المغالى فيها، وكانت السبب في انهيار القطاع كله في السوق الأميركية، وتلا ذلك تفاعل تسلسلي في العالم أدخله في أزمة مالية، وطبعاً، احتاج حساب حجم الخسائر من تلك الأوراق وجود محاسبين، وأيضاً محامين، لأن الدائنين والمدينين لا يحصلون على حقوقهم ببساطة، إنما يحتاجون لرفع قضايا.
تلك القلة القليلة من موظفي "ليمان براذرز" بقيت على رأس عملها لمدة 14 عاماً، ومنهم داريل راتيغان. في المقابل، كان انهيار البنك وبالاً على الملايين ممن فقدوا منازلهم نتيجة انهيار سوق الرهن العقاري، أو من خسروا استثماراتهم لأن البنك كان يديرها لهم في تلك المشتقات الاستثمارية التي هوت للقاع.
عالم القضاء
ويذكر تقرير "بلومبيرغ"، غير المحامين والمحاسبين الذين بقوا يعملون مع المصفين منذ انهيار البنك حتى الآن مستفيدين آخرين، من هؤلاء شركات الاستثمار التي تعمل أساساً على اقتناص الفرص بتصيد أصول الشركات الخاسرة، ومنها في حالة "ليمان" شركة "فاردي بارتنرز" في مينيابوليس. وظلت الشركة تعمل لخمس سنوات على اقتناص أصول "ليمان" المنهارة لتحقق من ورائها أرباحاً في ما بعد.
مثال آخر، ومن عالم القضاء أيضاً، هو القاضي جيمس بيك الذي كان على منصة تقديم "ليمان" طلب الحماية تحت الفصل 11، وبعد أيام عدة، كان القاضي بيك يحكم بسرعة بالموافقة على بيع وحدة السمسرة التابعة للبنك لـ"بنك باركليز" في صفقة بقيمة 1.75 مليار دولار، ذلك الحكم الذي تم في دقائق ضمن انتقال مئات آلاف العملاء لدى وحدة السمسرة بحساباتهم بشكل سلس إلى "باركليز"، كما أنه أنقذ نحو 10 آلاف فرصة عمل في "وول ستريت"، بعد ذلك، تقاعد القاضي، وعمل لدى شركة المحاماة "موريسون فورستر"، وأخذ يجوب أنحاء العالم متحدثاً عن تجربة "ليمان براذرز" ومقدماً الاستشارات مدفوعة الأجر.