انكمش اقتصاد المملكة المتحدة خلال مارس (آذار)، ومن السهل رسم صورة كارثة. إنها لمشكلة، لأن التوقعات تشير إلى أن هذا العام سيشهد أكبر تراجع في مستويات المعيشة منذ بدء حفظ السجلات عام 1956، وقد بدأت نتائج هذا الوضع تظهر للتو في البيانات.
وفيما يسارع البعض إلى إلقاء اللوم على أزمة غلاء كُلف المعيشة في ما يخص اهتزاز ثقة المستهلك، تجدر إضافة ملاحظة تحذيرية: تعود هذه البيانات إلى مارس (آذار).
ولم يبدأ العمل بالسقف الجديد لفواتير الطاقة الذي ارتفع لأكثر من 50 في المئة أو بمتوسط 700 جنيه استرليني (874 دولاراً) لكل أسرة سنوياً إلا في أبريل (نيسان)، ومنذئذ هبطت ثقة المستهلكين في الشؤون المالية بشكل ملحوظ.
بالتالي، وبتعبير بسيط، في حين يعاني العديد من أفقر الأسر أصلاً ما زلنا في أولى مراحل المعاناة الاقتصادية المرتقبة في ما يتعلق بخيارات مثل التدفئة أو الأكل أو عدم التمكن من تدبر الأمر على الإطلاق.
لا تجهل وزارة المالية ذلك، وعلى الرغم من ذلك يقتضي تصميم وزير المالية ريشي سوناك على محاولة تصوير نفسه على أنه زعيم حصيف في مجال المالية العامة، التزام استراتيجية مراقبة وانتظار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لن يدفع الأداء الهزيل للناتج المحلي الإجمالي خلال شهر واحد سوناك إلى فتح محفظته [ضخ الأموال] لأنه يدرك أن الآتي أسوأ، ويعتقد المحيطون بوزير المالية بأن ثمة حكمة في الانتظار قبل احتساب مجرد مدى السوء الذي ستصل إليه الأمور.
سيكون لمسار تحرك أسعار الطاقة خلال الشهرين المقبلين أهمية بالغة لهذه الاستراتيجية، فهذه البيانات ستغذي الجولة التالية من الحسابات التي سيجريها الاقتصاديون في مكتب أسواق الغاز والكهرباء لتحديد السقف السعري الذي ستصدره الهيئة المنظمة لقطاع الطاقة. ويعتقد قادة القطاع، بمن فيهم كيث أندرسون الرئيس التنفيذي لـ "سكوتيش باور"، بأن هذه الحسابات قد ترفع متوسط فاتورة الأسر بنحو 2900 جنيه.
قد يجعل توقيت هذه الحسابات وزارة المالية تحول استراتيجيتها في أوائل سبتمبر (أيلول) حين يعود البرلمان للالتئام بعد عطلة الصيف، وقد تكون هذه اللحظة معقولة في الرد على الصخب المطالب بموازنة طارئة، كما يقترح خبراء الاقتصاد في "بانثيون للاقتصاديات الكلية"، وكما تعتقد بعض مصادر وزارة المالية.
لكن الشركات، لا سيما في الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة، ستعاني وهي تنتظر طويلاً، إذ يتعين عليها أن تشتري الطاقة سلفاً، وهي لا تحصل على تدابير حماية أسعار الطاقة نفسها التي تتمتع بها الأسر المستهلكة، الأمر الذي من شأنه أن يجعلها عرضة لتقلبات السوق.
وستغذي الأحداث الجارية في أوروبا، بما في ذلك حرب روسيا في أوكرانيا، الأسعار التي ستدفعها الأسر في مقابل الطاقة خلال خريف وشتاء هذا العام، لأن شركات الطاقة يجب أن تثبّت المشتريات سلفاً وتتحوط من اضطرابات السوق مستقبلاً.
وهكذا، فكثيراً ما يكون السعر الذي يدفعه المستهلك في لحظة الاستخدام راجعاً إلى الفارق بين نقطة السعر في سوق الجملة ولحظة الشراء من قبل شركة الطاقة، ولذلك فإذا نظرنا إلى العناوين الرئيسة المتعلقة بالمناقشة المترددة والانقسام السياسي في بروكسل حول الواردات من الغاز الروسي، فمن الواضح أن أسعار الطاقة من المقرر أن تتقلب، بل وربما ترتفع إلى مستويات أعلى، وقد يكون لدى المملكة المتحدة مصادر أخرى للطاقة، لكنها ليست محصنة من أثر أسواق الطاقة الأوروبية والعالمية.
من ناحية أخرى، يكشف ارتفاع الأسعار في الاقتصادات الكبرى، مثل الولايات المتحدة، عن نفسه ببطء ليتجاوز مجرد ارتفاع كُلف الطاقة، وفي المملكة المتحدة فيبدو من المتوقع أن يستمر إلى مرحلة متقدمة من العام المقبل ارتفاع معدل التضخم، أعلى بكثير من مجرّد اثنين في المئة، حتى في ظل تطلع بنك إنجلترا لرفع معدلات الفائدة إلى مستويات أعلى خلال الأشهر المقبلة، وهذا من شأنه أن يجعل من استراتيجية المراقبة والانتظار مقامرة من قبل وزارة المالية.
قد يبدو من المعقول التمسك بما قد تتمكن الشؤون المالية العامة من الحفاظ عليه من قدرة محدودة لأن الآتي أسوأ، لكن التأخير قد يزيد خطر الركود، ولذلك فهذا توازن صعب مطلوب من وزير المالية تحقيقه. يخاطر الانتظار بجعل أزمة كُلف المعيشة أكثر حدة للأسر الأكثر فقراً، مما سيعصف بثقة الطبقات الوسطى التي جمعت مدخرات أثناء الجائحة.
ويحذر خبراء الاقتصاد من أن المستهلكين لن يكونوا أكثر ثقة إذا اضطرت الشركات إلى نقل كُلف الطاقة الأعلى إلى أسعار بضائعها وخدماتها، ويكاد يكون استخدام كلمتي الركود والأزمة متسرعاً عندما يتعلق الأمر باقتصاد المملكة المتحدة بالكامل، على رغم أن معاناة الأسر الأكثر فقراً باتت حادة.
ويشكل انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة صغيرة بلغت 0.1 في المئة خلال مارس (آذار) مصدر قلق، لكنه ليس بالأمر الذي يحمل في طياته قدراً كبيراً من المغزى لمعظم الناس. غير أن هذا [الواقع] سيتغير في شكل حاد.
وستكون الـ 1.2 مليار جنيه استرليني التي يعتقد حزب العمال بأن من الممكن جمعها من خلال فرض ضريبة غير متوقعة على الشركات العملاقة في قطاع استخراج الطاقة بمثابة قطرة في المحيط، حتى ولو اختار سوناك تبنيها وسط ضغوط سياسية شديدة، وحتى الآن فشلت لجان مجلس الوزراء التي أنشئت لمحاولة تقديم أفكار خالية من الكُلف [لا تكبد الخزينة تكاليف ولا تلجأ إلى ضرائب] في العثور على أي شيء بالحجم المطلوب.
نشرت اندبندنت هذا المقال في 13 مايو 2022
© The Independent