في 25 مايو (أيار) من كل عام يحتفل الأفارقة بتدشين منظمة الوحدة الأفريقية التي مر على تأسيسها نحو 60 عاماً، ولعل ذلك يكون مناسباً للنظر في مسارات العمل الأفريقي المشترك في هذه المرحلة، بخاصة أن تقييم أجندة أفريقيا للتنمية 2013- 2063 التي هي المخطط الأهم في تاريخ القارة في العصر الحديث يبدو أساسياً، وله دور في تغيير المعادلة الشهيرة بأن أفريقيا قارة غنية بالموارد، وشعوب من الفقراء.
ولعل أهمية أجندة التنمية الأفريقية أنها تستجيب للتحديات التي تواجهها أفريقيا استجابات مناسبة في مختلف المجالات، كما أنها تتماهى مع مخطط الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المعلن في منصف العقد الثاني من الألفية الثالثة.
أجندة التنمية الأفريقية
وربما يجدر بنا، قبل التعرض للخطوات التي أنجزتها القارة في سبيل التقدم في تنفيذ مخطط التنمية فيها، إلى التعرف إلى مفردات أجندة التنمية الأفريقية من حيث المسار، وكذلك المشروعات الكبرى التي تستند إليها، وتمثل هذه الوثيقة رؤية أفريقية خالصة، تستهدف تحقيق الانطلاقة المرجوة لأفريقيا، وهي تعد تتويجاً للجهود الأفريقية صوب تعزيز التعاون والتكامل بين الدول الأفريقية، وتحقيق التنمية الشاملة في القارة، وذلك منذ تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، حيث مرت هذه الجهود بمحطات محورية، شملت: إعلان "منورفيا" 1979، وخطة عمل "لاغوس" 1980، ومعاهدة "أبوجا" 1991، وأجندة القاهرة للعمل 1995، ومبادرة المشاركة الجديدة لتنمية أفريقيا "نيباد"، وتأسيس الاتحاد الأفريقي 2001، وصولاً إلى 2063.
ويمكن القول، إن الأجندة قد حكمتها سبعة طموحات هي: قارة أفريقية، تنعم بالازدهار، القائم على النمو الشامل والتنمية المستدامة: قارة متكاملة ومتحدة سياسياً، انطلاقاً من المثل العليا للوحدة الأفريقية الشاملة، ورؤية النهضة الأفريقية، قارة يسودها الحكم الرشيد والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدل وسيادة القانون، قارة مسالمة وآمنة، قارة ذات هوية ثقافية وتراث وقيم وأخلاقية مشتركة، قارة تقود فيها الشعوب عملية التنمية اعتماداً على الطاقات الكامنة للمرأة والشباب، قارة قوية تقوم بدور فاعل ومؤثر في الشؤون العالمية.
التخطيط الاستراتيجي
وطبقاً لهذه الطموحات، فإن أجندة تفعيلها تضمنت جدولاً زمنياً اهتم بالمفردات الاقتصادية في الخطة كمحرك رئيس، وتم تقسيم أجندة 2063 الخمسينية إلى خمس مراحل زمنية، مقدار كل واحدة منها 10 سنوات، وذلك تحت إشراف إدارة التخطيط الاستراتيجي في الاتحاد الأفريقي، ومنها: التحول إلى البث التلفزيوني الرقمي في كل أنحاء أفريقيا بحلول 2016، وإقامة بنك للاستثمار الأفريقي، وكذلك سوق للأسهم الأفريقية بحلول 2016، وصندوق للنقد الأفريقي بحلول 2018، وبنك مركزي أفريقي 2028-2034، فضلاً عن تسريع إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرة بحلول 2017، ورفع نسبة التجارة الأفريقية البينية من 12 في المئة عام 2013 إلى 50 في المئة عام 2045، وتحسين حصة أفريقيا في التجارة الدولية من اثنين في المئة إلى 12 في المئة.
إجمالاً يمكن القول، إن العمل التنفيذي لمخطط الاتحاد الأفريقي التنموي يعمل بمعدلات مقبولة، فعلى سبيل المثال، تم إعلان منطقة التجارة الحرة الأفريقية، لكن بتأخير عامين عن المخطط، إذ تم إعلانها في مايو 2019 في النيجر بمجهود مصري واضح وقت ترأست القاهرة الاتحاد الأفريقي، إذ لا تزال العاصمة المصرية تدفع نحو تشجيع بقية الدول الأعضاء، التي لم تصدق بعد على اتفاقية التجارة الحرة، على القيام بهذه الخطوة، لتفعيل منطقة التجارة الحرة القارية بشكل كامل في أقرب وقت ممكن حيث بدأ هذا المجهود بقمة "واغادوغو" في مارس (آذار) 2006، تم اعتماد عدد من التجمعات الأفريقية الإقليمية، تحددت في ثمانية تجمعات رئيسة هي: "الكوميسا COMESA"، و"السادك SADC"، و"إيكواس ECOWAS"، و"السين صاد CEN SAD"، و"إيكاس ECCAS"، و"إيقاد IGAD"، و"اتحاد المغرب العربي UMA"، و"تجمع شرق أفريقياEAC ".
تقدم نسبي
ويمكن القول، إن هذه التجمعات قد حققت تقدماً نسبياً في عملية التكامل الاقتصادي الجهوي، وحقق الاتحاد الجمركي لأفريقيا الجنوبية، على سبيل المثال، تقدماً ملحوظاً في تحرير حركة عوامل الإنتاج من خلال إزالة الحواجز الجمركية والتجارية بين دول الاتحاد، كما نجح الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في إنشاء نظام لسياسات الاقتصاد الكلى من خلال وضع هيكل للمحاسبة المشتركة تتم مراجعته بين الدول الأعضاء بانتظام، إضافة إلى إنشاء أسواق للأوراق المالية، حيث نجحت السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا في رفع حجم التجارة البينية للسوق من 3.1 مليار دولار عام 2000 إلى 12.7 مليار دولار عام 2009، ثم إلى 17.4 مليار دولار عام 2010، كما ارتفعت التجارة البينية في تجمع شرق أفريقيا بنسبة 49 في المئة بعد إطلاق مشروع الاتحاد الجمركي داخل التجمع، لكن يظل الاتجاه العام هو تواضع الإنجازات التي حققتها ظاهرة الإقليمية في أفريقيا، بخاصة أن أرقام التبادل التجاري الأفريقي لم تحقق تقدماً خلال العقد الماضي إلا بمقدار خمسة في المئة حيث سجلت، ومن واقع أن حجم التجارة البينية الأفريقية لا يتعدى 15 في المئة في 2018، في حين سجلت أوروبا نحو 69 في المئة، وسجلت آسيا 60 في المئة في حجم التجارة البينية لكل قارة.
في هذا السياق، ربما تكون أهم التحديات التي تقف أمام تحقيق الإنجازات المرجوة للمخطط الأفريقي في تحقيق تقدم ملموس في منطقة التجارة الحرة الأفريقية، ملفين أساسيين، هما حالة البنية التحتية المؤثرة على قطاع النقل البري الذي هو رافعة التجارة البينية، أما الملف الثاني فهو حالة نقص الطاقة في أفريقيا.
الاهتمام المصري
ربما تكون معالجات الملف الأول قد بدأت باهتمام مصر بأمرين، الأول: تدشين طرق برية تسهم في التشبيك مع كل من جنوب مصر وغربها، حيث تم التواصل البري مع كل من السودان وإريتريا، كنقطة انطلاق لطريق القاهرة كيب تاون في جنوب أفريقيا، أما مجال الاهتمام المصري الثاني فهو تشبيك السكك الحديدية مع السودان طبقاً لما أعلنه كامل الوزير، وزير النقل المصري قبل أكثر من عام، وتعيق تنفيذه حالياً الظروف السودانية الداخلية، كما يوجد مشروع مصري للتواصل البري مع تشاد بدأ الاهتمام به منذ زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتشاد عام 2018، حين وعد أن يكون لأنجمينا منصة تجارية على المتوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما على المستوى الفني، فإن هناك بعض النقاط التي ما تزال عالقة، منها الاتفاق على قواعد المنافسة بين الدول، وهي المسألة الأكثر حساسية، إذ تستخدم الحكومات الأفريقية الإجراءات الحمائية لتخفيف العبء عن شركات الدولة.
قواعد الاستثمار البيني الأفريقي
وفي ما يخص قواعد الاستثمار البيني الأفريقي، تعد المؤسسات المالية القارية هي الروافع الحقيقية لها، وهي مسألة ما زالت تواجه عقبات منها إنشاء كل من: البنك المركزي الأفريقي، وصندوق النقد الأفريقي، وبنك الاستثمار الأفريقي.
وقد اختيرت أبوجا، مقراً للبنك المركزي الأفريقي، واختيرت طرابلس مقراً لبنك الاستثمار الأفريقي، وياوندي مقراً لصندوق النقد الأفريقي، لكن تلك المؤسسات لم تخرج للنور حتى الآن، في ظل غياب التوافق بشأنها، وافتقار عديد من الدول الأفريقية للنظم المصرفية الحديثة، وهذا يمثل تأخراً في تحقيق أهداف أجندة 2063، التي حددت عام 2016 لإقامة بنك للاستثمار الأفريقي، وسوق للأسهم الأفريقية، وكذلك إنشاء صندوق للنقد الأفريقي بحلول 2018، لكن أياً من تلك الأهداف لم يتحقق حتى الآن.
وفي الاتجاه ذاته، تم طرح بعض الأفكار حول إنشاء مزيد من المؤسسات المالية الأفريقية مثل: البورصة الأفريقية المشتركة، وصندوق التضامن لتخفيف آثار ارتفاع أو انخفاض أسعار البترول، ومجلس تنسيق السياسات في مجال التبادل السلعي. وبالفعل عقدت سلسلة من المفاوضات حول إقامة تلك المؤسسات. وانتهت المفاوضات إلى الموافقة على تشكيل لجنة مشتركة بين مجلس محافظي البنوك المركزية الأفريقية والاتحاد الأفريقي لبحث سبل تأسيس البنك المركزي الأفريقي، وتقديم المشورة حول تشكيل كل من بنك الاستثمار الأفريقي، وصندوق النقد الأفريقي.
التحديات
ويبدو أن معالجة التحديات الباقية لتفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية على النحو المطلوب، مثل نقص الطاقة، مرتبط بضرورة بذل مجهود مضاعف من دول القارة الكبرى مثل مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا، وكذلك كل من غانا والسنغال في غرب القارة، في مجالات دعم سياسات الاعتماد على الطاقة المتجددة، وحققت كل من مصر والجزائر والمغرب وجنوب أفريقيا وكينيا تقدماً ملموسا في هذا الملف بينما بقية دول القارة ما زالت تراوح مكانها.
وفي الأخير، ربما يكون وعي الشباب الأفريقي الراهن بضرورات التحرر من كل أشكال الاستعمار الغربي الجديدة، والمبلورة في هياكل الشركات العابرة للجنسية هي الوقود الدافع في المرحلة المقبلة، لخلق الاندماج الاقتصادي الأفريقي على النحو الذي نتمنى ألا تنتهي أعمارنا قبل أن نراه واقعاً معاشاً.