توالت ردود الأفعال بعد قرار مجلس إدارة البنك المركزي التونسي رفع نسبة الفائدة منذ أيام، بالتالي ارتفاع تكلفة الاقتراض. وقال مراقبون لـ"اندبندنت عربية"، إن هذا الرفع سيتسبب في ضغوط على الأسر التونسية التي تعاني تراجع المدخرات وصعوبات مالية.
وكان البنك المركزي أعلن أن التطورات الاقتصادية والمالية في تونس والعالم تحتم رفع نسبة الفائدة الرئيسة بـ75 نقطة أساس لتبلغ 7 في المئة. وبرر ذلك بالسعي للحد من الارتفاع السريع والمعمم للتضخم محلياً وعالمياً، الذي رافقه نمو هش في تونس، أضعفته تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، التي يتوقع أن تؤدي إلى تأجيج الضغوط التضخمية على مستوى سلسلة الأسعار بأكملها.
نسق الاقتراض
وأفادت بيانات البنك المركزي التونسي أن حجم التداين للأفراد لدى القطاع البنكي التونسي بلغ 26.7 مليار دينار (8.6 مليار دولار) عام 2021، مقابل 25.7 مليار دينار (8.2 مليار دولار) في 2020، بزيادة قدرها 4.2 في المئة، مقابل نمو 0.4 في المئة عام 2019. بينما بلغت القروض الموجهة للاستهلاك 447 مليون دينار (144.1 مليون دولار) عام 2021 مقابل 300 مليون دينار (96.7 مليون دولار) في 2020، بزيادة قدرها 12 في المئة، ووصل حجم قروض الاستهلاك إلى 4 مليارات دينار (1.29 مليار دولار) مقابل 3.5 مليار دينار (1.12 مليار دولار) عام 2020، ويعكس ذلك لجوء الأسر التونسية إلى هذا الصنف من القروض لتغطية المصاريف.
وحاز السكن 2.1 مليار دينار (3.9 مليار دولار) من جملة القروض مقابل 11.8 مليار دينار (3.8 مليار دولار) عام 2020، وتم اقتراض 2. 10 مليار دينار (3.2 مليار دولار) من قبل التونسيين لإعادة تهيئة المساكن مقابل 11.8 مليار دينار (3.8 مليار دولار) عام 2020، بينما لم تتجاوز قروض اقتناء السيارات 376 مليون دينار (121.2 مليون دولار) مقارنة مع 346.8 مليون دينار (111.8 مليون دولار) في 2020.
قروض الاستهلاك
وتزداد الحاجة إلى قروض الاستهلاك بسبب ضغوط المعيشة، وتتوسع دائرة الاقتراض الأسري التي تشمل أكثر من 60 في المئة من العائلات التونسية، إذ تسدد هذه الأسر قروضاً متعددة العناوين للبنوك. وقد عكس التطور المتعثر لقروض الاستهلاك عدم قدرة العائلات التونسية على الاقتراض بالنسق المطلوب بسبب شطط الفوائد، ما يهدد أحد محركات النمو، وهو الاستهلاك، بالركود.
وتواجه الأسر التونسية ضغوط التضخم المتمثل في الارتفاع المطرد لأسعار المواد الأساسية والخدمات مع مقدرة شرائية متهاوية بحكم عدم التوازن بين الأجور وتكلفة المعيشة. وفي المقابل تنخفض الإمكانات المتاحة للاقتراض بسبب ارتفاع الفوائد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر منير حسين، عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مستقل)، أن رفع نسبة الفائدة العامة سيكون له تأثير مباشر في الشريحة المتوسطة في تونس بطريقة مباشرة، لما يؤدي إليه من تقليص في حظوظ الاقتراض لدى العائلات التي ستعجز عن النفاذ للقروض بحكم شطط أسعارها. وكذلك لما تتسبب فيه من ضرب للمؤسسات الصغرى والمتوسطة التي ستتحمل نتيجة هذا الإجراء. ولن تشذ عن ذلك المؤسسات الكبرى من شركات عمومية وقطاعات حيوية يرتبط نشاطها بالاقتراض. وسيؤدي هذا الرفع إلى زيادة في تكلفة إنتاج الطاقة، بالتالي أسعار السلع.
وأوضح أن الآلية التي تم اعتمادها تعمق التضخم ولا تخفضه، كما تسهم في تراجع الاستهلاك المتناقص أصلاً منذ مدة متأثراً بتآكل المقدرة الشرائية. وأكد أن رفع الفائدة موجه للضغط على الاستهلاك والقروض المخصصة له، وهي إحدى الآليات القديمة المعتمدة لمقاومة التضخم، لكنها تعمق الركود الاقتصادي بضرب أحد أهم عناصره وهو الاستهلاك، كما تضرب خطوط تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة. وتعمق الأزمة على مستوى السيولة، وتعود بالنفع فحسب على البنوك التي تراكم الأرباح، بالتالي لا تساعد على الإنعاش الاقتصادي لدى الدول التي تعاني صعوبات مالية كبرى مثل تونس، والتي تراجع معدل الادخار فيها إلى ما دون 6 في المئة.
آلية غير ملائمة
من جهة أخرى، رأى الباحث الاقتصادي حسين الرحيلي أن "الآلية المعتمَدة لكبح جماح التضخم، وهي رفع الفائدة، قرار تقني بحت من البنك المركزي التونسي، وبعيد كل البعد من الواقع الاقتصادي للبلاد، فالتضخم المستفحل في تونس غير مرتبط بالكتلة النقدية في السوق بقدر ما هو مستورد بنسبة 70 في المئة لارتباطه بارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية، بخاصة المواد الأولية المعتمدة في التصنيع، التي تزايد الطلب عليها بعد الأزمة الصحية. أما السياسة النقدية الكلاسيكية المطبقة في تونس منذ أكثر من عشر سنوات فهي لا تتناغم مع متطلبات الأفراد الذين يحتاجون إلى الاقتراض لمقاومة الزيادة في الأسعار والمؤسسات التونسية التي تحتاج إلى خفض الفائدة لرفع مستوى الاستثمار والإنتاج ودفع التصدير لجلب العملات وخلق الثروة ورفع مستوى النمو".
وأشار محمد صالح سويلم، المدير العام السابق للسياسة النقدية في البنك المركزي التونسي، إلى أن رفع نسبتي تسهيلات الإيداع والقرض الهامشي إلى 6 و8 في المئة، والزيادة في مستوى معدل الفائدة على المدخرات بمقدار 100 نقطة أساس على التوالي، بالتوازي مع رفع الفائدة العامة، سيؤثر في مخزون ودائع الادخار التي تم جمعها، والموارد الجديدة التي سيجري جمعها برفع موارد البنوك في شكل ودائع تحت الطلب أو حسابات ادخار أو ودائع لأجل. كما يفترض أن يؤدي رفع الفائدة نظرياً إلى انكماش في الطلب على الائتمان، ما يعني أن هامش الفائدة، المكون أساساً مما يحدده البنك المركزي، لن يعود بالنفع على البنوك بالضرورة.
وفي ما يتعلق بالرصيد القائم للبنوك في سندات الخزانة، فإن رفع الفائدة لن يعود بالربح على البنوك التونسية التي توفر القروض بأسعار خاضعة للفائدة العامة المحددة من قبل المركزي، إذ ترفعها البنوك بدورها عند التزود من المركزي بالسيولة، ما يجعل هامش الربح ثابتاً ومحدداً بأسعار الشراء. وبخصوص شطط أسعار القروض لدى الأسر، اعتبر سويلم أن الرفع في الفائدة من شأنه الضغط على الاستهلاك بترشيده، ما ينعكس إيجاباً على الميزان التجاري بتقليص الطلب على العملات الأجنبية، فهي آلية ناجعة على مستوى ميزان المدفوعات واستقرار سعر الصرف، ما يؤدي إلى تعافي العملة المحلية ولو نسبياً، بالتالي تراجع التضخم الذي ينهك الأسر التونسية، فعلاج ارتفاع الأسعار بالضغط على عوامله أفضل من دفع الأسر التونسية إلى الاعتماد أكثر على الاقتراض والوقوع تحت وطأة الديون.