بعد مرور أسبوع على رفع سفارة الاتحاد الأوروبي في بغداد علم المثليين، إحياءً لليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية، لا تزال النقاشات تدور حول أسباب انتشار تلك الميول في مجتمع لم يكُن يعرفها قبل 2003، أو ربما كانت حاضرة بشكل سري، من دون طرحها للحوار العلني ومناقشة إمكانية الزواج بين المثليين.
وبينما كانت غالبية ردود الأفعال ثائرة أو ممتعضة، دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر إلى "تحكيم العقل" على "الشهوات"، ووجه رسالة إلى الداعين لحرية "الزواج المثلي" خلال تغريدة على موقع "تويتر"، مشدداً على أن ذلك الأمر لن يُفرض بالقوة.
وقررت بعثات الاتحاد الأوروبي في أنحاء العالم رفع علم قوس قزح لإحياء اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية والتحول الجنسي، الذي يصادف في 17 مايو (أيار)، إذ يسلط فيه الضوء على حقوق المثليين ومتحولي الجنس ومزدوجي الجنس.
في 17 مايو 1990، أعلنت منظمة الصحة العالمية حذف المثلية الجنسية من قائمة الأمراض النفسية، منهية بذلك القرار فترة طويلة من تصنيف المثلية على أنها مرض، فاعتبر المجتمع الدولي ذلك اليوم من كل عام يوماً عالمياً لمناهضة رهاب المثلية الجنسية والتحول الجنسي.
تحديات قانونية واجتماعية
أطلق مرصد "أوركاجينا" لحقوق الإنسان، في 11 أبريل (نيسان) 2021، تقريره الأول، كاشفاً عن محافظتين عراقيتين تتصدران قائمة المحافظات التي تضم مثليي الجنس، مشيراً إلى أن منظمات أممية في أربيل تحميهم من العنف.
وقال المرصد في بيان إنه "وثّق حياة شريحة المثلية الجنسية التي تُعرف بـ’مجتمع ميم‘ في العاصمة بغداد والمحافظات، حيث تصدرت العاصمة ومحافظتي البصرة وذي قار النسب الأولى لأعداد المثلية".
وأوضح المرصد أن "الأشخاص من المثليين والمثليات ومزدوجي التوجه الجنسي والمتحولين جنسياً، يواجهون تحديات قانونية واجتماعية من المغايرين جنسياً، من قتل وتنمر وحرمان من بعض الوظائف في الدولة، فلا يُسمح لهم بالخدمة بشكل علني في الجيش".
وأشار إلى أن المدن العراقية تشهد وجوداً لكل أصناف المثلية: "Gay غاي: من لديه جاذبية جنسية للرجال فقط، Lesbian لزبيان: الفتاة التي تنجذب جنسياً ورومانسياً للنساء، Bisexual بايسكشوال: الرجال أو النساء الذين يمارسون الجنس والحب مع مختلف الجنسين، transgender ترانسجندر: الولد أو الفتاة المتحول جنسياً لعكس جنسه الأصلي".
وتبيّن للمرصد، بحسب معلومات جمعها، وجود حالات تقدر بالعشرات للزواج بين المثليين، سواء الرجال أو النساء، بشكل غير معلن لمحيطهم من خارج مجتمعهم. وتصدرت فئة "غاي" الغالبية في المجتمع المثلي العراقي، تليها "بايسكشوال" ثم "لزبيان"، أما "ترانسجندر"، فأعدادهم قليلة في بغداد. وللمجتمع المثلي العراقي مناصرون ينشطون خصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي، يطلق عليهم ALLY أي بمعنى الحليف.
وفي تقريره الأول، عمل المرصد على توثيق أعدادهم في العاصمة وبقية المحافظات، وبلغ نحو 4500 إلى 5000، ما عدا القاطنين بإقليم كردستان، الذين يُقدّرون بضعف تلك الأعداد، ومن الصعب معرفة أعدادهم بدقة بسبب إخفاء كثرٍ لميولهم الجنسية وتصرفاتهم عن ذويهم، خشية من ردود أفعالهم.
ومن الأعداد التي تمكّن المرصد من توثيقها، تصدرت بغداد ثم البصرة وذي قار المراكز الأولى، تليها بابل والنجف وكربلاء والأنبار وكركوك، في حين جاءت ديالى والديوانية وصلاح الدين والمثنى في المراكز الأخيرة".
وجاء احتساب الأعداد "من خلال حفلات التعارف، كأعياد الميلاد والمناسبات العامة بين مجتمع المثلية والتواصل عبر شبكات الهاتف والإنترنت". كما كان للتظاهرات والاحتجاجات التي شهدها العراق، دور في تعرف المثليين على أقرانهم من "مجتمع ميم" من دون الإفصاح عن وضعهم أمام الآخرين من المتظاهرين.
تعذيب وقتل
وتبيّن للمرصد أن "أكثر من 80 في المئة من الاعتداءات على المثليين كانت من الفصائل المسلحة، وتنتهي غالبيتها بالقتل عبر السكاكين أو الرمي بالحجار، وتُدوّن في إفادات وزارة الداخلية ضد مجهول، مع معرفة هذه الفصائل بأن أهالي القتيل المثلي لا يستطيعون المطالبة بإجراءات معاقبتهم خشية منهم ومن تقاليد المجتمع العراقي الرافض للمثلية".
وعلم المرصد أيضاً أن "هناك حالات متكررة من أفراد الشرطة بالتحرش اللفظي والمضايقات ضد المثليين عند مراجعتهم للدوائر الحكومية أو عند الحواجز الأمنية، وهناك حالات تعذيب وقتل من جانب ذويهم والمتشددين الإسلاميين والمحافظين اجتماعياً، وتُدوّن لدى إفادات التحقيق الداخلية العراقية بأنها انتحار".
ولفت إلى أنه "في المحافظات التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي بالعراق، كان مصيرهم القتل، ما دفع كثيرين منهم إلى النزوح للخلاص من الموت". وبحسب المعلومات التي جمعها المرصد من المثليين، فإن "جميع محافظات العراق تشكل تهديداً لحياتهم، على الرغم من وجود أكثر من طريقة لخلاص أفراد ’مجتمع ميم‘ من العنف، إلا أنها طرق وقتية وليست دائمة، ما عدا الهجرة".
ووثق المرصد أن "أكثر أعضاء مجتمع ميم يهاجرون من مناطقهم في جنوب العراق وغربه نحو بغداد كخطوة أولى للخلاص من العنف لكونهم غير مكشوفين عن وضعهم في العاصمة، ويعملون في المراكز الترفيهية كالمقاهي والنوادي الليلية بأسماء مستعارة لغرض سد لقمة عيشهم، وبعض منهم يعيش في سكن مشترك أو بمكان عمله، وفي حال تعرض حياتهم للتهديد في العاصمة يلجأون إلى إقليم كردستان أو تركيا".
وبحسب المعلومات المتوافرة لدى مرصد "أوركاجينا"، فإن هناك "منظمات متخصصة في إيواء المثليين المطرودين من ذويهم، منها واحدة ببغداد، واثنتان بإقليم كردستان وواحدة بالسليمانية وأخرى في أربيل".
وأشار المرصد إلى تواصل المثليين الذين يتعرضون للتهديدات مع المنظمات الأوروبية والأميركية والكندية المعنية بالدفاع عن حقوقهم، ما يسهل خروجهم من البلاد، وأن نسبة كبيرة منهم هاجرت، بينما هناك جهات دبلوماسية اكتفت بالتعبير عن أسفها لما يحصل في العراق تجاه المثلية.
وينوّه المرصد إلى أن "العشرات من حالات الاعتداء تجاه المثلية الجنسية في بغداد والمحافظات تحصل بشكل شبه يومي ومتزايد، ما ينذر بخطورة الأمر، بخاصة أن تقارير دولية وأممية حذرت من تنامي هذه الظاهرة".
ويدعو المرصد "السلطات الأمنية والقضائية العراقية إلى تفعيل القوانين المتعلقة بمكافحة انتهاك حقوق الإنسان وإيقاع أشد العقوبات بحق كل المتورطين في هذه الجرائم".
عقوبة زواج المثليين
وفي السياق، أوضح الخبير القانوني علي التميمي عقوبة زواج المثليين في القانون العراقي، قائلاً إن المادة 393 منه تعاقب بالإعدام على هذه الجرائم، كذلك القانون 8 لعام 1988 عاقب على جرائم الدعارة بالحبس.
وأكمل أن "القانون 234 لعام 2001 عاقب على الزنا واللواط والسمسرة بالإعدام، أيضاً المواد 215 و220 عاقبت بالحبس والغرامة على الإساءة لسمعة البلد بمثل هذه الجرائم، وأيضاً المادة 376 من القانون ذاته عاقبت بالسجن 7 أعوام على العقود الباطلة في عقود الزواج، وأيضاً المواد 401 وما بعدها وما يتعلق بهتك الحياء العرضي".
وأضاف التميمي أن "المادة 3 من قانون الأحوال الشخصية وضعت شروط العقد الصحيح ومثل هذه الجرائم تخالف ذلك". وأشار إلى أن "رفع أعلام المثليين فوق أعلام سفارات الدول في العراق يخالف المواد 9 و10 و11 و41 من اتفاقية فيينا لعام 1961 الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية، ويحق للعراق الاعتراض عليها وطلب إزالتها".