قدّم الرئيس الأميركي جو بايدن رسمياً "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" (IPEF)، وكشف عن استراتيجية اقتصادية طال انتظارها بعد خمس سنوات على انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاق تجاري وقعته 12 دولة في آسيا والمحيط الهادئ وأميركا الشمالية والجنوبية.
ومع انسحاب الولايات المتحدة واصلت الدول الباقية إطلاق الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ أو(CPTPP)، وهي واحدة من أكبر الصفقات التجارية متعددة الأطراف في العالم، والتي طلبت الصين الانضمام إليها.
ومنذ ذلك الحين كانت واشنطن غائبة إلى حد كبير عن المنطقة بسبب حربها التجارية مع بكين، لكن الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ أذاب الجليد، ومع ذلك يقول محللون ومراقبون إن الصفقة تفتقر إلى "الأسنان"، وهي أكثر رمزية من كونها سياسة فعالة أو حقيقية.
الإطار الاقتصادي
ونظراً إلى كونه وسيلة لمواجهة الصين في المنطقة، فهو إطار تقوده الولايات المتحدة للدول المشاركة لتوطيد علاقاتها والانخراط في الأمور الاقتصادية والتجارية الحاسمة، وهو ليس اتفاق تجارة حرة، فلم يحدد أي وصول إلى السوق أو خفض الرسوم الجمركية، على الرغم من أن الخبراء يقولون إنه يمكن أن يمهد الطريق أمام الصفقات التجارية.
وقال العضو المنتدب لمستشاري صندوق كرين والسفير الأميركي السابق في سنغافورة ديفيد أدلمان لشبكة "سي أن بي سي"، "لسوء الحظ أعتقد أن الرئيس بايدن أشار إلى أنه لا ينبغي اعتبارها حتى بداية لاتفاق تجاري، كما أنها ليست أمنية على عكس مجموعة الرباعية التي تضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة".
وكبداية ستشترك واشنطن مع 12 دولة أولية تشمل أعضاء الرباعية: أستراليا والهند واليابان، كما تضم سبع دول من الـ "آسيان" مثل بروناي وإندونيسيا وماليزيا والفيليبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام، إضافة إلى كوريا الجنوبية ونيوزيلندا. وقالت واشنطن إن إطار العمل مفتوح لمشاركين جدد.
وأضاف أدلمان، "إنها مجموعة رائعة من البلدان لكننا بحاجة إلى تذكير أنفسنا بأن هذا ليس تغييراً حقيقياً في السياسة أو اختراقاً للتجارة عبر المحيط الهادئ، بل إطار عمل".
لماذا منطقة المحيطين؟
وقال بايدن هذا الأسبوع إن "مستقبل اقتصاد القرن الـ 21 سيكتب إلى حد كبير في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، في منطقتنا".
ويمثل الناتج المحلي الإجمالي للدول المشاركة 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وقالت إدارة بايدن إن نحو 60 في المئة من سكان العالم يقيمون في منطقة المحيطين، ومن المتوقع أن تكون المنطقة أكبر مسهم في النمو العالمي خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وأشارت وزيرة التجارة جينا ريموندو إلى أن الولايات المتحدة تريد استعادة ريادتها الاقتصادية في المنطقة، "وتقدم لدول المحيطين بديلاً عن نهج الصين".
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن إطار العمل هو وسيلة للولايات المتحدة "لتقوية العلاقات مع الحلفاء والشركاء بغرض زيادة الرخاء المشترك"، لكن المحللين يقولون إنها "تسويقية أكثر من كونها سياسة".
ويستند الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين إلى أربع ركائز، أولها الاقتصاد المتصل، وهو معايير وقواعد أعلى للتجارة الرقمية، مثل تدفقات البيانات عبر الحدود. وثانيها الاقتصاد المرن، إذ تقاوم سلاسل التوريد المرنة الاضطرابات غير المتوقعة مثل الوباء، وثالثها الاقتصاد النظيف الذي يستهدف مشاريع الطاقة الخضراء والتزاماتها، ورابعها الاقتصاد العادل، أي تطبيق التجارة العادلة، بما في ذلك القواعد التي تستهدف الفساد والضرائب الفعالة.
وقال خبير التجارة الدولية وأستاذ القانون في الجامعة الصينية بهونغ كونغ برايان ميركوريو، إنه "إذا نظرت إلى الركائز الأربع فهي تتطلب حقاً من الشركاء القيام بشيء لتغيير قوانينهم أو لوائحهم أو الطريقة التي يعملون بها".
وأضاف ميركوريو، "أعتقد أن الشيء الوحيد الذي يجب على الولايات المتحدة أن تقدمه هو المال". وتابع، "بعضهم سيأتي قريباً بالنسبة إلى الطاقة النظيفة، وربما حتى من أجل مرونة سلسلة التوريد ومكافحة الفساد". واستدرك، "لكن بالطبع ما يريده الشركاء الآسيويون حقاً هو التجارة، وأعتقد أنهم يريدون الوصول إلى السوق، والمكون التجاري في الإطار الاقتصادي مفقود".
أين الصين من الاتفاق؟
ويفضل بايدن العمل مع بكين لرفع التجارة والثروة للولايات المتحدة، لكنه يواجه صقور الصين في الكونغرس ومشاعر الحمائية في الولايات المتحدة، وحتى احتمال عودة دونالد ترمب للظهور.
ويعمل الإطار الاقتصادي الجديد كأرضية وسط لخطط بايدن ليكون أكثر سيطرة على التدفقات الاقتصادية في المحيطين، بخاصة مع الصين، في مركز سلاسل التوريد بالمنطقة.
وقال محللون في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن في مذكرة، إن بايدن إذا اعتبر الاتفاق غير تجاري فلن يحتاج إلى السعي للحصول على موافقة الكونغرس، وبالتالي تجنب معركة التصديق المحلي.
من جهته، قال وزير التجارة الهندي السابق أجاي دوا إنه يرى أن إطار العمل تحالف اقتصادي لمواجهة ظهور الصين في هذه المنطقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي اتفاق تجاري كبير وطموح يشمل دول المحيطين، جزءاً من المحور الاستراتيجي للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في آسيا.
وكان ترمب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق التجاري في عام 2017 بعد أن تعرض لانتقادات من منظور الحمائية من الطيف السياسي الأميركي، ومن ثم تطورت الشراكة عبر المحيط الهادئ إلى اتفاق شامل وتقدمي للشراكة، وهي الآن واحدة من أكبر التكتلات التجارية في العالم جذباً للدول، بما فيها الصين.
ويختلف اتفاق الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين عن الشراكة العابرة للمحيط الهادئ (TPP) أو الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادي (CPTPP) .
وقال أستاذ التجارة في جامعة سيتي بهونغ كونغ جوليان تشيس، إن الإطار الاقتصادي بين الهند والمحيط الهادئ لا يزال "بعيداً تماماً من الطموح الذي ظهر في وقت إطلاق الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ".