ملخص
اعتبر شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء حكمت الهجري في حديث خاص إلى "اندبندنت عربية" أنه بعد سقوط الأسد آن الأوان لطي تلك الصفحة السوداء.
وأشار إلى أنه وبعد خراب 60 عاماً من هذا الحكم "الطاغي" كما وصفه، لا يمكن أن يأتي التغيير بصورة فورية، وعبر عن اعتزازه بالجيل الجديد الذي يشكل الأرضية لبناء مستقبل واعد، داعياً إلى نسيان الماضي، باعتبار أن القضية الأساسية اليوم هي إعادة إعمار سوريا بصورة صحيحة.
تحاول سوريا لملمة أنفاسها بعد الأحداث والتغيرات المتسارعة التي شهدتها، والتي أعادت تسليط الضوء على المشهد السياسي والاجتماعي المعقد هناك.
وبعد أكثر من عقد من الصراع الذي بدأ مع اندلاع الثورة السورية، مارس (آذار) 2011، وهز أركان الدولة معيداً تشكيل تركيبتها الداخلية والخارجية.
تعيش سوريا اليوم واقعاً متغيراً تتشابك فيه الديناميكيات المحلية مع التدخلات الإقليمية والدولية. هذه الأحداث، التي تراوح ما بين التحولات السياسية، والتوترات العسكرية، والاضطرابات الاقتصادية، تعكس مدى تعقيد الأزمة وصعوبة الخروج منها بحل شامل سريع ومستدام، بل سيحتاج إرساء أرضية ثابتة للدولة إلى وقت طويل، بسبب مجموعة من العوامل المعقدة والمتشابكة.
رؤية موحدة حول مستقبل سوريا
من هذه العوامل المعقدة في المشهد السوري اليوم أن المعارضة السورية تضم أطيافاً عدة، تراوح ما بين تيارات إسلامية وعلمانية وقومية، وغالباً ما تفتقر إلى رؤية موحدة أو قيادة مركزية تمثل جميع الأطراف. إضافة إلى النزاعات الطائفية والعرقية التي اندلعت خلال الحرب وزادت من تعقيد المشهد الداخلي، إذ يشعر عدد من المكونات بالخوف من التهميش أو الانتقام، أضف إلى ذلك تورط عدد من الدول الإقليمية والدولية في الصراع السوري، مثل روسيا، وإيران، وتركيا، والولايات المتحدة، التي تعمل وفقاً لأجندات متضاربة ومصالح متداخلة، مما يجعل من الصعب التوصل إلى توافق دولي جامع حول مستقبل سوريا. أيضاً استمرار وجود الجماعات المسلحة ذات الولاءات المختلفة، سواء للمعارضة أو للقوى الخارجية، يجعل من الصعب تحقيق استقرار أمني بصورة آنية، إذ إن سقوط الأسد قد لا يعني خروج روسيا وإيران من المشهد السوري، ومن المرجح أن تحاول الدولتان الحفاظ على نفوذهما العسكري والسياسي في الدولة المطلة على مياه المتوسط، من خلال دعم مجموعات محلية.
ومن ثم نأتي إلى انهيار البنية التحتية والاقتصاد السوري المدمر بالكامل تقريباً، الذي يحتاج إلى إعادة بناء شاملة تتطلب موارد هائلة قد لا تكون متوفرة، وذلك بفعل العقوبات المفروضة على النظام السوري السابق التي تزيد من صعوبة إنعاش الاقتصاد، وغياب الثقة الدولية بالإدارة الجديدة التي تحتاج إلى وقت لبنائها، وقد لا تكون القوى الدولية والإقليمية مستعدة حالياً لتقديم مساعدات كبيرة لإعادة الإعمار بسبب غياب حل سياسي شامل، وهذا ما سيفاقم الأزمة الإنسانية لملايين اللاجئين والنازحين داخل سوريا وخارجها.
من هنا لا يعني سقوط نظام الأسد بالضرورة نهاية الأزمة، بل قد يكون بداية لمرحلة جديدة من التحديات.
الخصوصية الدرزية
يعرف عن الدروز أنهم إحدى الطوائف الدينية الصغيرة في سوريا، التي لعبت دوراً لافتاً في تاريخ البلاد. وعلى رغم قلة عددهم النسبي مقارنة بالطوائف الأخرى، فإنهم أسهموا في تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي سواء خلال فترة الاستعمار الفرنسي أو بعد استقلال البلاد.
ومع صعود حزب البعث إلى السلطة في ستينيات القرن الماضي، بدأت معادلة جديدة تتشكل في ما يتعلق بعلاقة الدروز بالنظام الحاكم، إذ وجدوا أنفسهم أمام خيارات صعبة بين الحفاظ على استقلاليتهم الثقافية والاجتماعية والاندماج في النظام السياسي الجديد الذي فرضته عقيدة "البعث" وشبكة العلاقات العسكرية والأمنية التي سيطرت على البلاد.
منذ تولي حافظ الأسد الحكم عام 1970، ارتكز النظام على إستراتيجية "تحالف الأقليات" لضمان استمراره، وشكل الدروز جزءاً من هذه الإستراتيجية، إذ حاول النظام استمالتهم من خلال تقديم امتيازات، مع الحفاظ في الوقت نفسه على السيطرة المحكمة على مناطقهم وضمان ولائهم للنظام، لكن هذه العلاقة لم تكن تخلو من التوترات، وبخاصة في ظل توجه النظام نحو تعزيز سلطته المركزية وتضييق الخناق على أي بوادر استقلالية سياسية أو اجتماعية، وشهدت مرحلة حكم الأسد الأب، ومن بعده الأسد الابن، علاقة معقدة بين الدروز والنظام.
كان هناك ولاء لدى جزء كبير من القيادات الدرزية للنظام، وحافظ المجتمع الدرزي في السويداء وبعض المناطق الأخرى على خصوصية ثقافية وشعور قوي بالهوية المستقلة، لكن هذا التوازن الهش بين الولاء للنظام والرغبة في الحفاظ على الخصوصية جعل الدروز في موقع حساس، وبخاصة مع اندلاع الثورة عام 2011 وما تبعها من صراع داخلي معقد.
وفي حوار خاص سابق أجرته "اندبندنت عربية" مع شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز أبو وائل حمود الحناوي في قريته سهوة البلاطة بالمحافظة، قال "نحن أبناء طائفة الموحدين الدروز أهل ثوابت، ومن ثوابتنا الرئاسة الروحية الممثلة بشيوخ العقل الثلاثة، ونظراً إلى أعرافنا وخصائصنا وأحوالنا الشخصية، تلجأ طائفتنا إلى مرجعياتها الروحية والاجتماعية مهما صغرت قضاياها أو كبرت".
"دم السوري على السوري حرام"
شهدت منطقة السويداء ومنذ عام 2011 ومع تراجع سيطرة نظام الأسد تدرجاً، تطورات معقدة، وعلى رغم أن السويداء بقيت تحت سيطرة اسمية للنظام، فإن العلاقة بين الطرفين شهدت توترات متزايدة، وذلك بسبب رفض التجنيد الإجباري، إذ رفض الشباب الدروز الالتحاق بالجيش في كثير من الحالات، بعدما رفع مشايخ الدروز في المحافظة شعار "دم السوري على السوري حرام"، مما أغضب النظام ودفعه لتكثيف الضغوط الأمنية، أضف إلى أنه لاحق أبناء السويداء شعورٌ بأن النظام يهمشهم اقتصادياً وسياسياً، مما أدى إلى زيادة الاحتقان الداخل،. وكانت تشكلت مجموعات مسلحة محلية تحت ذريعة الدفاع عن النفس، مثل "قوات الفهد" و"حركة رجال الكرامة"، بعدما تعرضت السويداء لهجمات عنيفة نفذها تنظيم "داعش"، أبرزها الهجوم الدامي عام 2018 الذي راح ضحيته مئات المدنيين.
هذه الهجمات كشفت عن ضعف النظام في حماية المنطقة، مما دفع السكان للاعتماد على أنفسهم وتشكيل مجموعات مسلحة محلية ظهرت كرد فعل على انتهاكات النظام ومحاولة التوغل في المنطقة. وحافظت هذه المجموعات على طابع محلي محاولة تجنب التورط في النزاع السوري الأوسع، لكنها دخلت في صراعات مع النظام أحياناً بسبب رفضها التجنيد الإجباري أو تدخل الأجهزة الأمنية.
في سياق متصل، لعبت روسيا دوراً رئيساً في الجنوب من خلال التوسط بين الفصائل المعارضة والنظام في درعا عام 2018، لكنها حافظت في السويداء على موقف أكثر حذراً بسبب حساسية المكونات الدرزية وعلاقاتها التاريخية، إذ عملت موسكو على ضمان استقرار المنطقة من دون تدخل مباشر كبير، لكن موقفها الضعيف أعطى إيران فرصة للتمدد.
إذ سعت طهران إلى التغلغل في الجنوب السوري لتعزيز نفوذها قرب الحدود مع إسرائيل، وحاولت في السويداء استمالة بعض القيادات المحلية وتقديم دعم اقتصادي وعسكري لبعض الميليشيات الموالية لها، لكن المناهضة الدرزية للتجنيد الإيراني أو الهيمنة الإيرانية ظلت عائقاً أمام فرض نفوذها الكامل، وعلى المقلب الآخر كانت إسرائيل تراقب عن كثب التطورات هناك، انطلاقاً من أهمية السويداء لقربها من الجولان، ونفذت عدداً من الضربات الجوية التي استهدفت مواقع مرتبطة بإيران و"حزب الله"، لكنها لم تتدخل بصورة مباشرة.
والتظاهرات ضد النظام في السويداء كانت أخذت طابعاً منظماً وسياسياً منذ أغسطس (آب) 2023 إذ دعا بيان للمتظاهرين حينها إلى بناء دولة وطنية ديمقراطية ورفض "أن يملي حزب البعث سياساته" على أهالي المنطقة، ورفع المتظاهرون حينها هتافات تطالب بإسقاط النظام، منها "يسقط بشار الأسد"، و"ارحل.. ارحل يا بشار"، مؤكدين على مطلب تغيير النظام السوري.
سقوط حكم البعث "حلم"
يتحدث تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية، عن بيان الحناوي ووقوفه في ساحة الكرامة في مدينة السويداء مع جموع المحتفلين بسقوط حكم حزب "البعث" بأنه "حلم"، فالرجل الذي أمضى 17 عاماً في السجون بعهد حافظ الأسد، لم يتخيل أن يعيش ليرى هذا اليوم.
ورفع المحتفلون بسقوط النظام العلم الأبيض والأخضر والأسود وعليه النجوم الثلاث وصفقوا على وقع الأغاني الاحتفالية، رافعين أغصان الزيتون على غرار كثير في مختلف مدن سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع تقرير الوكالة أن من بينهم من فقد ابناً أو أخاً خلال فترة الاحتجاجات التي اندلعت عام 2011، أما آخرون فعانوا مباشرة في السجون، مثل الحناوي (77 سنة) الذي سجن حينما كان جندياً في الجيش عام 1975 أي بعد نحو خمسة أعوام من الانقلاب الذي أوصل حافظ الأسد إلى السلطة، ويقول الرجل الذي ملأت التجاعيد وجهه وغزا الشيب رأسه، "كان هذا حلماً، كنا نحلم بأنه في يوم من الأيام سيسقط النظام". ويصف مشاعره بمزيج من "السعادة والحزن"، مضيفاً "هناك حزن وقهر، ليت الذين كانوا معي في (سجني) المزة وصيدنايا قادرون على أن يروا هذا المشهد".
تحدثت "اندبندنت عربية" إلى فاعلين في السويداء والقرى الدرزية المجاورة، وعبروا لنا عن فرحهم، قائلين إنهم باتوا قادرين على التخطيط للمستقبل، والتفكير بصوت عال، والإمساك بزمام المبادرة بالتعاون مع باقي الأطياف السورية، لبناء سوريا جديدة.
"الإيرانيون يسرقون بلادنا"
شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء حكمت الهجري، كان أعلن في سبتمبر (أيلول) 2023، وبعد تعرض المحتجين في السويداء لإطلاق نار أن "إيران طرف محتل في سوريا، ويجب الجهاد ضد الميليشيات الإيرانية التي نعتبرها احتلالاً، لأن فكرهم تخريبي". ورأى أن "الإيرانيين وجماعتهم المرتزقة يسرقون بلادنا... و’حزب الله‘ احتلال ولا نقبل بوجودهم على الأراضي السورية".
تواصلت "اندبندنت عربية" مع المكتب الإعلامي الخاص بالهجري للسؤال عن مقاربة الدروز في الداخل السوري لسقوط النظام، فهنأ الهجري وعبر تصريح خاص لنا، السوريين بسقوط الأسد، معتبراً أنه "آن الأوان لطي تلك الصفحة السوداء".
وأشار إلى أنه وبعد خراب 60 عاماً من هذا الحكم "الطاغي" كما وصفه، لا يمكن أن يأتي التغيير بصورة فورية، وعبر عن اعتزازه بالجيل الجديد الذي يشكل الأرضية لبناء مستقبل واعد، داعياً إلى نسيان الماضي، باعتبار أن القضية الأساسية اليوم هي إعادة إعمار سوريا بصورة صحيحة، وذلك عبر نشر المحبة والسلام والتسامح والترفع عن الضغائن، وذلك لأنه ومنذ 60 عاماً عمل النظام على التفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
وأضاف الهجري أنه حتى الدول التي كانت داعمة للأسد اقتنعت أن العلاقة يجب أن تكون مع الشعب وليس مع خائن لبلده ولشعبه، وتابع أننا في لحظة تاريخية يجب استثمارها بصورة صحيحة، عبر عدم استعجال الأمور، والتركيز على أن تكون مدنية وديمقراطية، يتمثل فيها كل سوري، وخارج هذا العنوان لا يمثل ما أراده السوريون من احتجاجاتهم.
واعتبر أن المهم في هذا الوقت هو الانضباط والهدوء والابتعاد عن التخوين لبعضنا البعض، لأنه يتبع لحقبة انتهت وأصبحت من الماضي، وقال "نريد بناء سوريا جديدة بنوايا صافية، سوريا لكل السوريين... نحن كلنا في خندق واحد وبعد التجربة التي مرت بها السويداء وتجربة إدلب المريرة، علينا أن نستفيد من تجاربنا"، مضيفاً أن المسبب للضغائن والفتن بين كافة ألوان الشعب السوري، زال، ولا يبقى علينا إلا العمل بوجدانية.
ماذا عن دروز لبنان؟
تزامناً، يراقب دروز لبنان وكل اللبنانيين ما يحدث في سوريا، علماً أنه لا توجد عائلة درزية لبنانية إلا وتربطها علاقات قربى أو مصاهرة مع دروز الداخل السوري، وهذه سمة تتصف بها الطائفة الدرزية، إذ يتواصل أبناؤها ويتساندون في أية منطقة من العالم وجدوا فيها، وليس غريباً إذاً أن تهتم الساحة الدرزية اللبنانية بتفاصيل ما يحدث في السويداء وفي سوريا عموماً.
وللدروز بحسب مصدر سياسي لبناني "ثأر قديم"، لأنهم واثقون بأن نظام الأسد هو من قتل زعيم الدروز السابق في لبنان، كمال جنبلاط عام 1977، وله دور في اغتيال الشيخ المعارض زعيم مجموعة رجال الكرامة أو "مشايخ الكرامة" وحيد البلعوس في سبتمبر 2015، وهو الشخصية الدرزية الأبرز سورياً، منذ وفاة سلطان باشا الأطرش.
وكان وليد جنبلاط اتهم حينها نظام الأسد بقتله، مبرراً هذا الاتهام بأن بلعوس كان رفض انخراط الدروز في صفوف جيش النظام في مواجهة أشقائهم بالمناطق السورية الأخرى، وقال حينها، خلال تأبين الشيخ البلعوس الذي أقيم في دار الطائفة الدرزية بالعاصمة اللبنانية بيروت"أردناها رسالة إلى جبل سلطان باشا الأطرش من جبل كمال جنبلاط".
تواصلت "اندبندنت عربية" مع المستشار الإعلامي لمشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في لبنان عامر زين الدين، للتعليق على سقوط نظام الأسد، الذي أشار إلى المواقف التي سبق وأعلنها شيخ عقل الطائفة سامي أبي المنى، لافتاً إلى متابعة الأخير الدقيقة لمجريات التطورات على الساحة السورية وبخاصة بالنسبة إلى جبل العرب، والمأمول منه بعد سقوط الأسد، بالانتقال المدروس للسلطة وإدارة البلاد للمرحلة المقبلة، ونيل الجميع حقوقهم المشروعة، ورأى أن الشعب السوري قدم تضحيات كبيرة، للوصول إلى مرحلة الخلاص من قهر النظام البائد.
وأضاف زين الدين "نتطلع نحو مرحلة سورية جديدة، يسود فيها الاستقرار والأمان، وينال الشعب ما ضحى من أجله من حقوق مشروعة ومن مساواة في الواجبات، تحت مظلة الدولة العادلة، التي ترضي جميع أبنائها على قاعدة التغيير الجذري المطلوب. وزاد "تمر سوريا اليوم بمرحلة تاريخية حرجة جداً، وأننا ومن منطلق الحرص المشترك والأخوة التي لطالما كانت ولا تزال تجمع بيننا، فإننا ندعو الجميع، إلى التعاطي مع تلك المرحلة بالقدر الكافي من الحكمة والوعي المطلوبين، والتأسيس يداً بيد بين أطياف المجتمع السوري، لبناء الوطن والدولة على أسس متينة من الوحدة والديمقراطية والحرية والكرامة الوطنية، وتأكيد التمسك بالهوية العروبية والقومية".