نبيه بري الذي أعيد انتخابه الثلاثاء، 31 مايو (أيار)، لولاية سابعة على رأس البرلمان اللبناني، هو أحد أبرز أركان النظام السياسي الطائفي والتقليدي المتجذر في البلاد، وسيدشن ولايته السابعة على الرغم من التوق الواضح للتغيير الذي عبّر عنه اللبنانيون خلال الانتخابات الأخيرة.
يُعرف بحنكته السياسية ولكن أيضاً تتهمه شريحة واسعة من اللبنانيين بأنه جزء أساسي من "منظومة الفساد" في بلد يشهد أزمة اقتصادية ومالية خانقة وشللاً سياسياً منذ أكثر من عامين.
الحرب الأهلية
يرأس نبيه بري "حركة أمل" الشيعية منذ عام 1980. وطوال الحرب الأهلية اللبنانية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990، قاد الحركة خلال معارك مع أطراف رئيسة أخرى كثيرة في الصراع. وذاع صيته على الصعيد الدولي عام 1985، عندما ساعد في التفاوض على إطلاق سراح 39 أميركياً احتُجزوا كرهائن في بيروت على يد مسلحين شيعة اختطفوا طائرة ركاب تابعة لشركة "تي دبليو إيه".
ومنذ انتهاء الحرب الأهلية وانتقاله من "أمير حرب" إلى رئيس لمجلس النواب، أصبح جزءاً أساسياً من المشهد السياسي اللبناني مستقوياً بتحالفه مع دمشق التي كانت تهيمن على الساحة السياسية حتى عام 2005، ثم بتحالفه الثابت مع ميليشيا "حزب الله"، القوة السياسية الأبرز في لبنان التي تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة بدعم من إيران.
واستفاد بري من نظام سياسي معقد يقوم على محاصصة طائفية وتوازنات هشة، ليبقى في منصبه 30 عاماً ويكرّس نفسه حارساً للستاتيكو السياسي المعقد في لبنان، بعد خروج الجيش السوري من البلاد إثر اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وما تلاه من تغيير في موازين القوى، وصولاً إلى تظاهرات غير مسبوقة خريف 2019 ضد السلطة المتهمة بالفساد وسوء الإدارة، التي يُعدّ بري من أبرز أركانها.
أدنى عدد أصوات
وأعيد انتخاب بري (84 سنة)، عميد رؤساء البرلمانات العرب، لأربعة أعوام جديدة، بأدنى عدد أصوت ينالها منذ وصوله الى رئاسة البرلمان عام 1992، بلغ 65 صوتاً من أصل 128.
ويدرك بري جيداً أهمية الحفاظ على تحالفه مع "حزب الله" الذي خاض معه في مرحلة التسعينيات صراعاً قاسياً على زعامة الطائفة الشيعية، لكنه منذ ذلك الحين يؤكد أن حلفه معه ثابت.
وعُرف بري خلال أزمات عدة مر بها لبنان بقدرته على تدوير الزوايا، فنجح في فرض نفسه كوسيط بين القوى السياسية المختلفة، وكالطرف الشيعي المقصود من دبلوماسيين أميركيين وغربيين وعرب لا يريدون عقد لقاءات علنية مع "حزب الله".
نفوذ في النظام المالي
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مارس بري نفوذاً كبيراً على السياسات المالية لدولة تمر بأزمة اقتصادية منذ عام 2019 نتيجة عقود من الفساد وسوء الإدارة في الدولة. وشغل الساعد الأيمن له، علي حسن خليل، منصب وزير المالية من عام 2014 حتى 2020، وكان لبري رأي حاسم في اختيار الشخصين اللذين تولّيا المنصب بعد خليل منذ ذلك الحين.
وأيد بري قرار لبنان التخلف عن سداد ديونه السيادية عام 2020، ودعم حاكم البنك المركزي المخضرم رياض سلامة الذي تعرض لانتقادات بسبب الأزمة.
وكانت "حركة أمل" واحدة من فصائل عدة نسفت خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة عام 2020. وصوّت وزراؤها أيضاً ضد خريطة طريق التعافي التي وضعها مجلس الوزراء في مايو 2022، على الرغم من إقرارها.
اتهامات بالفساد
قبل وصوله إلى البرلمان، تولّى بري خمس حقائب وزارية بين عامي 1984 و1992.
ويتميز بري ببلاغة في الكلام ويهوى الكتابة، ويقول إن عمله السياسي يحول دون ممارسة هوايتيه المفضلتين، وهما السباحة ولعب البليار.
يشيد أنصاره بالخدمات وبورشة الإنماء التي يقف وراءها في جنوب لبنان، بينما يعتبر خصومه أنه استغل الحرب والزعامة والمنصب لترسيخ شعبيته وتوظيف آلاف من أنصاره في مرافق الدولة والمساهمة في تعميق الفساد.
ويُعتقد أن بري يقف على رأس إمبراطورية أعمال تتجاوز حدود لبنان، ومن الصعب جداً تتبع مصادرها المالية. كما تُوجّه له ولزوجته رندة اتهامات بالاستفادة مالياً من مشاريع إعمار مع مجلس الجنوب التابع للحكومة اللبنانية.
لا خليفة
ولد بري في سيراليون عام 1938 من عائلة تتحدر من قرية تبنين في جنوب لبنان هاجرت إلى أفريقيا وعملت في تجارة الألماس. وفي القارة السمراء، بات بري الصديق الحميم لجميل سعيد محمد الذي كان بمثابة "ملك الألماس" ويحظى بنفوذ سياسي كبير في سيراليون، وفق تقرير كتبه الدبلوماسي لنسانا غبيري عام 2002.
وتخرج بري عام 1963 في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية، ثم تابع دراسات عليا في الحقوق في جامعة السوربون في فرنسا وعمل محامياً في الاستئناف اعتباراً من عام 1963. كما عمل لأعوام طويلة في حقل الاستثمارات العقارية.
وانضم بري إلى حركة "أفواج المقاومة اللبنانية" (أمل) التي أسسها الإمام موسى الصدر عام 1970. وترأس الحركة عام 1980 بعد عامين من اختفاء الصدر المثير للجدل خلال زيارة إلى ليبيا.
انفصل بري عن زوجته الأولى ليلى خلال الحرب وأصبحت زوجته الثانية رندة شخصية عامة. لديه 10 أبناء في المجمل، لكنه كسر تقاليد لبنان في سياسة الأُسر الحاكمة من خلال عدم تعيين أي منهم خليفة له في معترك السياسة.