Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

احتقار عمال النظافة ثقافة منتشرة في مكتب رئيس وزراء بريطانيا

شبهت عملها بجنود المشاه الخفيين فيما يتهيأ عمال النظافة للاحتجاج خارج مقر الحكومة

أحد عمال النظافة (آي ستوك)

على غرار كثيرين من الناس، انتظرت بصبر نافد للاطلاع على مضمون تقرير سو غراي [كبيرة موظفي الخدمة المدنية في المملكة المتحدة] الذي طال انتظاره في شأن ما حدث بالضبط في مقر رئاسة الحكومة في "داونينغ ستريت"، حينما خضعت بقية الناس في بريطانيا لوضعية إغلاق عام [بسبب وباء كورونا]، وكنت مندهشة من حجم تلك الحفلات، إذ انكب الجميع آنذاك على العمل بجدية كبيرة على أي حال.

في المقابل، لم يصدمني وصف التقرير معاملة عمال النظافة بـ "عدم الاحترام" [من قبل موظفي مكتب رئاسة الوزراء]، وغياب الشعور بأن هؤلاء العمال يستحقون التحدث عما يواجهونه في الواقع.

أعاد هذا التعليق إليّ ذكريات الأعوام التي أمضيتها حاملة رقعة إزالة الغبار وممسحة الأرض، إذ تهمش ثقافة "داونينغ ستريت" عمال النظافة وطواقم الأمن وتتجاهل آراءهم، في مواجهة السلوك المروع لأفراد كانت درجات رواتبهم أعلى بكثير من غيرهم، وكذلك ترقى تلك الثقافة إلى زمن بعيد وتمتد إلى ما هو أبعد من أروقة السلطة في لندن.

بدأت عملي في تنظيف المكاتب حينما كان عمري 15 عاماً. جئت من منزل في "هول" تربيت فيه على يد معيل وحيد. كان وضعنا المادي صعباً للغاية، من هنا كان احتمال أن أجني 20 جنيهاً استرلينياً (25 دولاراً أميركياً) في الأسبوع لقاء العمل لمدة ساعتين في خمس ليال أسبوعياً مناسباً جداً بالنسبة إليّ.

اشتغلت لحساب شركة أرسلتني إلى أماكن مختلفة، من مكاتب وبنوك وشركات تأمين أو هندسة معمارية أو محاماة.

كان التنوع جميلاً، وفيما كان من الممتع إلقاء نظرة خاطفة على ما يجري في كواليس الشركات، أدركت حالاً أن ما اختبرته لم يكن مجرد بيئة يكون فيها العامل "مرئياً وغير مسموع"، بل بيئة كنت فيها غير مرئية بالمرة.

اقتضت مهمتي بأن أعمل في صمت ومن دون أي إزعاج لتنظيف مخلفات الموظفين (كانوا يرتدون ملابس لا يمكن لي أن أحلم بالحصول عليها).

كنت أقوم بتفريغ سلال مهملاتهم، بغض النظر عما كانوا يلقونه أو ما لا يلقونه في داخلها، لأن من الواضح أنهم كانوا يعتبرون أنفسهم ذوي أهمية لا تسمح لهم بأخذ عناء الوقوف والتقاط القمامة التي كانت تقع على الأرض خارج سلال المهملات.

وكذلك توجب عليّ أيضاً أن أعقم مقاعد مراحيضهم، وأحرص على أن الحنفيات في أحواض مكاتبهم التنفيذية التي كانت تشع لمعاناً.

كنت أنظف أماكن الاستقبال المخصصة لهم كي يأخذ عملاؤهم أفضل انطباع عن أعمالهم. كنت أفعل ذلك كله على الرغم من تجاهلهم الكلي ليّ، وكي أكون صادقة كان من الأفضل أحياناً أن تشعر بأن أحدهم يراك فعلاً.

لم أكن أكثر المراهقين حكمة في التعامل مع الصعوبات، ولم أكن أعرف أي شخص في ذلك الحين أو الآن، لديه طموح قوي لنيل وظيفة تنظيف المكاتب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، فإن بعض السلوكيات الصادرة عن عدد من الموظفين الذكور جعلتني أشعر باشمئزاز وخوف.

في أحد المواقع، من دون ذكر أي أسماء، عمد موظف رفيع المستوى نسبياً في إحدى الشركات التي كنا نعمل في تنظيف مكاتبها إلى ملامسة ثدي زميلة لي أثناء سيره بقربها. أخبرتني عن ذلك في وقت لاحق، وقد عملنا على إطلاع المشرف علينا بالأمر، لكنه هز كتفيه بلامبالاة ظاهرة.

لم يكن الذكور وحدهم من كانوا يحيدون عن آداب اللياقة، فقد أمضيت أشهراً عدة في شركة محاماة حيث واجهت نوعين من السلوكيات المتهورة.

كنت حينها أدرس للحصول على "شهادة الثانوية العامة" (المستوى أ) A Level، وعندما اكتشف أحد كبار الشركاء ذلك تولى بسرور تصوير رزم من المستندات لمساعدتي.

في المقابل، كانت هناك موظفة أخرى رفيعة المستوى، هذه المرة امرأة تصيح في وجهي "بأن أخرج من مكتبها"، في كل مرة كنت أطلب فيها بتهذيب أن أفرغ سلة مهملاتها، وفي النهاية أصبحت تتركها خارج باب مكتبها كيلا أوجه الطلب إليها.

ومع أن ذلك حدث قبل بضعة أعوام، إلا أنه لقنني درساً قيماً. هناك جيش كامل من الأفراد الذين يكدون بجهد من أجل محاولة إرساء بيئة مؤاتية للعمل. إنهم أولئك الذين ينظفون المراحيض ويرتبون المكاتب ويخرجون القمامة. إنهم الأشخاص الذين يعرفون ما هي وجبة الطعام التي تتناولونها على العشاء (على الرغم من أنكم قد تخبرون شريككم بأنها كانت مجرد طبق من السلطة، بينما كنتم في الواقع ترمون عبوات وجباتكم السريعة في سلة المهملات)، وهم أيضاً أولئك الأشخاص الذين يعرفون حقيقتكم.

إنني أدرك ذلك لأنني كنت أحد جنود المشاة هؤلاء.

في المقابل، التقيت أشخاصاً كثيرين خلال فترة عملي موظفة نظافة ممن يتسمون باللياقة والكياسة واللطف ويراعون مشاعر الآخرين، لكن أولئك الذين لم يكونوا على هذا النحو هم الذين في ذاكرتي لجميع الأسباب الخاطئة. هل عاملوني كحثالة ظناً منهم أنني دون مستواهم بسبب طبيعة العمل الذي أؤديه؟ إذا كان الأمر كذلك فإنه يكشف حقيقة أخلاقهم، خصوصاً أن معظمهم كانوا في مراكز يتحتم عليهم فيها التعامل مباشرة مع الزبائن.

لقد تعهد بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني بالاعتذار شخصياً من الموظفين الذين تعرضوا لمعاملة سيئة في "داونينغ ستريت"، لكنني أود معرفة ما إذا كان في الواقع سيذهب للبحث عنهم من أجل ذلك.

في هذا الوقت، إذا حدث أن شاهدتَ [المقصود بالإشارة هو بوريس جونسون] مرة أخرى عامل نظافة في المكتب، إن لم يكن ذلك قد حصل معك فعلاً، قد يكون من الجيد أن تتقدم نحوه لإلقاء التحية وتشكره على ما يفعله، لأنه من دونه ستكون الحياة في المكتب أكثر بؤساً وتعقيداً.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 31 مايو 2022

© The Independent

المزيد من متابعات