لم يكن الناجي الأبرز من تفجير دار الرئاسة في مثل هذا اليوم من عام 2011، رجل الدولة الرفيع رشاد العليمي، يعلم أن الأقدار أنجته من الموت المحقق وكأنها تجهزه ليحمل، لاحقاً، مشروع نجاة الدولة اليمنية مجدداً كشخصية توافقية نالت تأييد السواد الشعبي الأكثر في اليمن.
وبينما كان يقف العليمي إلى جوار الرئيس اليمني الأسبق الراحل علي عبد الله صالح في الصف الأمامي لجامع دار الرئاسة أثناء أداء صلاة جمعة الثالث من يونيو (حزيران) تفاجأ الحشد بانفجار ضخم زرعت عبواته في محرابه وعلى جوانبه، قضى إثره معظم من كان يقف في الصف الأول فيما نجا العليمي بأعجوبة.
لم تمضِ سوى أشهر قليلة على الحادثة التي ما زالت تثير جدل ولغط اليمنيين، ليتولى نائب الرئيس حينها، عبدربه منصور هادي، رئاسة الجمهورية، تليها عشر سنوات، فتنقل السلطة لمجلس رئاسي برئاسة العليمي لقيادة دفة البلاد في المرحلة الأصعب في تاريخها.
الحياة تعطي فرصاً أخرى
كانت شظايا التفجير ونيرانه تستهدف صالح ورجالاته البارزين الذين يقفون، بمن فيهم العليمي، عن يمينه وشماله يؤم بهم اليمن، وكأنه يتباهى أمام كاميرات التلفزيون بمن بقي منهم في صفه الذي شهد، في أوج الاحتجاجات الشعبية خلال ما عرف بثورة الربيع العربي، انسحاب العديد منهم، وكأن الأقدار تخبُئه لمكان وزمان مختلفين، ولكن لظروف أخرى لا تقل التهاباً عن المشهد الذي نتج عنه خسارة عدد كبير من رجالات صالح أو من يصفهم بأكتافه التي بنى عليها سلطاته المطلقة، ولم يسمح لأحد أن ينازعه فيها ثلاثة عقود ونيف.
تعرّض العليمي، كرئيسه صالح، لجروح وتهتكات جسدية بليغة أدخلته غرفة الملاحظة الطبية المكثفة، غير مدرك أن الأحداث التي كادت أن تفقده حياته، تهيئه للجلوس على كرسي السلطة الأول للبلد في مهمة جديدة معقدة تتطلب إخراجها من الحالة الشبيهة التي تعرض لها جسده قبل أن تبادر الجارة السعودية لإنقاذه وبقية المصابين للعلاج في مشافيها حتى عودته إلى صنعاء في 13 يونيو 2012 خلال الفترة التي تلت تنحي صالح وانتقال السلطة إلى هادي بموجب المبادرة الخليجية، وحظي يومها باستقبال جماهيري كبير.
ويمكن فهم آثار الإصابة الجسدية والنفسية التي تعرض "الفندم رشاد" كما يناديه رجاله في الجندية، بعد أن حدت من نشاطه الرسمي والسياسي، عدا حضور شرفي خجول داخل حزب المؤتمر الشعبي العام الذي أسسه الرئيس الأسبق علي صالح عضواً في اللجنة العامة، ثم عضواً في مؤتمر الحوار الوطني اليمني (2013 - 2014).
الضابط الدكتور
العليمي ابن محافظة تعز حاضرة الثقافة والتنوير في اليمن، تدرج في سلك الدولة الأمني من ضابط صغير في عهد الرئيس الحمدي (حكم اليمن الشمالي منذ 1974 حتى 1977) إلى مسؤول برز حضوره اللافت عندما غدا مديراً لأمن محافظة تعز كأول مسؤول في هذا المنصب حاملاً شهادة الدكتوراه، وهو ما أعطى ملمحاً عن أداء مؤسسي مختلف داخل المؤسسة الأمنية في اليمن.
وخلال 68 عاماً من حياته كان العليمي أحد أبرز الضباط اليمنيين الذين عملوا في نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وتدرج في المناصب حتى وصل إلى نائب رئيس وزراء، وكان أحد أقرب رجالات الدولة آخر أيام صالح في السلطة.
بدأ حياته السياسية في حزب التنظيم الناصري اليمني، وقبل انتقاله إلى الكويت للدراسة، حيث حصل على المرتبة الثالثة في دفعته تخصص بكالوريوس في العلوم العسكرية من كلية الشرطة الكويتية 1975، تدرج تالياً في عدد من المناصب ابتداءً من كلية الشرطة في صنعاء من العام، ثم مديراً لإدارة البحث الجنائي في اليمن وأستاذاً في جامعة صنعاء ومديراً للشؤون القانونية بوزارة الداخلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عيّن وزيراً للداخلية عام 2001، ثم نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للداخلية، ورئيساً للجنة الأمنية العليا، وهو صاحب مشروع "خطة الانتشار الأمني" التي عملت بشكل بارز على الحد من تأثير تنظيم القاعدة في اليمن، ثم عيّن نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن عام 2008، وعضواً للجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام، وعضو مؤتمر الحوار الوطني ومستشاراً للرئيس عبد ربه منصور هادي.
وكان آخر منصب تسنّمه قبيل انتقال السلطة إليه عمله مستشاراً لرئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي منذ عام 2014 على مدى انفجار الحرب الحوثية، كما تم اختياره رئيساً لتحالف الأحزاب السياسية الذي تأسس عام 2019.
قفز من مستشار منذ 8 أعوام للرئيس عبد ربه منصور هادي - الذي سلم صلاحيته كافة بموجب الدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية - إلى مجلس القيادة الرئاسي الجديد كقائد جديد خلال الفترة الانتقالية والمرحلة التوافقية.
أعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، فجر الخميس، تشكيل مجلس رئاسي يضم 8 أعضاء ونقل إليه جميع صلاحياته برئاسة رشاد العليمي وعضوية "سلطان العرادة، وطارق صالح، وعبد الرحمن المحرمي، وعبد الله العليمي، وعثمان مجلي، وعيدروس الزبيدي، وفرج البحسني".
الطريق والمجهول
يواجه العليمي اليوم تحديات صعبة ربما أهمها ما يتعلق بصلب تخصصه في الإدارة الأمنية وجهاز السيطرة، ولكن هذه المرة من داخل مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للبلاد التي كان وراء اختيارها لاحتضان بطولة خليجي 20 في عام 2010 باعتباره رئيس اللجنة المنظمة للحدث الرياضي والدولي الأبرز في تاريخ البلاد وقيادة السفينة المثقلة في بحار متلاطمة وفي أعقد الطرق المزروعة حقولاً من الألغام.
ولهذا تبدو طريق العليمي والأعضاء السبعة معقدة صعبة، إلا أن مراقبين لا يرون الوصول لبر الأمان مستحيلاً بالنظر إلى الإجماع الشعبي والدولي الكبير وغير المسبوق الذي يحظى به مجلس القيادة الرئاسي على أمل أن ينتشل البلد من الانفجار المتوالي إلى الاستقرار المتنامي.