Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أنياب مصاص الدماء النبيل تغلغلت في العالم طيلة 125 سنة

يعتبر الكونت دراكولا أحد أكثر الشخصيات الأدبية شهرة في الأرض، لكن ما السر في قصة برام ستوكر الذي مكنها من الاستحواذ على خيال الناس

لم تقدم رواية "دراكولا" للكاتب برام ستوكر تفسيراً واضحاً للسبب الذي دفع رجلاً نبيلاً من الموتى الأحياء ليأتي من ترانسيلفانيا [في رومانيا] في رحلة حملته إلى إنجلترا، وتشكل الجزء الأكبر من الحكاية.

لن نفسد متعة القراءة حقاً إذا ذكرنا أن الفرقة الشجاعة بقيادة أبراهام فان هلسينغ أحبطت في النهاية أي خطط كانت لدى الكونت دراكولا، سواء كانت لتناول عشاء جيد في لندن قلب العالم الفيكتوري، أو لنشر وباء مصاصي الدماء في أرجاء بريطانيا.

لكن بعد 125 سنة من نشر ستوكر المولود في دبلن، عاصمة جمهورية إيرلندا، روايته عن دراكولا في 26 مايو (أيار) 1897، حققت تلك الشخصية الخيالية نوعاً من الهيمنة الوبائية التي يسيل لها لعاب أي مصاص دماء يحترم نفسه.

هل هناك أناس كثيرون لم يسمعوا باسم دراكولا؟ أم لم يشاهدوا فيلماً واحداً عنه، في الأقل؟ ينطبق السؤال الأخير على فيلم المخرج فريدريك مورناو المقتبس من رواية ستوكر، وقد حمل ذلك الشريط عنوان "نوسفيراتو" Nosferatu عام 1922، أو أحد أفلام الوحوش التي أنتجتها شركة "يونيفرسال" في ثلاثينيات القرن العشرين، بحيث تطور الكونت دراكولا من الرجل المروع في فيلم مورناو الصامت إلى شخصية النبيل الأوروبي الشرير الساحر المتأنق التي جسّدها الممثل بيلا لوغوسي. وكذلك ربما تعرفنا للمرة الأولى إلى الكونت دراكولا من خلال شخصية المفترس النحيل صاحب العينين الدمويتين التي جسدها الممثل كريستوفر لي في أفلام من إنتاج "استوديوهات هامر"، التي كانت رديئة أحياناً لكنها استمرت من أواخر خمسينيات القرن العشرين إلى سبعينياته. وربما حتى من خلال فيلم "دراكولا من برام ستوكر" Bram Stoker’s Dracula الذي أخرجه فرانسيس فورد كوبولا عام 1992، فنرى مصاص الدماء الذي جسّده الممثل غاري أولدمان يضمر مشاعر عارمة  ملتهبة في سعيه وراء وينونا رايدر التي أدّت شخصية مينا هاركر المقموعة [والمحبطة].

لكن حضور الكونت دراكولا لا يقتصر على الأدب والسينما وحدهما. لقد كان، ولا يزال، في كل مكان، منتشراً وممتداً مثل الخفافيش والجرذان التي ينبثق منها أحياناً. نجده في شخصية "الكونت" المتسم بمظهر له لون أرجواني شاحب مميت، في سلسلة "سيسمي ستريت" [شارع السمسم]، يعلّم الأطفال الأرقام بلهجة أوروبية شرقية وأنياب ظاهرة. إنه في مثلجات "وولز" العريقة التي يحب الأطفال تناولها أثناء لهوهم بالرمال على شاطئ البحر خلال العطلات، إذ تمثل طبقة المثلجات السوداء الخارجية عباءة الكونت التي تخفي تحتها مثلجات بلون الدم الأحمر. هل هناك أي شخص عاش طفولته في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين لم يتعطش للعبة "أريد عض إصبعك"، بحيث توجّب على اللاعبين إدخال رقم في فم دراكولا المصنوع من الورق المقوى ومعرفة إذا كان "عضّهم" وتركت أنيابه علامة مرسومة بأقلام الحبر المثبتة خلفها؟

في السياق ذاته، ظهر دراكولا في القصص المصورة، لا سيما في القصة التي أصدرتها مجلات شركة "مارفل" السينمائية [متخصصة في أفلام أصحاب القدرات الخارقة] باسمه في سبعينيات القرن العشرين، وكان له ظهور في عدد لا يحصى من المعالجات التلفزيونية، بما في ذلك السلسلة التي ألفها مارك غاتيس بعنوان "دراكولا" عام 2020 التي أدخلت تحديثات على الحكاية جعلت لها أثراً صادماً يُشعر المشاهدين بالرضا. كذلك استُدعيت تلك الشخصية إلى الحضور في مسلسلات الأطفال "سكوبي دو" Scooby-Doo و"الكونت دراكولا" و"ذا مانسترز" [الوحوش] The Munsters. لقد ظهر في ألعاب الفيديو وبطاقات الصور وكل الأشكال التي يمكن أن تخطر ببالكم. لا يمكن أن يكون هناك كثير من الأشخاص في العالم الغربي ممن لا يعرفون الكونت دراكولا. لقد استعمرنا ثقافياً بطريقة تكاد تكون غامرة بالكامل. ومن المنطقي القول إن دراكولا ليس مجرد قصة، لكنه تغلغل في دمائنا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد سرى في عروق ستوكر أيضاً قبل وقت طويل من مباشرته فعلياً كتابة الحكاية. ولد ستوكر عام 1847، ونشأ في بلدة كلونتارف الساحلية على أطراف دبلن، وانتقل إلى لندن عام 1878 ليصبح مدير الأعمال في مسرح "ليسيوم".

في ما بعد، أصبح مدير أعمال نجم المسرح الفيكتوري السير هنري إيرفينغ، وتنقل في وظائف مسرحية مختلفة، بينما كان طموح الكتابة يكبر في داخله طوال الوقت. ذات يوم في مارس (آذار) عام 1890، دوَّن ستوكر فكرة راودته بشكل مفاجئ على قصاصة من الورق بخط يد بالكاد يمكن قراءته،

يخرج رجل شاب - يرى فتيات، تحاول إحداهن تقبيله ليس على شفتيه بل على عنقه. يتدخل الكونت المسن ويظهر عليه الغضب الشيطاني. هذا الرجل لي وأنا أريده.

أي شخص قرأ رواية دراكولا، أو شاهد إحدى المعالجات السينمائية المتعددة، سيدرك على الفور أن ما ورد يجسد أحد المشاهد المحورية في الحكاية. وتقليدياً، نرى المحامي الشاب جوناثان هاركر، بعدما سافر إلى قلعة دراكولا في جبال ترانسيلفانيا بغية وضع اللمسات الأخيرة على صفقات يعقدها لمصلحة الكونت بهدف شراء عقارات في لندن. وكذلك يوشك، في تلك القلعة، على الوقوع ضحية مجموعة من النساء مصاصات الدماء من عصابة دراكولا.

إذا كانت تلك الملاحظة المجزأة التي دوّن فيها ستوكر حلمه في مارس عام 1890 هي الدافع وراء دراكولا، فقد كانت العطلة التي قضاها في بلدة ويتبي الساحلية في شمال يوركشاير في يوليو (تموز) من ذلك العام، بداية تكوّن قصته الشهيرة شكلاً ومضموناً، إذ يُعتقد أن ستوكر قضى هناك أسبوعاً بمفرده في نهاية يوليو، لكنه عاد بعد أسبوع، مع زوجته فلورنس وابنه نويل البالغ من العمر 11 سنة. وفقاً لصحيفة "ويتبي غازيت"، التي سجلت بدقة جميع حالات الدخول والخروج من البلدة، بقيت عائلة ستوكر في المنزل رقم 6 في شارع رويال كريسنت على شاطئ "ويست كليف" المطل على المحيط الأطلسي الرمادي والبارد، ويقابله رأس على الجانب الآخر من المرفأ، الذي تطل عليه الأطلال المهيبة لكاتدرائية ويتبي و"كنيسة سانت ماري"، حيث تلفح رياح البحر المالحة المقبرة التابعة لها.

بالطبع، شكّلت ويتبي مصدر إلهام كبيراً لستوكر، إذ انغمس في المدينة الساحلية، وزار المتاحف والمكتبات وتجول بين شواهد القبور التي تآكلت بفعل الطقس في "سانت ماري". سمع حكايات الصيادين والملاحين عن البحر. أخبر بحار قديم ستوكر أن سفينة شراعية روسية قديمة تحمل اسم "دميتري" انجرفت تماماً إلى رصيف "تيت هيل" في المدينة بعدما أبحرت في يوم عاصف قبل خمسة أعوام.

ببطء، شرع لغز دراكولا في تفكيك نفسه بنفسه في ذهن الكاتب. لقد كان ستوكر من نوع الكتاب الثرثارين الشرهين، ينتزع أجزاء من التاريخ والأساطير ويجمعها كلها ضمن إطار متماسك. يُحكى أنه التقى أرمين فامبيري، الكاتب المجري الذي أخبره حكايات برية عن مغامراته في جبال كاربات الرومانية غير الأليفة. يعتقد أنه استعار لقب مصاص الدماء الفخري من فلاد الثالث دراكولا، أو فلاد المُخَوزِق، الذي حكم والاشيا في القرن الخامس عشر، وشكّلت إحدى مناطق رومانيا في العصور الوسطى.

واستطراداً، تحوّلت القصة الحقيقية للسفينة "دميتري" بين يدي ستوكر، إلى قصة "ديميتر" المروعة، السفينة التي اصطدمت أيضاً بالرصيف الحجري ذاته في ويتبي، لكن في هذه الرواية مات جميع أفراد طاقمها، وجرت تصفية دمائهم، بينما مُلئت حمولتها من التوابيت بتربة جيدة آتية من ترانسيلفانيا. كان الراكب الوحيد الذي بقي على قيد الحياة هو كلب قاتم السواد قفز من السفينة المنكوبة وصعد سلماً مكوناً من 199 درجة يؤدي إلى الكاتدرائية، حيث سيعود إلى حالته الأصلية، أي دراكولا الميت الحي.  

واستكمالاً، إن "دراكولا" رواية مكتوبة بأسلوب المراسلة، يجري سردها عن طريق الرسائل واليوميات. بعد لقاء جوناثان هاركر مع دراكولا في ترانسيلفانيا، تنتقل الحوادث إلى ويتبي، حيث تقضي خطيبته مينا هاركر، عطلتها مع صديقتها لوسي ويستنرا. تتزامن إجازتهما مع وصول دراكولا إلى الشواطئ البريطانية. وبعد وقوع لوسي ضحية لاستمالة الكونت مصاص الدماء، يعمد الرجال الثلاثة الذين يرغبون  بخطب ودها، الدكتور جون سيوارد وكوينسي موريس وآرثر هولموود، إلى إحضار مدرس سيوارد السابق، أبراهام فان هلسينغ، لإجراء التحقيق. بعد وفاة لوسي، ثم ظهورها كواحدة من الموتى الأحياء، تطارد المجموعة دراكولا، حتى حينما يستهدف مصاص الدماء مينا، ثم تتبعه إلى ترانسيلفانيا، حيث يلتقي أفرادها بجوناثان لتسليم الرجل النبيل الشرير.

اليوم، تُعتبر ويتبي منتجعاً سياحياً شهيراً للاصطياف على ساحل شمال يوركشاير، إذ تعج واجهتها البحرية بالأماكن الترفيهية الصاخبة ومطاعم السمك والبطاطا المقلية. يوجد في إحدى الزوايا، كشك عرّاف يجلس خلف ستارة مزينة بالخرز، وعلى بعد مسافة قصيرة منه يوجد مكان ترفيهي يُسمّى بـ"تجربة دراكولا"، هو عبارة عن متاهة ضيقة ومظلمة حيث يرتدي الطلاب أنياباً بلاستيكية وينبثقون من الظلام بهدف إخافة المصطافين.

إذا صعدتم إلى ساحل ويست كليف وتجاوزتم القوس المصنوع من عظام حوت، يمكنكم الوقوف أمام "فندق رويال" والنظر أمامكم إلى الكاتدرائية المدمرة و"كنيسة سانت ماري"، وهو المنظر ذاته الذي رآه ستوكر عام 1890 حينما اشتغل على تطوير قصته.

كذلك تعتبر البلدة نقطة جذابة بالنسبة إلى العطلات العائلية والتاريخية وسياحة دراكولا، ولا أحد يعرفها أفضل من هاري كولت، الذي يدير جولات في أرجاء ويتبي موضوعها دراكولا، مرتدياً قبعة طويلة وزيّاً فكتورياً أكسبه لقب "الرجل ذو الرداء الأسود".

قبل بضعة أعوام، قابلت كولت الذي يجري جولات ليلية سيراً على الأقدام لمدة 30 عاماً، وأخبرني أن "لا شك في أن بلدة ويتبي لها دور أساسي بالنسبة إلى ستوكر حينما كتب دراكولا. وحينما أقام في ’رويال كريسنت‘، دأبت صاحبة المنزل على طرده كل صباح حتى تتمكن من تنظيف الغرفة. ودأب ستوكر على الذهاب إلى غرفة القراءة في ’فندق رويال‘ وتأمل المشهد الذي يمكنك رؤيته الآن. في الأسبوع الأول حينما كان بمفرده في ويتبي، دأب على التجول والتشبع بالأجواء، على غرار فكرة دراكولا يجري على الشاطئ في هيئة كلب أسود. تستند هذه الفرضية إلى أسطورة أخرى قد سمعها ستوكر عن كلب صيد أسود. إنها قصة جلبها شعب الفايكينغ. وكذلك فإن تلك الحافلة السوداء التي تأخذ جوناثان هاركر في وقت لاحق إلى قلعة دراكولا، مأخوذة من قصة محلية عن سيد قلعة مولغريف، الذي اعتاد أن يستقل حافلة سوداء تقرقع أثناء سيرها، حينما يذهب لمغازلة إليزابيث كولميلي".

لنتذكر أن ستوكر عاصر زمن جاك السفاح في لندن، وامتلك حساسية حيال ما يقدر على بث الذعر في الناس

لاقت رواية ستوكر نجاحاً على الفور حينما نُشرت عام 1897، وجذبت مراجعات ومقارنات قريبة جداً من تلك التي حصلت عليها شخصيات بارزة مثل ويلكي كولنز مؤلفة "المرأة ذات الرداء الأبيض" The Woman in White، وكذلك آن رادكليف، رائدة روايات الأجواء القوطية بمعنى أنها تتسم بالغموض والرعب والعواطف ودور مؤلم للنساء.

وآنذاك، بعد نجاحه المكتشف حديثاً في مجال التأليف، بدأ ستوكر العمل كصحافي في صحيفة "ديلي تلغراف" في لندن، وأعاد إحياء مهنة قد بدأها حين عمل في جريدة "دبلن إيفنينغ ميل" في مسقط رأسه [إيرلندا] التي كان يشارك في ملكيتها جوزيف شيريدان لو فانو صاحب رواية "كارميلا" Carmilla، وهي إحدى أقدم روايات مصاصي الدماء.

بفضل كتاباته وخبرته الصحافية وعمله المسرحي، تمكن ستوكر من مصادقة أسماء من بينها الفنان الأميركي جيمس أبوت ماكنيل ويسلر، وزميله الروائي آرثر كونان دويل، وحتى أوسكار وايلد، الذي كان صديقاً لدوداً نوعاً ما لمؤلف دراكولا. يبدو أن وايلد قد تقدم لخطبة فلورنس بالكوم، لكنها رفضته وفضلت ستوكر عليه، ما أدى إلى نزاع طويل الأمد بين الرجلين اللذين التقيا في "كلية ترينيتي" في دبلن.

مع حلول مطلع القرن العشرين، أصبح اسم دراكولا معروفاً في جميع أنحاء العالم، على غرار اسم مبتكره، برام ستوكر. في الواقع، أصبح الاثنان مترادفين، وفق ما اكتشف صبي صغير يدعى داكر عام 1970.

خلال نشأته في مدينة مونتريال الكندية، حيث كان "عيد الهالوين" يحظى بأهمية كبيرة على غرار حاله في الولايات المتحدة المجاورة، كان داكر يرى المحتفلين الذين يرتدون زي مصاصي الدماء يطرقون باب منزله بشكل متكرر للحصول على الحلوى. وكانوا يستمتعون بشكل خاص حينما يطرقون باب منزل العائلة ويصيحون "نرجوكم ألا تشربوا دماءنا!".

في عمر الثانية عشرة، ذهب داكر لرؤية والده بعد إحدى تلك الزيارات، وقد سيطرت عليه الحيرة من رد الفعل التي تثيرها دوماً تلك الزيارات في منزلهم. جلب والده بعد ذلك كتاباً كان موضوعاً على الرف، إنه رواية دراكولا في طبعتها الأولى، موقعة من المؤلف ومهداة لجدة داكر ستوكر. بالتالي، اكتشف الصغير أنه كان في الواقع ابن الأخت الصغرى لمبتكر إحدى أكثر الشخصيات الأدبية ديمومة في التاريخ.

وبحسب داكر، الذي يعيش الآن في ولاية ساوث كارولاينا الأميركية، "بصراحة، لم أتعمق كثيراً في علاقتي مع برام حينما كنت في الجامعة. ثم فعلت ذلك، إذ أردت معرفة كل شيء، ما هي كل الأمور المتعلقة بهذا الرجل".

أصبح داكر الآن خبيراً في برام ستوكر ودراكولا، إذ أخذ يكتشف على مر السنين، مراسلات وملاحظات وصوراً. في عام 2009، حينما دقق في ملاحظات سلفه، شارك مع السيناريست إيان هولت في تأليف رواية تكميلية بعنوان "دراكولا غير الميت" Dracula the Un-dead. وقبل ثلاثة أعوام بالتعاون مع جي دي باركر، كتب داكر جزءاً يحتوي حوادث يفترض أنها حصلت قبل تلك المعروضة حينها، بعنوان "دراكول" Dracul وقد اختير لتحويله إلى فيلم سينمائي.

ووفق داكر، جاء دراكولا في الوقت المناسب تماماً. كان هناك ارتفاع كبير في الاهتمام بالسحر والخوارق [الماورائيات] خلال أواخر العصر الفيكتوري. وتمثّلت ضربة ستوكر الاحترافية في جعل حوادث روايته تجري في بيئة معاصرة. لم تكُن نوعاً من القصص القوطية التي تجري حوادثها قبل قرون [أثناء العصر القوطي بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر]، لكنها تحدث الآن وهنا في مدينة صاخبة مع نهاية القرن التاسع عشر، في لندن مركز العالم الذي صار صناعياً حديثاً آنذاك.

يضيف داكر، "جعلت تلك المعطيات من قصة دراكولا أكثر إثارة، وأكثر ترويعاً للناس. تَذكّر أن ستوكر عاش خلال عمليات القتل التي نفّذها المجرم ’جاك السفاح‘ [اعتاد مهاجمة بنات الهوى في الليل وطعنهن بالسكين، بعد تصيدهن في شوارع مظلمة بلندن]. بالتالي، أدرك ستوكر ما هي الأمور المرعبة بالنسبة إلى الناس في ذلك الوقت. وطرح الناس آنذاك أيضاً أسئلة حول ما بعد الموت. حصل اهتمام كبير بالبعد الروحاني، مع وجود أسئلة من الناس عمّا يحدث بعد الوفاة؟".

يؤيد داكر فكرة أن دراكولا وصل إلى كل مكان بشكل غامر. ووفق كلماته، "من الصعب التفكير في شكل أدبي أو فني لم تجرِ صياغة القصة به بشكل أو آخر. جاءت لحظة مهمة عام 1962، حينما منحت جامعة أكسفورد الرواية صفة الكتاب الكلاسيكي، ما أكسبها مكاناً مناسباً في تاريخ الأدب".

هذا الأسبوع، سيزور داكر المملكة المتحدة. وستشمل زيارته رحلة إلى ويتبي، حيث يقضي بضعة أيام ويحضر عشاء احتفالياً على شرف عمه الأكبر [برام ستوكر]. ثم يتوجه إلى اسكتلندا لزيارة "خليج كرودن"، وهو موقع لا يقل أهمية عن ويتبي بالنسبة إلى دراكولا، على الرغم من أنه يحظى باهتمام أقل.

لقد اعتادت عائلة ستوكر زيارة "خليج كرودن" بانتظام. ويعتقد أن ستوكر كتب الفصول الأخيرة من كتابه أثناء إقامته هناك في "فندق كيلمارنوك آرمز" عام 1896، إذ يُعتقد أن قلعة "سلينز" القريبة مثّلت مصدر إلهام لصورة قلعة دراكولا في ترانسيلفانيا. كذلك سيكشف داكر رسمياً عن لوحة تُظهر المواقع التي لها علاقة بدراكولا في أنحاء المنطقة.

وبحسب داكر، "ما أريد فعله هو الحفاظ على إرث برام ستوكر حياً، وإتاحة الفرصة أمام الناس للذهاب إلى هذه الأماكن التي شكلت مصدر إلهام شخصية دراكولا، إضافة إلى إخبار الناس عن القصص وراء ما أصبح أحد أشهر الكتب في العالم".

لا خوف من احتمال اندثار دراكولا ومبتكره برام ستوكر ولن يطويهما النسيان قريباً. فبعد قرن من أول معالجة سينمائية للحكاية قدمها المخرج فريدريك مورناو، سيعمل فيلم مقبل على إعادة سرد القصة من خلال عيني رينفيلد، الخادم الصاغر لمصاص الدماء.

نُشرت رواية دراكولا في 1897، العام الذي شهد الاحتفال باليوبيل الماسي للملكة فيكتوريا. وتحلّ الذكرى الخامسة والعشرين بعد المئة لإصدار الكتاب قبل أيام قليلة من الاحتفال باليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث الثانية. يستمر النبيل الساحر والقاتل الآتي من ترانسيلفانيا في نشر نفوذه مع صعود الإمبراطوريات وتعاقب الملوك على عروشها. والآن، فلنتزم الصمت ونستمع إلى أبناء الليل والموسيقى التي يصنعونها.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 26 مايو (أيار) 2022

© The Independent

المزيد من سينما