Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حب" فيلم نروجي عن احتضار المجتمع الغربي

دراما سينمائية على عبارة وشخصيات تخشى الارتباط والتناسل في زمن التكنولوجيا

من فيلم "حب" النرويجي (ملف الفيلم)

ملخص

"حب" هو الفيلم الثاني من ثلاثية المخرج النرويجي داغ يوهان هايغيرود وفيه يحاول المخرج انطلاقاً من بلاد باردة وبعيدة، حيث الرفاهية من البديهيات، صوغ مفاهيم جديدة عن العلاقتين الغرامية والجنسية.

خلال عام 2019، جاءنا المخرج النرويجي داغ يوهان هايغيرود بتحفة "طفل" أو "بارن" باللغة النرويجية التي يتحدثها 6 ملايين نسمة. لا أفوت مناسبة للحديث عن هذه الرائعة السينمائية التي تروي بإيقاع بطيء ومتمهل الشرخ الذي يحدثه مقتل طفل على يد طفلة من طريق الخطأ في إطار المدرسة. هل كانت الحادثة متعمدة؟ أهي جريمة موصوفة؟ يقود الفيلم تحقيقاً مطولاً حاملاً الأسئلة إلى أبعد حد لها، ولكن كما يمكن أن نتخيل في فيلم تحدث فصوله وتفاصيله من بلد إسكندنافي فلن يكون الهدف من التحقيق كشف الملابسات، بل يغدو مناسبة للحفر في أرضية ليظهر ما كان مستوراً حتى الأمس القريب. 

ومنذ ذلك الحين خاض هذا المخرج تجربة إنجاز ثلاثية، ثلاثة أفلام تتمحور إلى حد ما في شأن واحد ووحيد، على غرار ما فعله المخرج النمسوي أولريش سايدل مع "جنة" الذي جال على المهرجانات الثلاثة، "كان" و"برلين" و"البندقية"، مما يبدو أن زميله النرويجي يسعى إليه إذ عرض حتى الآن جزءين من ثلاثيته هذه في "برلين" و"البندقية"، ومن المرجح أنه يتطلع إلى مهرجان "كان" لعرض الجزء الثالث. وما شاهدناه الشهر الماضي في الدورة الأخيرة من مهرجان "البندقية" السينمائي هو الجزء الثاني "حب"، من هذه الثلاثية التي بدأها مع "جنس" وسيواصلها مع الجزء الثالث "أحلام". ثلاثة مفردات تبدو متقاربة بعضها من بعض، وتنسجم بعضاً مع بعض، واللافت أنها قد تجتمع تحت سقف واحد.

وينطلق الفيلم من مواقف بسيطة تتحول تدريجاً إلى دراما كلقاء على عبارة بين ماريان (أندريا هوفيغ) وتور (تايو جاكوبسن) اللذين يعملان في مجال الرعاية الصحية. هي اختصاصية مسالك بولية، وهو ممرض. وهذا اللقاء الذي يبدو عابراً يفتح عيني ماريان على بعض الأمور التي كانت في داخلها ولكن لا تعلم بوجودها. وهكذا يضرب المخرج بقدمه وكر دبابير صانعاً فيلمه من لا شيء. الثرثرة في كثير من الأحيان سيدة الموقف وتتصدر المشهد لتتحول مشهداً بعد مشهد إلى ما يشبه الأحداث. وهي الآمر الناهي في حكمنا على الشخصيات وطريقة نظرنا إليها. ويحاول الفيلم انطلاقاً من بلاد باردة وبعيدة، حيث الرفاهية من البديهيات، صوغ مفاهيم جديدة عن العلاقتين الغرامية والجنسية في ضوء الألفية الثالثة والتكنولوجيا التي تساعد الناس في التعرف على بعضهم بعضاً وعلى إنهاء العلاقة بالسرعة نفسها. لكن الأمور تبقى عند هذا الحد، إذ لا جرأة عند المخرج تسمح له بالقفز فوق هذه الحدود، وإذا أردنا مزيداً فهذا يحتاج إلى إنشاء ورشة عمل جديدة، ويمكن لأي مخرج أن يمضي حياته يتحدث عن العلاقات البشرية، والأمثلة في هذا المجال كثيرة ومتنوعة. 

ويقول داغ يوهان هايغيرود "هذا الفيلم طوباوي من نواح عدة، فهو يدور حول محاولة تحقيق التقارب الجنسي والعقلي مع الآخرين من دون الامتثال بالضرورة للمعايير والأعراف المجتمعية التي تحكم العلاقات. وأعتقد أن الخيال يلعب دوراً حاسماً في تصور عوالم ممكنة وعقليات بديلة، فهو يسمح للناس بالتعبير عن أنفسهم والتصرف بطرق غالباً ما تكون غير اعتيادية، وهذا بمثابة مصدر إلهام للتفكير بصورة مختلفة في الحياة الواقعية. وكان هدفي الأساس من خلال الثلاثية إيصال فكرة أن من الممكن تصور طرق جديدة للتفكير والتصرف". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد يبدو هذا الكلام في واد والفيلم في واد آخر، فالعين الخارجية على عمل فني لا تنسجم دائماً مع نظرة صانعه. ولكن قبل هذا كله الفيلم في نظري يحمل شيئاً من فكرة احتضار المجتمع الغربي. في الأقل، هكذا تلقيته. فواحدة من الشخصيات مثلية الجنس والأخرى تنبذ العلاقات والإنجاب، وشخص ثالث مريض مصاب بسرطان يضع علاجه حداً لنشاطه الجنسي، وشخصية رابعة دليلة سياحية تلف المدينة وترى في معالمها رمزيات جنسية ولديها رغبة في التعرف على شريك، لكنها تتعامل بطريقة نقيضة لأفكارها عندما تطرحها في العلن. 

لا أحد من هؤلاء يريد الارتباط والتناسل بل يخشاه بقوة. وهذا كله يبدو خفيف الظل نبتسم حياله من وقت إلى آخر، فكلنا نتوق للتجارب الحميمية في النهاية. لكن هناك أمراً "أخطر" في عمق المضمون يحاول تناول المواضيع من دون أن يتناوله فعلاً. لكن تراكم المشاهد يفضي إلى استنتاجات والفيلم يسمح بها ويشجعها من دون أية خشية من سوء الفهم. ويصور المخرج هذا كله بهدوء وتكرار عبر اللجوء إلى موتيفات بصرية يمكن النظر إليها باعتبارها استعارة لوضع الشخصيات ومأزقها. فالعبارة مثلاً عندما ترسو تصبح كأنها قلوب الشخصيات التي تبحث عن مرفأ تشد إليه مرساتها. أما أوسلو فهي شخصية في ذاتها حضن دافئ داخل الجليد المكاني والعاطفي. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما