أنهت الحكومة المغربية الإطار التشريعي للاستعمالات المشروعة لنبتة "القنب الهندي" (الكيف)، وذلك بدخول ستة قرارات جديدة حيز التنفيذ، الخميس الماضي، بنشرها في الجريدة الرسمية (وهي نشرة حكومية تدرج فيها القوانين والنصوص التنظيمية والقرارات والوثائق الرسمية).
وتأتي القرارات الستة التي دخلت حيز التنفيذ رسمياً في سياق القانون المؤطر رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المقننة لنبتة القنب الهندي، الذي سبق لمجلس النواب المغربي الموافقة عليه عام 2021، ويهدف لـ"تجاوز مجموعة من الآثار السلبية التي تخلفها زراعة النبتة واستعمالاتها غير المشروعة".
ويعد المغرب أول دولة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، تسير في اتجاه تقنين الاستعمالات المختلفة لنبتة القنب الهندي، مستأنساً بتجارب بلدان أخرى.
وتتوزع مواقف المغاربة بين مؤيد لخطوة تقنين زراعة القنب الهندي، لأن التقنين يتيح استعمال هذه النبتة المخدرة في استعمالات طبية بالأساس، كما قد يجلب استثمارات عالمية إلى البلاد، وبين رافض لهذا القرار بدعوى أن التقنين قد يفضي إلى توسيع مجالات الاتجار بالقنب الهندي.
ترسانة قانونية جديدة
ودخلت 6 قرارات قانونية بخصوص الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي حيز التنفيذ، لتستكمل الترسانة التشريعية الخاصة بهذا المجال، أولها قرار بتحديد كيفيات تسليم رخص ممارسة الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي.
والقرار الثاني المنشور حديثاً في الجريدة الرسمية بالمغرب، يتعلق بتحديد نماذج عقد بيع محاصيل القنب الهندي ومحضر التسليم، ومحاضر الإتلاف الخاصة بفوائض إنتاجه، وكذلك بذوره وشتائله ونباتاته ومحاصيله.
والقرار الثالث، وفق المصدر ذاته، يرتبط بتحديد شروط وكيفيات اعتماد بذور القنب الهندي وشتائله من جانب الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، فيما يتعلق القرار الرابع بتحديد نماذج السجلات وكيفيات مسكها من الوكالة، ومن لدن أصحاب رخص ممارسة الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي.
القرار الخامس، ضمن الترسانة القانونية عينها، يتعلق بتحديد نسب مادة "رباعي هيدروکانابینول" المنصوص عليها في المادتين 6 و17 من القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.
أما القرار السادس فيعود إلى وزير الداخلية المغربي المتعلق بتحديد كيفيات التصريح بالأضرار والخسائر التي يمكن أن تتعرض لها محاصيل القنب الهندي.
الترسانة القانونية التي بموجبها سيرخص لزراعة القنب الهندي واستعماله في مجالات معينة، تنص أيضاً على تحديد المناطق التي يجوز فيها الترخيص، وتحديداً أقاليم (محافظات) الحسيمة وشفشاون وتاونات، مع إمكانية إضافة محافظات أخرى حسب إقبال المستثمرين المحليين والدوليين على الأنشطة المرتبطة بسلسلة إنتاج القنب الهندي.
استثمار وصحة
ويرى المؤيدون لقانون الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي أنه مجال اقتصادي واستثماري قد يستقطب الأموال والاستثمارات الوطنية والدولية، بالنظر إلى أنه قطاع خصب وواعد عالمياً.
وتفيد مذكرة مشروع قانون القنب الهندي بأن "المغرب سيستفيد من استثمار الفرص التي تتيحها السوق العالمية للقنب الهندي المشروع، نظراً إلى مؤهلاته البشرية والبيئية".
القائمون على هذا القرار يرون أيضاً أن تقنين زراعة القنب الهندي يهدف بالأساس لمحاربة الفوضى التي كانت تعتري هذه الزراعة، كما أنه يتيح تحسين دخل المزارعين الذين سيشتغلون في ضوء القانون، بعيداً من المخاطر القانونية، كما يحميهم من شبكات التهريب الدولي للمخدرات".
الجمعية المغربية الاستشارية لاستعمالات القنب الهندي، على لسان رئيسها رضوان ربيع، اهتمت بفوائد استخدام القنب الهندي من الناحية الطبية، من خلال تمكينه لعلاجات عدة مثبتة علمياً.
وقال رضوان، في تصريحات صحافية، إنه يمكن استعمال القنب الهندي في علاج مرض "باركنسون"، وهو اضطراب يصيب الجهاز العصبي ويؤثر على الحركة، ومرض "الصرع" الذي يصيب الجهاز العصبي المركزي، علاوة على علاج بعض أصناف مرض السرطان.
تحفظات مشروعة
من جهته، يرى منير أكزناي، عضو مسؤول في جمعية أمازيغ صنهاجة الريف، المتابعة لهذا الملف بالنظر إلى وجودها الجغرافي ضمن مناطق زراعة النبتة، أن القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، إضافة إلى القوانين التنظيمية الستة التي صدرت بالجريدة الرسمية، تُعد خطوة إيجابية في الطريق الصحيح".
ويشرح أكزناي، في حديث مع "اندبندنت عربية" بالقول، "لا نملك كأبناء مناطق زراعة الكيف سوى تثمين هذه القوانين"، مضيفاً أن "الاستثمار في القنب الهندي سيتجاوز الفلاح البسيط نظراً إلى تكوينه الضعيف وانحداره من مناطق تنخرها الأمية والهشاشة".
وزاد الفاعل الجمعوي بأن "هذا ما يجب الانتباه له وتداركه بحملات تحسيسية ودورات تكوينية ولقاءات، حتى لا يكون مدخلاً يمكن استغلاله من أي طرف كان، وحتى لا يتحول الفلاح - الذي يعتبر الحلقة الأضعف - من رحمة (بارونات المخدرات المستفيدين رقم واحد من زراعة الكيف) إلى رحمة الشركات الرأسمالية المستثمرة في القنب، والتي تنظر إلى موضوع التقنين بمنطق الربح والخسارة، لا بمنطق الدولة التي ترى فيه مشروعاً وبديلاً اقتصادياً".
وسجل الناشط ذاته أن المشكل الرئيس لن يكون في الترسانة القانونية والقوانين التنظيمية للاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، التي قد تكون متكاملة إلى حد ما، بقدر ما قد يكون الإشكال في تنزيل هذه القوانين على الأرض، على حد تعبيره.
مطالب أبناء مناطق "الكيف"
ويكمل أكزناي حديثه بأن الحق القانوني لبعض المناطق في زراعة الكيف، والتي حددها القانون 13.21 في أقاليم الحسيمة وشفشاون وتاونات، أصبح مرهوناً حسب القانون التنظيمي بالحصول على ترخيص من الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي.
واسترسل، "هذا الترخيص يحتاج إلى شهادة ملكية القطعة الأرضية، مع العلم بأن هناك صعوبات تعتري عملية تمليك الأراضي في هذه المناطق، كما أن القانون التنظيمي لم يحدد أي ثمن، ورمى الكرة إلى ملعب البائع والمشتري، ما يعني أن أي ثمن غير مشجع للفلاح قد ينذر بفشل المشروع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويستطرد الفاعل المدني بأنه "إذا كانت الدولة تنظر إلى موضوع تقنين القنب الهندي من جانبه الاقتصادي والشركات من جانبه الربحي، فإن أبناء مناطق زراعة "الكيف" يرونه من جانبه السوسيو اقتصادي والتنموي، لأن الذي يهم أكثر هو الفلاح والمنطقة، وكذلك التنزيل السليم والبسيط للقانون بما يخدم الطرفين.
وشدد أكزناي على أن "المطلوب هو تخصيص بعض عائدات القنب الهندي لفك العزلة وتنمية المنطقة وتقوية بنيتها التحتية والصحية والثقافية، وكذلك توطين بعض المصانع في مناطق الزراعة، حتى تستفيد الساكنة من فرص الشغل".
وذهب المتحدث إلى ضرورة أعمال مبدأ التمييز الإيجابي لصالح أبناء مزارعي "الكيف" بتخصيص نسبة من فرص الشغل في هذه الشركات والمصانع لهم، ما قد يشجع الفلاحين على الامتناع عن مزاولة أي زراعة موازية أو خلق أي اقتصاد مُوازٍ للاقتصاد المشروع".