عمّقت العملة الإيرانية من خسائرها مقابل الدولار، ليشهد الريال الإيراني أكبر عملية سقوط منذ عام 1979 مقابل الورقة الأميركية الخضراء.
وخلال التعاملات الأخيرة، سجل الدولار الأميركي مستوى 332 ألف ليرة. وذكرت مواقع أخبارية معنية بتداول العملات الأجنبية في السوق المفتوحة، إن سعر صرف الدولار في السوق الإيرانية المفتوحة ارتفع مجدداً في تعاملات الأحد بمقدار 45 ألف ريال، ليصل إلى 332 ألف ريال أمام الدولار.
وهذا هو اليوم الثالث على التوالي الذي يقفز فيه الدولار، ويسجل رقماً قياسياً جديداً. ووفق الإحصاء الذي أعدته "اندبندنت عربية"، فقد فقدت العملة الإيرانية نحو 27.7 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام الحالي، ليربح الدولار الواحد نحو 72 ألف ليرة، إذ قفز سعر صرف الورقة الأميركية من مستوى 260 ألف ليرة في بداية العام إلى نحو 332 ألف ليرة في الوقت الحالي.
السلطات تغلق شركات صرافة
ووفق موقع "اقتصاد نيوز" الإيراني، فإن وتيرة خفض قيمة الريال تتسارع منذ توقف المحادثات النووية في مارس (آذار) الماضي، بين إيران والقوى الدولية"، مضيفاً أن "قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي جرى اتخاذه، الأربعاء الماضي، ضد إيران أثر في سعر الدولار وانهيار العملة الإيرانية".
وأشارت بعض الصحف الإيرانية، في وقت سابق، إلى ارتفاع سعر الدولار وبقية العملات على خلفية دعوات من قبل نواب في البرلمان بانسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما تردد في الفضاء الإلكتروني بعد اجتماع مجمع تشخيص مصلحة النظام الليلة الماضية.
وفي سياق متصل، ذكر موقع "التجارة نيوز" أن "سوق الذهب ارتفع أيضاً على خلفية انهيار العملة الإيرانية". وأعلنت السلطات الأمنية في طهران، إغلاق عدد من حسابات مراكز الصيرفة واعتقال قرابة 31 شخصاً بتهمة إحداث اضطراب في سوق الصرف الأجنبي.
وفي غضون ذلك، قال إبراهيم محمدولي، رئيس اتحاد بيع المجوهرات، لوكالة أنباء "إيرنا"، إن الناس في هذه الأيام يبحثون عن الذهب المذاب والعملات المعدنية للحفاظ على قيمة أموالهم. وأشار إلى أن "الاستقرار لا يصل إلى سوق الذهب إلا إذا كان هناك استقرار في سوق الصرف الأجنبي".
موجة غلاء غير مسبوقة
وفي حين زعم محافظ البنك المركزي الإيراني، علي صالح آبادي، أن احتياطيات البنك من النقد الأجنبي في "ارتفاع تاريخي"، من دون أن يوضح سبب التراجع الكبير لقيمة الريال وانهياره، مشيراً إلى أن "المعروض من العملة الأجنبية (الدولار) في السوق سيزداد"، لكن الإنفاق على دعم الريال المنهار مقابل الدولار الأميركي تسبب في تآكل احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي. كما تسبب انهيار العملة في موجات متتالية من ارتفاعات الأسعار، ما عزز من حركة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد خلال الفترة الحالية.
وتشهد إيران موجة غلاء غير مسبوقة منذ بداية العام الحالي، جراء ارتفاع التضخم، وأسعار السلع والخدمات، وانعدام بعض البضائع مثل الزيوت الغذائية. وأسهم رفع الحكومة الدعم عن سلع أساسية، منها القمح والطحين في إطار سياسة الترشيد، في جنون الأسعار، مما زاد أعباء المعيشة على المواطن الإيراني الذي يعيش منذ أربع سنوات تقريباً تحت وطأة أزمة اقتصادية متفاقمة على خلفية العقوبات الأميركية وسوء الإدارة الاقتصادية في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورفعت الحكومة الإيرانية، الدعم عن القمح والطحين للاستهلاك الصناعي مثل أنواع الخبز الصناعي، لكنها أبقت على الدعم للخبز التقليدي، وهي في طريقها لرفع هذا الدعم عن السلع الأساسية ما عدا بعضها. ورفعت الخطوة أسعار أنواع الخبز الصناعي بنحو 10 أضعاف، فضلاً عن ارتفاع أسعار الأرز والمعكرونة. وبالمجمل فإن معدل ارتفاع أسعار السلع الغذائية خلال الفترة الأخيرة بلغ بين 100 إلى 150 في المئة، وفي بعض الحالات وصل إلى أكثر من ذلك بالمقارنة مع الفترة نفسها خلال العام الماضي.
الثقة في الحكومة تواصل التراجع
أشارت دراسة حديثة أعدها "مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية" إلى تصاعد حدة الاحتجاجات داخل إيران على مدار السنوات الأخيرة، ما يعود إلى أزمة ثقة نابعة من عدم تنفيذ رؤساء الجمهورية المتعاقبين وعودهم المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية.
وارتفع منحنى عدم الثقة عندما قررت الحكومة الحالية تقليص دعم أسعار السلع الأساسية، في إطار تعديل برنامج دفع المعونات الحكومية، وبدأت الخطة برفع الدعم عن أسعار القمح، ما أدى إلى زيادة أسعار سلع تعتمد عليه بنسبة وصلت إلى 300 في المئة. وقد أثار هذا القرار استياء المواطنين، الذين يعانون تردى الأوضاع المعيشية، ونظموا احتجاجات رافضة له بدأت أوائل مايو (أيار) 2022، في عدد من المدن بينها الأحواز وأردبيل ولورستان وخراسان وتشار محال وبختياري.
ويواجه الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسي في تعامله مع تلك الاحتجاجات تحديات عدة، أبرزها ما يتعرض له من انتقادات حتى من داخل تياره الأصولي، لا سيما أن ذلك يتزامن مع تعثر المفاوضات النووية، وتزايد ظاهرة الاختراقات الأمنية.
وتعد الاحتجاجات، التي تشهدها الساحة الإيرانية الآن، الثانية في عهد رئيسي، الذي لم يكمل عاماً على وجوده بمبنى باستور حتى الآن، بعد التظاهرات التي اندلعت أواخر العام الماضي، احتجاجاً على أزمة المياه. وجاءت الاحتجاجات الأخيرة اعتراضاً على قرار الحكومة رفع الدعم عن أسعار السلع الأساسية، في وقت يعاني المواطنون تردي الأوضاع المعيشية. فبخلاف الوعود التي أطلقها رئيسي في خطابه الأول بعد إعلان فوزه في يونيو (حزيران) 2021، والخاصة بتحسين الأوضاع المعيشية باعتبارها أولوية بالنسبة إليه، تفاقمت تلك الأوضاع وازدادت سوءاً، ودخلت إيران أزمة اقتصادية صعبة أدت إلى زيادة معدل التضخم الرسمي ليصل إلى نحو 40 في المئة، ويتجاوز 50 في المئة في بعض التقديرات، فضلاً عن ارتفاع معدل البطالة إلى 10 في المئة، في وقت يعيش نصف سكانها تحت خط الفقر.
وقد اتخذت الحكومة الإيرانية خطوات تنفيذية، بداية مايو 2022، للعمل بخطة خفض الدعم المخصص للسلع الغذائية، في سياق ما يوصف بـ"الدولار الحكومي"، وفقاً للموازنة العامة التي أقر البرلمان الإيراني خطوطها العريضة في يناير (كانون الثاني) الماضي، على الرغم من تحذيرات الخبراء من تداعياتها السلبية على التضخم. كما بدأت الحكومة خطة التخلي عن دعم الدولار المخصص للسلع الغذائية، وكان القمح أول هذه السلع، ما رفع سعر الطحين، إذ وصل سعر الخبز إلى عشرة أضعاف، قبل أن تعلن وزارة الداخلية الإيرانية رسمياً رفع أسعار الألبان وزيت الطهي والبيض والدجاج.
وأرجع الرئيس الإيراني نهج الحكومة في الملف الاقتصادي إلى محاربة الفساد، وكان قد ذكر سابقاً أن "تلك القرارات ربما لا يوافق عليها البعض، لكن لا عيب في إلقاء نظرة انتقادية إلى الأعمال، وستدلنا إلى أفق واضح يواجه اقتصادنا".