شهدت الجزائر خلال الأيام القليلة الماضية نقاشات حول أوضاع الطفل بالتزامن مع إحياء اليوم العالمي ضد عمالة الأطفال الموافق لـ 12 من يونيو (حزيران)، ففي مثل تلك الأيام من كل عام يخرج فريق من الحقوقيين ليندد بوضعية الطفل ومعاناته ظروفاً اقتصادية قاسية تدفع ذويه إلى الزج به في سوق العمل، بينما تقلل الجهات الرسمية من تفشي الظاهرة، في حين يكشف الواقع حقيقة لا يمكن تجاوزها.
تصريحات رسمية يكذبها الواقع
وجاءت تصريحات الحكومة هذه المرة، كما جرت العادة، في سياق التقليل من الانتقادات، إذ أوضح وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يوسف شرفة أنه لم تسجل أي حال تندرج ضمن أسوأ أشكال عمالة الأطفال، وذكر أن الجزائر "تتكفل بالحماية الاجتماعية للفرد وأسرته من خلال الحق في الضمان الاجتماعي للمؤمن عليهم اجتماعياً وضمان مجانية التعليم وإجباريته، وكذا توفير الخدمات العلاجية المجانية وغيرها".
وتحقيقات مفتشية العمل التي تقف وراء هذه الإحصاءات تخص عمالة الأطفال على مستوى المؤسسات الحكومية أو الاقتصاد الرسمي، في حين يشهد القطاع الخاص والموازي أو غير القانوني تفشياً لافتاً لظاهرة عمالة الأطفال لاعتبارات عدة، أهمها الحاجة والعوز بعد تدني القدرة الشرائية وما تبعها من ضغط تسبب في دفع العائلات بأبنائها للعمل أينما وجدوا إليه سبيلاً، وإذا كان القطاع الحكومي يمنع عمالة الأطفال في سياق الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الجزائر، فإن الخواص يجدون في هذه الفئة المكسب الذي يحقق لهم الأرباح، في ظل الامتناع من التصريح بهم ومن ثم تجاوز التأمين الاجتماعي، وكذلك ضعف الأجور في مقابل ارتفاع عدد ساعات العمل، وهو ما أكده الناشط السياسي عبدالكريم باعلي في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، مشدداً على أن أرقام الوزارة عن حجم عمالة الأطفال في الجزائر لا تلقى تصديقاً من المنظمات المهتمة بحقوق الطفل والتي طالما شككت فيها.
أرقام لا تعكس الحقيقة
إلى ذلك، يعتبر رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي مصطفى خياطي أن الوصول إلى تحديد الإحصاءات الحقيقية لعمالة الأطفال في الجزائر يستدعي التنسيق مع المجتمع المدني بمختلف مكوناته، لأن النسبة التي تقدمها وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي سنوياً لا تعكس واقع الظاهرة، منتقداً اللجوء إلى مراقبة القطاع الاقتصادي المنظم في الوقت الذي يشكل فيه الإطار غير المنظم مثل الأسواق الفوضوية والشواطئ والمزارع والورش وحتى التسول، الفضاء الأكثر استقطاباً لتلك الفئة نتيجة عوامل عدة مثل الفقر والتسرب المدرسي.
وعلى الرغم من اعترافه بوجود ترسانة قانونية تمنع تشغيل الأطفال، لكن ذلك لم يفلح في استئصال الظاهرة، ويوضح خياطي أن أخطر ما تفرزه عمالة الأطفال هي تحول شخصيته وميوله نحو العنف والعناد، إذ يؤدي العبء الذي يتحمله نتيجة خروجه إلى سوق العمل في سن باكرة لكسب لقمة العيش، إلى جعله شخصاً قاسياً تغيب عنه ملامح الطفولة وبراءتها.
من جهتها، كشفت رئيسة الهيئة الوطنية لحماية وترقية الطفولة مريم شرفي عن وجود استغلال للأطفال من بعض التجار والمتعاملين الاقتصاديين، وقالت إن الهيئة التي تشرف عليها "تتلقى يومياً عبر رقمها الأخضر إخطارات عن ثلاث إلى أربع حالات استغلال اقتصادي"، مشيرة إلى أن القانون الجزائري يشدد العقوبات على كل شخص مسؤول عن الاستغلال الاقتصادي للطفل بحسب المادة (139) التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية كل من يستغل الطفل اقتصادياً، وتتضاعف العقوبة عندما يكون الفاعل أحد أصول الطفل أو المسؤول عن رعايته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت شرفي إلى أن حماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي مسؤولية المجتمع وتقتضي تضافر الجهود، بخاصة أن بعض الحالات يمكن أن تحدث في أماكن بعيدة من الأنظار، مثل أعمال التنظيف في البيوت أو في السوق الموازية، داعية إلى إسهام المواطن في عمليات التبليغ الذي يعد وسيلة ضرورية في مجال المكافحة، إذ يسمح بالتدخل في الوقت المناسب لحماية هذه الشريحة من الأخطار التي تنتج من هذا الاستغلال.
نسب متفاوتة و"يونيسف" تنوه بالتقدم
الشبكة المدنية الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل (ندى) التي تجري دراسات ميدانية دورية تهتم بظواهر لها علاقة بالطفل، أبرزت أن 13.2 في المئة من الأطفال العاملين في الجزائر تتراوح أعمارهم بين ست و10 سنوات، فيما تبلغ نسبة من تتراوح أعمارهم بين الـ 11 إلى 14 سنة 31.2 في المئة، وترتفع إلى 55.6 في المئة لدى الأطفال بين الـ 15 والـ 18 سنة، مشيرة إلى أن 77 في المئة من الأطفال العاملين من الذكور.
لكن ممثلة مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بالجزائر صورية حسان، نوهت بـ "التقدم والإنجازات التي حققتها الجزائر في مجال حماية الطفولة من أجل ضمان حق الأطفال من الاستفادة بتعليم نوعي وحماية اجتماعية وصحية"، وأشارت إلى "التزام الجزائر بتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول العام 2030، لا سيما ما يتعلق بإنهاء عمالة الأطفال بجميع أشكالها بحلول العام 2025 والقضاء على العمل القسري".