قد يبدو الأمر مثيراً أو غريباً بعض الشيء لكنه واقع ملموس، ففي خضم فورة وسائل الاتصال الحديثة التي دفعت كثيرين إلى امتلاك هواتف محمولة تنتمي إلى آخر "صيحات الموضة"، هناك في المغرب من يرفض اقتناء وحيازة هاتف نقال لاعتبارات ذاتية وقناعات فكرية وشخصية وسلوكية أيضاً، ومنهم أدباء وكتاب ومبدعون.
وإذا كان كثيرون يجتهدون للحصول على رخصة سياقة لقيادة السيارة فإن هناك مشاهير مغاربة من فنانين وإعلاميين يترفعون عن الحصول على رخص سياقة لأسباب ودوافع مختلفة.
أدباء بلا هواتف جوالة
"اندبندنت عربية" نبشت في قائمة كتاب ومثقفين مغاربة يرفضون حيازة وامتلاك هواتف محمولة، فوجدت أسماء من العيار الثقيل في مجال الأدب والفكر، ومنهم على سبيل المثال الكاتب والناقد المعروف عبدالفتاح كيليطو الذي كان لديه موقف يرفض امتلاك هاتف محمول طوال سنوات، قبل أن يخضع أخيراً لجاذبية هذا الجهاز الصغير ويقتنيه للتواصل والتخاطب.
ومن الأدباء الآخرين الكاتب الشهير أحمد بوزفور الذي كان حريصاً على التبرؤ من إغراء الهاتف النقال، ويفخر بعدم حيازة هذا الممنوع في جيبه، ويرى أن ذلك بطولة حقيقية في زمن الثورة التكنولوجية، قبل أن يفهم أخيراً أنه لا يمكنه التنقل من دون نقال.
ويتربع على رأس الرافضين امتلاك هاتف نقال حتى اليوم الشاعر سعد سرحان الذي يعترف بخصومته مع هذا الجهاز لتفضيله الصمت على الصخب، ولنمط عيشه الشخصي الذي يجنح نحو الزهد في العلاقات.
في المقابل، يرى بعضهم أن رفض امتلاك هاتف محمول أشبه بمن يترك امتطاء قطار سريع ليعتلي عوضه ظهر جمل يقطع به مسافات شاسعة بين مراكش وطنجة على سبيل المثال، ووفق أصحاب هذا المنطق فإن التكنولوجيا الحديثة أعطت للإنسان أشياء كثيرة يتعين تجريبها والاستفادة منها، كما يجب أن يعيش الإنسان زمانه كما هو لا أن ينعزل عن محيطه برفض امتلاك هاتف محمول.
زهد في العلاقات
يقول الشاعر سعد سرحان، إن الهاتف المحمول "يبقى الثمرة السحرية التي أسفرت عنها ثورة الاتصالات، تلك التي ما إن سرت عناصرها في أوصال الحياة حتى صارت بجسد يضاهي روحها خفة، فلا الزمن عندها الزمن ولا المسافات أمامها المسافات".
ويتابع سرحان، "مع ظهور الهاتف المحمول بات العالم أكثر صخباً، وهو صخب مرشح للتفاقم مع توالي أجيال الهواتف والناس وتنافس الشركات في مضاعفة اختياراتها وتزويدها بما لا يتصور من تطبيقات لتستتب الحاجة إليها مرة وإلى الأبد".
وزاد الشاعر، "هكذا صار يتعين على المرء أن يسأل صاحبه لا عن الصحة والأحوال، وإنما أيضاً عن عافية محموله، إذ قد تكلف العلة في هذا الجهاز أضعاف ما يكلف السقم في الجسد والولد".
ويوضح سرحان، "لم يسبق لي أن اتخذت هاتفاً محمولاً، لا من باب العزوف بل انسجاماً مع حياتي اليومية شبه المقفرة التي لا تقتضيه". مردفاً، "زهدي في العلاقات، وهو فطري غير مكتسب، يجعلني أقل عرضة للكلام والأحرى للمكالمات".
هاتف البيت يفي بالغرض
يكمل الشاعر المغربي، "في البيت لدي هاتف مزمن يفي بالغرض، صحيح أنه قلما يرن لكنه يضمن لي الاطمئنان اليومي على الوالدين وصلة الرحم من بعد في الأعياد، والسؤال عمن تبقى من الأصدقاء وسوى ذلك مما ليس من بد".
ولفت سرحان إلى أن "من المستغرب عدم امتلاك المرء هاتفاً محمولاً، مع أنه لا أحد يستغرب اتخاذ غيره دستة من الهواتف، وفي ذلك انتصار صارخ للصخب على الصمت" على حد تعبيره. وخلص سرحان بالقول، "تخفيفاً لوقع هذا الانتصار غير المستحق يمكن استحضار أن ألكسندر غراهام بل صاحب براءة اختراع الهاتف سنة 1876 رفض أن يكون له واحد في مكتبه حتى لا يشوش على عمله الحقيقي كعالم".
من دون رخص سياقة
من جانب آخر، يوجد مشاهير من ممثلين وفنانين وإعلاميين وكتاب لا يملكون رخصة لسياقة السيارة، ومن بينهم على سبيل المثال الممثل الكوميدي عزيز داداس الذي اعترف بأنه لا يعرف قيادة السيارة.
ومن الفنانين الآخرين الذين يخاصمون رخصة السياقة الفنان المعروف محمد الجم الذي يشاهد دائماً وهو يستقل وسائل النقل من حافلة أو سيارة أجرة أو سيارة صديق في تنقلاته الخاصة أو المهنية والفنية، والطريف أن الجم الذي لا يحوز رخصة سياقة لأسباب "ذاتية" لم يجد مانعاً في تقديم حملات تلفزة توعوية عن أخطار الطريق ومشكلات القيادة السريعة للسيارة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعلق الناقد فؤاد زويريق على الموضوع بالقول "إن الأمر يبقى طبيعياً على الرغم من طابعه المستغرب، فهذا الممثل أو المثقف أو الصحافي إنسان يخضع للطبيعة البشرية وقدرتها على تشكيل شخصية كل فرد على حدة". ويشرح زويريق لـ "اندبندنت عربية" أن "عدم امتلاك رخصة السياقة قد يعود لأسباب عدة، من بينها الخوف والتوتر من فعل السياقة أو عدم القدرة على اجتياز امتحانها، فكونه مشهوراً لا يعفيه من الرسوب في الامتحان، مثله مثل أي شخص آخر، كما قد يكون السبب أيضاً عدم حاجته إلى سيارة، فالمواصلات العمومية تكفيه، ومثل هذه النماذج توجد في أوربا وأميركا بالخصوص".
أسباب شخصية
ويزيد الناقد المقيم في هولندا، "توجد أسباب شخصية أيضاً تتعلق بأفكار ومبادئ الشخص نفسه، فهناك من يسعى إلى الإسهام في حماية البيئة بكل الوسائل، وهناك مشاهير في الغرب يمثلون هذا التوجه وقد تخلوا عن سياراتهم ولا يستعملون سوى الدراجات العادية".
ولفت زويريق إلى أن "هناك أيضاً من يرى في السيارة بذخاً لا يتناسب مع أفكاره وخطاباته التي تدعو إلى التقشف كأسلوب حياة مثلاً، وهناك من لا يهتم أصلاً برخصة السياقة ولا السيارة كونها آخر اهتماماته".
وتابع أن "هناك مبدعين يقتنصون من الحياة العادية الواقعية الشعبية صوراً تفيدهم في إبداعاتهم، فهؤلاء يحبون الاختلاط بالناس في كل حالاتهم، لذا تجدهم من دون سيارات كونها تشكل بحسب رأيهم جداراً يعزلهم عن المجتمع والناس".