في الوقت الذي تدرس فيه واشنطن إعادة فرض عقوبات على تركيا، بسبب مشتريات الأسلحة الروسية وإصرارها على شراء منظومة صواريخ "إس- 400" الدفاعية الروسية، يتّجه اقتصاد أنقرة إلى مزيد من الخسائر، بخاصة مع اتّجاه الليرة إلى مستويات متدنية جديدة إضافة إلى ارتفاع معدلات التضخم وتفاقم أزمة الديون الداخلية والخارجية.
وبخلاف اتّجاه واشنطن إلى إعادة ملف فرض عقوبات على تركيا، أعلنت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، أنها خفضت التصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى درجة عالية المخاطر. وذكرت أن خطر حدوث أزمة في ميزان المدفوعات يواصل الارتفاع ومعه مخاطر لعجز الحكومة عن السداد.
وأعلنت الوكالة خفض التصنيف الائتماني لتركيا إلى "بي 1"، نزولاً من "بي إيه 3"، وأبقت الوكالة على نظرة مستقبلية سلبية للاقتصاد التركي.
كيف ردّت الحكومة التركية؟
وبخلاف الضغوط والاتهامات الداخلية التي تواجهها تركيا، وبنفس الطريقة التي تردّ بها على المعارضين لنظام الرئيس "أردوغان" وفق "نظرية المؤامرة"، فإنها وبنفس الطريقة ردّت على التقرير الأخير لوكالة "موديز"، حيث أعلنت الحكومة التركية تعليقاً على خفض موديز التصنيف الائتماني لها بأنه "لا يتوافق مع المؤشرات الاقتصادية".
وقالت وزارة المالية التركية إن خفض وكالة "موديز" تصنيفات تركيا السيادية إلى درجة عالية المخاطر لا يتطابق مع المؤشرات الاقتصادية للبلاد.
وأوضحت الوزارة أن خفض وكالة "موديز" التصنيف الائتماني إلى "بي 1" من "بي إيه 3"، لا يتوافق مع المؤشرات الأساسية للاقتصاد التركي، وبالتالي فإنه "يثير علامات استفهام حول موضوعية وحيادية تحليلات تلك المؤسسة".
واشنطن تدرس فرض عقوبات على أنقرة
وذكر تقرير حديث لوكالة "بلومبرغ" أن الإدارة الأميركية تجري حالياً مناقشات حول حزمة من العقوبات هي الأشد على الإطلاق على تركيا في الوقت الحالي، وتجري هذه المناقشات بين المسؤولين في وزارة الخزانة الأميركية ومجلس الأمن الوطني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكرت الوكالة أن تلك العقوبات ستأتي إضافة إلى تعهدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب على مدار أشهر بوقف مبيعات طائرات "إف 35" إلى تركيا حال إبقاء الرئيس رجب طيب أردوغان على تعهداته بشأن شراء نظام الأسلحة الروسي.
وأشارت إلى أن أكثر المقترحات التي لاقت الدعم حتى الآن هو استهداف شركات عديدة في قطاع الدفاع التركي الرئيس عبر قانون "مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات"، والذي يستهدف المؤسسات التي تنفّذ أعمالا مع روسيا.
وبموجب تلك العقوبات فإنه سيصبح شبه مستحيل بالنسبة إلى تلك الشركات التركية تنفيذ عمليات شراء للمكونات الأميركية أو ترويج منتجاتهم في الولايات المتحدة.
الليرة تهبط إلى مستويات متدنية جديدة
في سوق الصرف، واصلت الليرة التركية تراجعها أمام الدولار الأميركي الذي سجل نحو 5.9171 ليرة تركية.
وبحسب "د.ب.أ"، فقدت الليرة التركية أكثر من ثلث قيمتها في أعقاب أزمتها مع الولايات المتحدة بسبب احتجاز قس أميركي العام الماضي، وفي إطار التصعيد بين الجانبين، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب قراراً بفرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات بلاده من الصلب التركي.
وظهرت آثار ذلك سريعاً على الاقتصاد التركي، تمثلت في الانهيار اللافت في سعر الليرة التركية أمام الدولار، فبعد يوم واحد من قرار الرئيس الأميركي برفع الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الأميركية من الصلب والألومنيوم من تركيا، سجّل سعر الليرة تراجعاً واضحاً بلغ قرابة 19%.
وتعتبر تركيا واحدة من أكبر مصدري الصلب في العالم؛ حيث بلغت قيمة صادراتها من الصلب العام الماضي 11.5 مليار دولار، أي ما يعادل 7.3% من إجمالي الصادرات التركية البالغ قيمتها 157 مليار دولار، وجاءت الولايات المتحدة في مقدمة الدول المستوردة للصلب والألومنيوم التركي، بقيمة 1.1 مليار دولار.
"المركزي التركي" يوقف التعامل بـ"الريبو"
وفي خطوة غير متوقعة، أعلن البنك المركزي التركي تعليق اتفاقيات إعادة الشراء "الريبو"، لفترة غير محددة، مع رصد التطورات في الأسواق المالية، الأمر الذي سيؤدي إلى شحّ العملة الأجنبية في السوق المحلية، وارتفاعها مقابل الليرة في السوق المحلية، وهو ما حدث فعلياً وتراجعت العملة التركية بنسبة 4% أمام العملة الأميركية، ليرتفع الدولار إلى 5.6865 ليرة.
وإلى جانب تأثير قرار تعليق العمل بـ"الريبو"، جاء تعهّد الرئيس أردوغان بالمضي قدماً في شراء أنظمة صواريخ الدفاع الروسية "إس 400" ليزيد من معاناة الليرة، حيث أن هذا الموقف من شأنه دفع الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على تركيا من جديد.
ومن بين الأسباب الأخرى، التي أدت إلى استمرار نزيف الليرة، ذلك القرار غير المدروس، الذي أصدرته حكومة أردوغان، أخيرا، بزيادة الضريبة على فوائد الودائع بالعملات الأجنبية إلى 20%، الأمر الذي يدفع المودعين إلى العزوف عن وضع مدخراتهم بالدولار في البنوك، ومن ثم تفاقم الأزمة.
نقص حاد بموارد النقد الأجنبي
وتعاني تركيا منذ العام الماضي من أزمة مالية شديدة، بسبب نقص موارد النقد الأجنبي، ما أدى إلى تراجع حاد في سعر الليرة التركية أمام الدولار ودفع السلطات المالية والنقدية في البلاد إلى اتّخاذ الكثير من الإجراءات الرامية إلى تشجيع الناس على تحويل مدخراتهم بالعملة الأجنبية إلى العملة المحلية.
وتوقع تقرير "موديز" زيادة تعرّض تركيا للمخاطر الخارجية، بسبب احتياجات الحكومة المتزايدة للتمويل الخارجي من جهة، وارتفاع عجز الحساب الجاري من جهة أخرى. وأظهر رصيد الحساب الجاري التركي عجزاً بلغ 813 مليون دولار في يناير (كانون الثاني) الماضي، في ظل ارتفاع تكلفة الواردات بسبب انهيار العملة وضعف الطلب المحلي.
وتوقعت الوكالة أن يكون للتدهور الحاد في الطلب المحلي وظروف التمويل، تأثير جوهري على آفاق النمو في تركيا. وكانت الوكالة قد خفضت التصنيف الائتماني السيادي لتركيا إلى "بي إيه 3" مع نظرة مستقبلية سلبية في أغسطس (آب) الماضي.
هل تهدد الانهيارات الاقتصادية استمرار أردوغان؟
وتطرق تقرير "بلومبرغ" إلى أن المخاطر والانهيارات الاقتصادية التي تواجهها تركيا في الفترات الأخيرة تهدّد استمرار تفوق الرئيس التركي رجب أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" الحاكم في أي انتخباات تشهدها البلاد خصوصا بعد الأحداث التي شهدتها انتخابات إسطنبول وخسائرة حزب أردوغان لها.
وذكرت أن الاقتصاد التركي، ومنذ أغسطس (آب) الماضي، يشهد موجة انهيار كبيرة في أسواق الصرف أثرت بشكل سلبي على سعر الليرة التركية مقابل الدولار، وأثرت أزمة أسواق الصرف في تركيا على مختلف القطاعات الاقتصادية، إذ صعدت نسب التضخم خلال الشهور الماضية إلى أعلى مستوياتها في 15 عاما، وهربت استثمارات أجنبية ومحلية، وتراجعت وفرة النقد الأجنبي في السوق المحلية.
مخاطر وتهديدات خارجية
وربما ليست الأزمات الداخلية وحدها التي تواجه تركيا، حيث تطرق تقرير البنك الدولي "الآفاق الاقتصادية العالمية... اشتداد التوترات وضعف الاستثمار"، إلى تراجع نمو الاقتصاد العالمي مُسجَّلا أدنى وتيرة له في ثلاثة أعوام، وهو في طريقه الآن إلى الاستقرار، لكن زخم التحسُّن الذي تحقق هش وعرضة لمخاطر كبيرة، وهو ما يضيف مخاطر وتحديات جديدة للأسواق الناشئة.
وذكر أن التجارة والاستثمار الدوليين أضعف مما كان متوقعاً في بداية العام الحالي، وكان النشاط الاقتصادي في الاقتصادات المتقدمة الرئيسة، وبخاصة منطقة اليورو وبعض الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الكبرى، أكثر ليونة مما كان متوقعاً في السابق.
وأوضح أن اشتداد التوترات وضعف الاستثمار" الذي يتوقع أن ينتعش معدل النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية العام القادم مع انحسار الاضطرابات وحالة عدم اليقين التي أصابت عددا من البلدان أواخر العام الماضي وهذا العام. مشيراً إلى تصاعد المنازعات التجارية بين أكبر اقتصادات العالم، أو تجدد فوضى أسواق المال في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية، أو تراجع مفاجئ لوتيرة النمو الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى عما تشير إليه التوقعات الحالية.
واضعو السياسات الاقتصادية يواجهون هذه التحديات
وذكر تقرير البنك الدولي أن واضعي السياسات الاقتصادية ومواطنوهم يواجهون العديد من القضايا الحرجة التي تعوق الحفاظ على زخم التحسُّن في هذه البيئة الهشة. لافتاً إلى الارتفاع الأخير في مستويات الديون يزيد من إلحاح الحاجة إلى اختيار المشروعات بعناية لتحقق أكبر منفعة ممكنة، وتحسين إدارة الديون، وزيادة الوضوح بشأن القروض. مع ضعف الاستثمار في اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية يثير القلق بشأن كيف يمكن لهذه الاقتصادات أن تلبي الاحتياجات الاستثمارية الواسعة اللازمة لتحقيق الأهداف الإنمائية.
وأيضاً تركُّز الفقر في البلدان منخفضة الدخل يثير أسئلة بشأن تذليل العقبات في طريق تسريع وتيرة النمو في تلك الاقتصادات. إضافة إلى خطر تجدد فوضى أسواق المال يُذكِّر بأهمية أن تتحلَّى البنوك المركزية وأُطُر السياسة النقدية بالمرونة التي تكفل الحد من الآثار الانتقالية لتخفيض قيمة العملات على التضخم.