اعتبر محللون ومتخصصون قرار لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري بتثبيت أسعار الفائدة الخيار الأفضل في الوقت الحالي، بدلاً من دفع الأسواق المحلية إلى مرحلة الغليان في ظل معاناة الاقتصاد المحلي، وأعلنت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري الإبقاء على أسعار الفائدة للإيداع والإقراض، وسعر العملية الرئيسة عند المستويات الحالية من دون تغيير، لتظل عند 11.25 و12.25 و11.75 في المئة، على التوالي.
وقال البنك المركزي، في بيان، إن النشاط الاقتصادي العالمي اتسم بالتباطؤ نتيجة استمرار الأزمة الروسية– الأوكرانية، وتسببت العقوبات التجارية المفروضة على روسيا وما نتج عنها من اختناقات في سلاسل الإمداد والتوريد إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية، وكذلك، أسعار البترول والقمح وفي الوقت ذاته، وتم تقييد الأوضاع المالية العالمية، واستمرت البنوك المركزية في الخارج في تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع أسعار العائد وخفض برامج شراء الأصول لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم في بلادهم.
الاقتصاد المصري يتعافى ببطء
وتابع "المركزي" في بيان رسمي أن البيانات المبدئية تشير إلى استمرار النشاط الاقتصادي المحلي في التعافي خلال الربع الأول من عام 2022، وإن كان بوتيرة أبطأ، إذ سجل الناتج المحلى الإجمالي الحقيقي معدل نمو قدره 5.4 في المئة مقارنة بـ8.3 في المئة خلال الربع الرابع من عام 2021، وذكر البيان أن لجنة السياسة النقدية ارتأت أن التطورات العالمية والناتجة عن الأزمة الروسية- الأوكرانية هي صدمات عرض أولية خارجة عن نطاق عمل السياسة النقدية، على الرغم من أن تلك الصدمات قد تؤدي إلى تخطي معدلات التضخم المستهدفة والمعلن عنها مسبقاً.
ولفت البيان إلى أن اللجنة ستواصل تقييم تأثير قراراتها على توقعات التضخم وتطورات الاقتصاد الكلي على المدى المتوسط آخذة في الحسبان قرارتها خلال الاجتماعين السابقين برفع أسعار العائد الأساسية، وأكدت أن تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدي المتوسط هو شرط أساس لدعم القوة الشرائية للمواطن المصري وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة، كما أشارت اللجنة إلى أن أسعار العائد الحالية تعتمد بشكل أساس على معدلات التضخم المتوقعة وليس المعدلات السائدة.
اجتماع المركزي هو الثالث منذ بداية العام الحالي إذ قرر في جلسة استثنائية في 21 مارس (آذار) الماضي رفع أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس بمعدل واحد في المئة في محاولة لكبح جماح التضخم المرتفع، وملاحقة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي بدأ رفع أسعار الفائدة في العام الحالي، وبعد أقل من 60 يوماً، عاد البنك المصري لرفع أسعار الفائدة من جديد بمقدار 200 نقطة أساس، ما يعادل اثنين في المئة.
التضخم يرتفع 7.3 في المئة في 150 يوماً
وارتفعت معدلات التضخم في مصر بمقدار 7.3 في المئة خلال 150 يوماً فقط، بعد أن قفز المؤشر من ثمانية في المئة في يناير (كانون الثاني) الماضي، ليصل إلى 15.3 في المئة خلال مايو (أيار)، متأثراً بالتداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا، وبذلك المعدل، يتخطى التضخم في مصر مستهدفات البنك المركزي بأكثر من ثمانية في المئة، إذ يضع نطاقاً مستهدفاً لمعدل التضخم السنوي عند مستوى سبعة في المئة (بزيادة أو نقصان اثنين في المئة) في المتوسط حتى الربع الأخير من 2022.
وجاء اجتماع المركزي المصري بعد أيام من قرار الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) منتصف الشهر الحالي ورفع سعر الفائدة بنسبة 0.75 في المئة وهي الأعلى منذ عام 1994 للمرة الثالثة هذا العام من أجل مواجهة معدلات التضخم، التي وصلت لأعلى مستوياتها في نحو أربعة عقود، وعبر المحللون في القاهرة عن ارتياحهم بعد قرار لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي بتثبيت أسعار الفائدة، مؤكدين أن رفع أسعار الفائدة كان سيدفع التكلفة على الاقتصاد الكلي المصري إلى الارتفاع.
التثبيت سيقلل الضغط على الموازنة
ورحب المتخصص في شؤون الاقتصاد الكلي هاني توفيق بقرار التثبيت مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية في القاهرة تئن مع ارتفاع التكلفة الصناعية والتجارية والزراعية وارتفاع الأسعار في الأسواق قائلاً، لا يمكن الاستمرار في الرفع، مؤكداً أنه إذ كان قرار المركزي هو زيادة أسعار الفائدة، سيدفع الأسواق المحلية إلى الغليان بعد ارتفاع أسعار المنتجات سواء المصنعة محلياً أو المستوردة من خارج البلاد بأسعار متضخمة، مؤكداً أن الاقتصاد المحلي في وضع صعب إلى جانب ارتفاع المديونية على الحكومة التي تستدين من الخارج والداخل سواء عبر إصدار سندات وأذون الخزانة بالعملة المحلية، أو الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهر البيان المالي لمشروع الموازنة العامة للدولة، للعام المالي المقبل 2022-2023، ارتفاع قيمة الفوائد التي ستدفعها الحكومة في مصر للديون المحلية والأجنبية، في العام الجديد، 690 مليار جنيه (36.77 مليار دولار أميركي) وهو ما يمثل نحو 7.6 في المئة من الناتج المحلى الإجمالي وبنسبة تزيد على فوائد ديون العام المالي الحالي الذي سينتهي بعد أسبوع تصل إلى 19 في المئة.
التثبيت في صالح الاستثمار
من جانبه، أشاد نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين فتح الله فوزي بقرار تثبيت أسعار الفائدة قائلاً، إن القرار في صالح الاستثمار لا شك، مؤكداً أن استمرار البنك المركزي في سياسة التشديد النقدي ورفع معدلات الفائدة كان سيفاقم من الأوضاع السلبية التي يواجهها الاقتصاد المصري، وموضحاً أن الاقتصاد يحتاج إلى دفعة في قطاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بما ينعكس على زيادة القوة التصديرية المصرية إلى خارج البلاد، ما يعزز من حصيلة العملات الأجنبية في مصر لتقليل الضغط على الدولار، الأمر الذي يسمح بتراجعه مقارنة بالجنيه المصري، مشيراً إلى أن ذلك سيسمح بتراجع أسعار السلع المستوردة من خارج البلاد علاوة على دفع رجال الأعمال والمستثمرين على زيادة حجم وقيمة استثماراتهم القائمة أو ضخ استثمارات جديدة مع ثبات تكلفة التمويل من البنوك المحلية عند الاقتراض بفائدة مناسبة، مؤكداً أن ارتفاع أسعار الفائدة يقلل من فرص الاستثمار ويدفع الأسعار إلى الارتفاع إذ سيضطر المستثمرون إلى نقل عبء زيادة تكلفة التمويل إلى السلع والمنتجات والخدمات وسيتحمل المواطن والمستهلك العبء النهائي.
والعام الماضي، سجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر أدنى مستوى له في آخر خمس سنوات خلال عام 2021 حيث أظهرت بيانات البنك المركزي المصري تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 12.5 في المئة، خلال العام الماضي، مقارنة بعام 2020 حيث سجل الصافي 5.1 مليار دولار في 2021 مقابل 5.9 مليار دولار في العام السابق له، وسجل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2017 نحو 7.4 مليار دولار قبل أن يرتفع إلى 8.1 مليار دولار في عام 2018 بينما حقق أعلى معدل له في عام 2019 عندما سجل تسعة مليارات دولار، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
رفع سعر الفائدة 1 في المئة يكلف الدولة 2.6 مليار دولار
وأيدت النائبة السابقة لرئيس بنك مصر سهر الدماطي قرار البنك المركزي، مؤكدة أن استمرار وتيرة رفع أسعار الفائدة يتسبب في زيادة التكاليف على الصناعة، مضيفة أن رفع سعر الفائدة بمعدل واحد في المئة يرفع عجز الموازنة العامة للدولة بنحو 50 مليار جنيه (2.66 مليار دولار) على الأقل، وتابعت أن البنك المركزي ليس مضطراً لتحريك سعر الفائدة، بعد أن اتخذ عدداً من الخطوات الاستباقية، ومنها رفع أسعار الفائدة بنحو ثلاثة في المئة، ثم دفع البنوك الوطنية إلى طرح شهادات ادخارية ذات عائد مرتفع وصل إلى 18 في المئة، ونجحت في امتصاص السيولة من الاقتصاد المصري بعد جمع 755 مليار جنيه (40 مليار دولار) من الأسواق لتعطيل حركة الشراء مقابل الطلب لكبح جماح التضخم، وأرجعت زيادة البنوك المركزية في الخليج سعر الفائدة عقب تحريكه في الولايات المتحدة، لارتباط العملات الخليجية بالدولار، بينما العملة في مصر مرتبطة بسلة عملات.
وأكد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية عبد المنعم السيد أن المركزي المصري اتخذ القرار المناسب في التوقيت المناسب، مشيراً إلى أن أي قرار آخر برفع أسعار الفائدة كان سيصيب الاقتصاد المصري بالشلل التام، نتيجة ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بفعل التضخم، لافتاً إلى أن زيادة أسعار الفائدة كانت ستزيد من معدلات التضخم أكثر فأكثر.