تطمح الصين في إعادة إحياء طريق الحرير التاريخي عبر توقيع اتفاقات حول "مبادرة الحزام والطريق" مع العديد من الدول التي وصل عددها حتى الآن إلى 90 بلداً من بينها المغرب. وتهدف الصين من وراء تلك المبادرة إلى تعزيز التعاون الدولي وتحقيق تنمية عالمية شاملة. وخصصت الصين لهذا المشروع ميزانية تقدر بتريليون دولار، بينما نبّه البنك الدولي في تقرير أصدره الأربعاء 19 يونيو (حزيران) 2019، من مسألة إسهام المشروع في الفساد وفي الزيادة في مديونية البلدان المشاركة فيه.
التعاون المغربي الصيني
وكان وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيره المغربي ناصر بوريطة قد وقعا اتفاقاً في هذا الصدد عام 2017، بعد أن عرفت العلاقات بين البلدين تطوراً مهمّاً، إثر زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس عام 2016 الصين، عقدت خلالها شراكة استراتيجية، ووقع الجانبان حينها أكثر من عشرة اتفاقات تعاون في مجالات التجارة والطاقة والمالية والسياحة والغذاء.
وأشار زو يويان الخبير الاقتصادي الصيني والباحث في معهد شنغهاي للدراسات الدولية، إلى "كون المغرب قد شهد ثورة هائلة خلال السنوات الأخيرة في مشاريع البنى التحتية، الأمر الذي مكّنه من لعب دور مهم في مشروع خط الحرير الجديد. وأضاف يويان قائلاً "مدينة طنجة المغربية تنشط فيها أكثر من 200 مقاولة صينية، كما تضم المدينة أحد أكبر الموانئ في القارة الأفريقية، والتي ستكون محطة أساسية في المبادرة الاقتصادية الصينية".
منافع المغرب
وبخصوص المنافع التي سيجنيها المغرب من الانضمام إلى طريق الحرير الجديد، تعتبر الخبيرة الاقتصادية المغربية مريم الشرقاوي في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن "المشروع سيفتح آفاقاً جديدة للمغرب من حيث الاستثمار والتجارة، لا سيما من خلال إنشاء مناطق اقتصادية خاصة تستضيف الشركات الصينية، التي من شأنها أن تسهم في زيادة التصنيع في البلاد، وبالتالي في نقل التكنولوجيا والوظائف المؤهلة، وإثيوبيا مثال مثير للاهتمام مع ما يقارب الـ300 شركة صينية استثمرت فيها برأسمال بلغ 491 مليون يورو، واستثمار 3.4 مليار يورو خلال عشرين عاماً. يعد إنشاء المدينة الصناعية (طنجة تك) مثالاً ناجحاً على التعاون متبادل المنفعة، لأن هذا المشروع كُلّفت مجموعة البنك المغربي للتجارة الخارجية بإنشائه، وهي تعمل مع المجموعة الصينية الدولية للسكك الحديد المسؤولة عن جزء من البناء وتعزيز المنطقة للشركات الصينية".
وتضيف الشرقاوي أن "دينامية طريق الحرير بدأت تؤتي أكلها، ففي سبتمبر (أيلول) الماضي أقنعت شركة (بيجو) لصناعة السيارات المتعاقدين في الصين، بالترحيل العالمي إلى المغرب وتحديداً إلى مدينة القنيطرة، والنتيجة كانت منصة صناعية افتتحت من جانب العاهل المغربي، وهي دلالة على الدعم السياسي على أعلى مستوى، يمكن للمغرب أن يأمل في التعاون مع الشركات الصينية في المشاريع الكبرى المهيكلة للبلد مثل الموانئ وسكك الحديد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المنافع الصينية
وتقول الخبيرة الاقتصادية، بخصوص المنافع التي ستجنيها الصين من المغرب، "إن الصين ترغب في الحفاظ على مكانتها الجيواستراتيجية العالمية المتنامية وتعزيزها، وسيصبح المغرب لاعباً رئيسياً في الفرع الأفريقي للمشروع، وهذه الوضعية الجيواستراتيجية ستجعل منه جسراً بلا منازع بين أفريقيا وأوروبا أو حتى بقية العالم. على سبيل المثال محطة حافلات العيون الكبرى المتمثلة في نموذج تطوير أقاليم الجنوب ما يجعل الأسواق الأفريقية جنوب الصحراء في متناول حاويات ميناء طنجة المتوسطي.
اضمحلال الدور الأوروبي
في مقارنته بين الدور الأوروبي والصيني في أفريقيا، خصوصاً في الدول الشمالية للقارة، يقول يونس بالفلاح أستاذ العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي في جامعة ليل الفرنسية، "تعتمد الصين في مقاربتها على التعاون (جنوب- جنوب) من دون فرض شروط سياسية أو أمنية على دول أفريقيا، وتخترق القارة عبر مشاريع تنموية في قطاعات التعليم والصحة والخدمات، وكذلك عبر دبلوماسية الديون من خلال بنوكها القوية، إذ تبلغ الاستثمارات الصينية ما يقارب الـ400 مليار دولار في أفريقيا، ويفوق حجم تجارتها فيها 190 مليار دولار".
ويضيف بالفلاح "شكّل عدم التعاون الأوروبي وفرض فرنسا سيطرتها على الثقافة واللغة حاجزاً أمام تطوير العلاقات مع أفريقيا. فالنفوذ الفرنسي تسبب في غلق أبواب الاختراق أمام دول أوروبية كألمانيا، وكذلك فشل نماذج التعاون (شمال- جنوب) كما هي حال الوضع المتقدم للمغرب مع أوروبا، والذي اهتم في محصلته بالجانب الأمني في مكافحة الإرهاب والحد من الهجرة، وأغفل الجانب الاقتصادي والاجتماعي. ويبقى التساؤل المستقبلي حول ما إذا كانت استثمارات الصين في أفريقيا شراكة أم احتلال اقتصادي بشكل جديد؟".
مخاوف
بدوره، أعد البنك الدولي تقريراً حول المشروع الصيني أسماه "اقتصادات الحزام والطريق: فرص وأخطار الممرات"، خَلص فيه إلى أن للمشروع القدرة على تحسين التجارة والاستثمار الأجنبي والظروف المعيشية بشكل كبير، شرط أن تقر الصين والدول التي يمر عبرها، إصلاحات في سياساتها وتحسين الشفافية وتوسيع التجارة والتخفيف من الأخطار البيئية وتلك المرتبطة بالفساد.
وقالت نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي جيلا بازارباسيوغلو "مع ازدياد التجارة بشكل كبير، ولو كان غير متساوٍ بالنسبة لاقتصادات الدول التي يمر عبرها المشروع، فإن هذه المكاسب المحتملة ستأتي مصحوبة بأخطار كبيرة".
وقدّر التقرير أن تعزز خطة "الحزام والطريق" التجارة بنسبة 2.8 إلى 9.7 في المئة بالنسبة للدول المشاركة، وما بين 1.7 و6.2 في المئة بالنسبة للعالم، لكن الدراسة توصلت إلى أن حوالى ربع هذه الاقتصادات تعاني أساساً من مستويات دين مرتفعة وتزداد مكامن الضعف متوسطة الأمد بالنسبة لبعضها.
وذكر التقرير أن "مشاريع البنى التحتية الكبيرة تنطوي بطبيعتها على أخطار، إذ بإمكانها أن تتسبب بالفساد وبإخفاقات في عمليات الاستحواذ الحكومية".
تطمينات صينية
من جهته، خفف لو كانغ، المتحدث باسم وزارة الشؤون الخارجية الصينية، من مخاوف البنك الدولي، قائلاً إنه "منذ تقديم بلاده الاقتراح بشأن مبادرة الحزام والطريق للمرة الأولى قبل ستة أعوام، حققت المبادرة إنجازات وفيرة وأصبحت منصة للتعاون الدولي تحظى بمشاركة واسعة، ومصدراً للمنفعة العامة، إذ لقيت ترحيباً على نطاق دولي واسع"، ورحب "برؤية المبادرة ومجالات التعاون التي تغطيها، تتواءم بدرجة كبيرة مع استراتيجيات التنمية في البلدان النامية"، وأكد لو كانغ أن المبادرة قدمت إسهامات إيجابية في التنمية الاقتصادية في تلك البلدان وفي تحسين الأحوال المعيشية لشعوبها.
واعتبر كانغ أن "البناء المشترك للمبادرة ساعد في حل أزمات إنشاء البنية الأساسية في الكثير من المناطق على طول الحزام والطريق، وساهم بدرجة كبيرة في تيسير التجارة العالمية ودعم النمو الاقتصادي، وتصريحات البنك الدولي في هذا الشأن تتسم بالموضوعية". وقال إن "بلاده تقف على أهبة الاستعداد للعمل مع شركائها في بناء مبادرة الحزام والطريق، والتمسك بمبادئ التشاور المكثف والمنافع المشتركة، مع احترام مبادئ الانفتاح والشفافية، فضلاً عن تطبيق مناهج تنموية منفتحة وخضراء ونظيفة، والنضال من أجل تحقيق أهداف تنمية عالية المستوى ومستدامة تسهم في تحسين الأحوال المعيشية للشعوب".