في جردة حساب صادمة تكشف عن هول الضحايا التي سببتها الحرب الدامية في اليمن منذ ثماني سنوات، قالت منظمة حقوقية يمنية، الجمعة، إنها وثقت مقتل نحو 300 معتقل مدني قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات ميليشيات الحوثي في المحافظات الخاضعة لسيطرتها منذ الانقلاب على الدولة في عام 2014.
جاء ذلك في بيان لمنظمة "مساواة للحقوق والحريات"، دانت فيه جريمة وفاة المختطف السابق لدى ميليشيات الحوثي حسين عجيلات متأثراً بالتعذيب الذي تعرض له خلال ثلاث سنوات في سجون الميليشيات بعمران.
وقالت في البيان الذي نشرته على حسابها في "تويتر"، إن 293 معتقلاً مدنياً قضوا تحت التعذيب في سجون ومعتقلات الميليشيات الحوثية في كل المحافظات الخاضعة لسيطرتها منذ بداية انقلابها على الشرعية منذ سبتمبر (أيلول) 2014، وحتى نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي.
وسبق للحكومة الشرعية ومنظمات حقوقية من بينها "هيومن رايتس ووتش"، أن اتهمت الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء، "باحتجاز رهائن وارتكاب انتهاكات خطيرة بحق محتجزين لديهم، بما في ذلك التعذيب".
الإطلاق قبيل الموت
منظمة "مساواة" ذكرت أن المعتقل عجيلات من أبناء محافظة عمران (شمال البلاد) توفي بعد أيام فقط من إفراج الميليشيات عنه من أحد سجونها في المحافظة، بعد تدهور صحته نتيجة التعذيب الوحشي الذي تعرض له في معتقله طوال فترة اعتقاله.
ولفتت إلى أن الميليشيات كانت قد أصدرت حكماً غير قانوني يقضي بإعدام المعتقل بعد أن قضى أكثر من ثلاثة أعوام في سجونها، وهو ما تسبب في تدهور حالته الصحية بشكل متسارع ليلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أيام فقط من الإفراج عنه متأثراً بالتعذيب الشديد الذي تعرض له في سجون الميليشيات الانقلابية.
ولم يتسنَّ لـ"اندبندنت عربية" الحصول على تعليق رسمي من قبل الحوثي حول التهم التي أوردها التقرير، إلا أن وسائل إعلامية تابعة له، بما فيها قناة "المسيرة" الناطقة باسمه، عادةً ما تبرر جملة "الإجراءات الأمنية" التي تطاول المئات من السكان المقيمين في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، بأنها تأتي بدافع مكافحة من تصفهم بـ"الخلايا النائمة" المتهمة بالتخابر مع الحكومة الشرعية، في إشارة للمناهضين لها الذين تتهمهم بموالاة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، كما لم تصدر هذه الوسائل رداً على التقرير الصادر عن مساواة.
وفي اعتراف بشنّ سلسلة اعتقالات طاولت عشرات المدنيين، أكد موقع الإعلام الأمني التابع للحوثيين في أغسطس (آب) العام الماضي، خطف مسلحي الجماعة المدعومة من إيران أكثر من 140 مواطناً في العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى، مرجعة ذلك إلى ما تسميه "التخابر" مع الحكومة اليمنية والتحالف الداعم لها، وهي ذريعة اعتادت الجماعة، وفقاً لمراقبين، إلصاقها بكل من يخالف نهجها ويرفض ممارساتها القمعية بحق المدنيين أو من يعارضون مشاريعها الإيرانية الدخيلة على المجتمع اليمني.
وحينها، لم يتطرق إعلام الحوثي إلى هوية المختطفين المدنيين وأماكن احتجازهم أو التهم المنسوبة إليهم ومصيرهم، غير أن مصادر حقوقية يمنية قالت إن أعداد المعتقلين في سجون الجماعة الراديكالية يفوق أضعاف ما أعلنت عنه، إذ تعج بآلاف المعتقلين من الرجال والنساء على السواء، بعد تزايد الاعتقالات في صفوف النساء في سابقة لم يعهدها اليمنيون على مدها تاريخهم.
قربان وسادية
في تعليقه إزاء العدد الكبير للضحايا في السجون الحوثية، يقول رئيس منظمة "سام للحقوق والحريات"، توفيق الحميدي، إن هذا الأمر يعود إلى السادية التي تسيطر على نفسيات السجانين الحوثيين الذين يرون في عمليات التعذيب والإخفاء، بل والقتل تحت التعذيب، نوعاً من القربان اليومي الذي تقدمه لزعمائها ومشرفيها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف أن القائمين على هذه السجون لم يتلقوا أي ثقافة مدنية في حين تشبعوا بالثقافة العقدية والتعبئة الفكرية الطائفية بأن هؤلاء المختطفين ما هم إلا أعداء ويهود وموالون لإسرائيل وأميركا (كما تردد أديبات الجماعة)، بالتالي يتوجب إنزال أقسى العذاب الوحشي عليهم، والذي يصل في مرات عديدة للقتل، وقد رأينا الكثير من السياسيين والإعلاميين وقد خرجوا من هذه السجون شبه أحياء، وفي حالة نفسية وبدنية صعبة للغاية.
كان "التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان"، قد أعلن في تقرير أصدره الشهر الماضي، أن فريقه وثّق تعرض 1635 مختطفاً للتعذيب في سجون ميليشيات الحوثي بينهم 109 أطفال و33 امرأة و78 مسناً، موزعين على 17 محافظة يمنية، تعرضوا خلاله للتعذيب النفسي والجسدي، بينهم 101 طفل و24 امرأة و63 مسناً، وأسفر هذا الأمر عن إصابة بعضهم بشلل كلي أو نصفي، والبعض الآخر بأمراض مزمنة وفقدان للذاكرة وإعاقات بصرية وسمعية.
وأشار إلى تعرض 208 مختطفين آخرين لأشد وأقسى أنواع التعذيب المفضي إلى الموت، بينهم 8 أطفال و9 نساء و15 مسناً، منهم من فارق الحياة داخل الزنازين تحت التعذيب بالصعق الكهربائي والضرب والخنق، والبعض الآخر توفي نتيجة الإهمال وتدهور حالتهم الصحية في ظل الحرمان المستمر من تلقي العلاج، إضافة إلى تعرض عدد من المختطفين للتصفية الجسدية داخل سجون ميليشيات الحوثي أو دفعتهم قسوة وبشاعة التعذيب إلى الانتحار.
وسجلت أمانة العاصمة صنعاء أعلى نسبة تعذيب للمختطفين داخل سجون الحوثيين، وذلك بواقع 430 حالة تعذيب جسدي ونفسي لمختطفين مدنيين بينهم 12 طفلاً و8 نساء و12 مسناً، فضلاً عن 48 مختطفاً تم تعذيبهم حتى الموت بينهم 4 مسنين و8 نساء، 5 منهن أقدمن على الانتحار داخل السجن المركزي بعد تعرضهن للاغتصاب تحت تهديد السلاح والتعذيب الشديد.