يبدو أن انفراجة قريبة ستشهدها العلاقات الجزائرية الإسبانية، بعد أن تسبب دعم مدريد للمغرب بقضية الصحراء الغربية، في توتير العلاقات، وتعليق الجزائر معاهدة الصداقة وحسن الجوار مع مدريد، حيث اعتمد مجلس النواب الإسباني مشروع اقتراح يدعو إلى عودة البلاد إلى موقفها الحيادي، وإعادة العلاقات الودية مع الجزائر، وهو ما يعني نصراً للدبلوماسية الجزائرية، بخاصة بعد أن تحول موقف مدريد من الاستفزاز إلى الضغط بإدخال الاتحاد الأوروبي على خط الأزمة.
وجاءت تصريحات وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني خوسي مانويل ألباريس بأن هناك بالفعل عرقلة للعمليات التجارية من قبل الجزائر، رصدتها المفوضية الأوروبية، لتؤكد اقتراب موعد تدخل الاتحاد الأوروبي.
تصريحات وإشارات
ويظهر جلياً عزم مدريد على إقحام الاتحاد الأوروبي في أزمتها مع الجزائر بغية الضغط تارة، ومن أجل الاحتماء تارة أخرى، والتوسط مرة ثالثة، وهو ما يفهم من إشارة رئيس الدبلوماسية الإسبانية إلى أن المفوضية الأوروبية تطلب توضيحات من الجزائر في كل مرة تُحظر فيها عملية تجارية، وأن العلاقات التجارية بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودولة أجنبية هي من اختصاص المفوضية الأوروبية، التي تراقب عن كثب تطور الوضع، وأيضاً في قوله "على الرغم من التصريحات الجزائرية التي تزعم بأن الأمر يتعلق بتخيلات سيئة النية من جانب إسبانيا، إلا أن هناك بالفعل عرقلة للعمليات التجارية".
كما أن العرض الذي قدمته كاتبة الدولة الإسبانية للتجارة جيانا منديز، أمام البرلمان، يمنح بعض الإشارات إلى "تعبئة" تستهدف دفع الاتحاد الأوروبي إلى التدخل، إذ أبرزت أمام لجنة الصناعة والتجارة والسياحة، أنه "نشهد، بحكم الواقع، تجميداً للتدفقات التجارية في كلا الاتجاهين، وهو ما يمثل، بالنسبة إلينا، انتهاكاً لاتفاقية الشراكة المبرمة مع الاتحاد الأوروبي". وأضافت أن الجزائر "تنتهك اتفاقها التجاري مع الاتحاد الأوروبي من خلال حظر التدفقات التجارية والمدفوعات الجارية وحركة رؤوس الأموال، والتمييز بين إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مقارنة بالدول الأخرى"، مشددة على أن معاهدة الصداقة الموقعة بين مدريد والجزائر في 2002 لا تحدد العلاقات التجارية بين البلدين لأن ذلك من اختصاص الاتحاد الأوروبي.
وشددت المسؤولة الإسبانية على ضرورة إجراء حوار ثنائي لاستعادة علاقة متوازنة قائمة على الاحترام بين البلدين، موضحة أن الجزائر شريك سياسي وتجاري استراتيجي، وكذلك دولة صديقة وجارة. وأضافت أن "ما يبقى أمامنا هو التحول إلى القنوات الدبلوماسية، وتفضيل الحوار على أي خيار آخر".
وفي حين لم يتجاوب الاتحاد الأوروبي مع الطلبات غير المباشرة لمدريد، إلا أن ممثله السامي للسياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل، ونائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية فالديس دومبروفسكيس، أعربا في وقت سابق، عن "القلق البالغ لبروكسل" إزاء القرار المتخذ من طرف الجزائر في شأن تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة مع إسبانيا عام 2002.
ضغط بعد الاستفزاز
في السياق، يعتبر أستاذ العلوم السياسية سمير محرز في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "الجزائر ملتزمة كل تعهداتها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، وهذه نقطة وجب تأكيدها حتى ننزع اللبس عن الموضوع في شكله العام والبروتوكولي".
يقول محرز إن الحكومة الإسبانية دخلت مرحلة جديدة، وانتقلت إلى الضغط على الطرف الجزائري بعد أن أنهت موضوع الاستفزاز الدبلوماسي الذي دام طويلاً، على الرغم من أن الجزائر تعاملت مع مدريد بكثير من العقلانية في هذا الملف، مشيراً إلى تصريحات المسؤولين الجزائريين بأن الالتزامات اتجاه إسبانيا ستبقى معمولاً بها لغاية نهاية العقود.
ويتابع في ما يخص تدخل الاتحاد الأوروبي، أن الجزائر ماضية في مواقفها وقراراتها الدبلوماسية لأن التهجم لم يكُن من طرفها، والاتحاد الأوروبي على علم بخبايا هذا الملف، لأن الجزائر أرسلت تقارير إلى كل الأطراف المعنية بهذه المسألة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونقلت في وقت سابق صحيفة "آل كوفيدونسيال" الإسبانية، أن وزير الخارجية خوسيه مانويل ألباريس، طلب مساعدة بوريل في الوساطة مع الجزائر لتجاوز الأزمة، وكشفت عن رفض الجزائر الرد على اتصالات ألباريس.
ودفعت الأخبار الواردة من مدريد، إلى تدخل الجانب الجزائري في 23 أبريل (نيسان) 2022، على لسان أحد المسؤولين الذي رفض الكشف عن هويته، وفق ما نقلته الصحافة المحلية، إذ أوضح أن الأزمة الحالية هي حصرية بين الجزائر وإسبانيا وليس مع الاتحاد الأوروبي، وأن المتسببين فيها هم من يسهمون في حلها، مضيفاً أن الجزائر ليست لديها مشكلة مع الاتحاد الأوروبي بحكم أن الأزمة ثنائية مع مدريد وليست معه. وشدد على أنه "يجب عدم السقوط في بعض المغالطات، ويتعين على الذين يتحملون بطريقة مباشرة مسؤولية هذه الأزمة أن يشاركوا ويسهموا في تجاوزها".
في المقابل، اعتمد مجلس النواب الإسباني، مشروع اقتراح يدعو لعودة مدريد إلى موقفها الحيادي في شأن الصحراء الغربية وإعادة العلاقات الودية مع الجزائر، وبحسب ما أوردته وسائل الإعلام الإسبانية، فقد تم التصويت على مشروع الاقتراح هذا في جلسة عامة، بغالبية 193 صوتاً مقابل 110 ضد، وامتناع أربعة عن التصويت.