لقد هدأت إلى حد كبير أصوات القنابل التي ترتجّ لها الأرض. وحلت محلها ضوضاء المطارق المتعالية في شوارع مدينة إدلب المتداعية والمناطق المحيطة بها، تتوالى ضرباتها الواحدة تلو الأخرى في الأبنية الجديدة التي ترتفع من الركام وعلى الطرقات والأرصفة الجديدة التي تشيد من أجل استيعاب التضخم السكاني للمدينة.
داخل مستشفى توليد جديد مولته الولايات المتحدة في وسط المدينة، يرقد المواليد الجدد في حاضنات متطورة داخل وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، وتعتني بهم ممرضات في زي لامع بكل رفق. افتتحت هذه المنشأة في فبراير (شباط).
وتقول الدكتورة نجوى خزيرة، الطبيبة النسائية البالغة من العمر 39 عاماً التي تشرف على النوبة، "الوضع أفضل بكثير الآن. والفارق الآن هو وجود مزيد من الأمن والسلامة، ويمكننا بالتالي تأمين حياة أفضل للرضع".
إجمالاً، لا تزال الحياة تعيسة في شمال غربي سوريا الذي نهشته الحرب ويسيطر عليه الثوار. يحتمي الفقراء والنازحون في مخيمات تفتقر إلى الصرف الصحي والمياه الجارية. ويخيم شبح الحزن والمعاناة بعد عقد من الحرب على أجمل الأيام فيظلمها. ولا تزال القنابل ونيران الهاون والصواريخ - كما الضربات الجوية بين الحين والآخر - تقطع الهدوء على الرغم من وجود هدنة متواصلة منذ أكثر من سنتين بين جماعات الثوار المعادين لبشار الأسد من جهة، ونظام دمشق المدعوم من الروس والإيرانيين من جهة أخرى.
لكن الشباب والشابات بدأوا ملء المقاعد الدراسية في جامعتي المنطقة. وعاد التيار الكهربائي بشكل كبير بمساعدة رُعاة المنطقة في تركيا، كما بدأت الحركة التجارية وشيء من الاقتصاد الزراعي الذي كان الركيزة الأساسية للمنطقة الريفية إلى حد كبير، بالعودة. وأصلح جزء من الضرر الذي خلفته الحرب.
حتى إن وسط المدينة حيث الحركة محمومة وزحمة السير خانقة في إدلب التي استحالت مدينة تسكنها مليون نسمة تقريباً، يضم مطعم "كي أف سي" مزيفاً يقدم الدجاج المقلي من دون أدنى اكتراث بقوانين العلامات التجارية الغربية على ما يبدو.
والأهم هو أن الأهل يسمحون لأطفالهم بالعودة إلى المدارس. وهم يسيرون في الشوارع، يغدون ويروحون إلى صفوفهم. ويشاركون في رحلات ميدانية إلى المتحف المحلي. والعائلات تستقر.
يقول عبد الكافي الحمدو، الناشط السياسي الذي يدرس الأدب الإنجليزي في فرع جامعة حلب في أعزاز، "سئم الناس من دوام التنقل والنظر فقط إلى خطوتهم المقبلة. خلقت السنوات الأخيرة القليلة إحساساً بالاستقرار بين الناس. أصبح لديهم متسع من الوقت لكي يفكروا بما عليهم فعله".
خلال رحلة قريبة استغرقت يومين إلى محافظة إدلب وأكثر من عشر رحلات نهارية إلى أنحاء عديدة من شمال سوريا منذ عام 2018، شهدت على ازدياد النشاط وارتفاع عدد السكان وازدياد السكينة لشعب عانى واحدة من أكثر الحروب وحشية في التاريخ الحديث. حتى إنه، في ظل الحرب والجماعات المسلحة المتطرفة، ينمو حس من الهوية لسكان تلك المناطق التي تعتبر جيباً انفصالياً بحكم الواقع تحت مظلة تركية قد تكون مستبدة أحياناً.
يصف البعض هذه المناطق من سوريا على أنها "المناطق المحررة"، وهي زاوية ريفية من سوريا كانت في وقت ما منسية، تضخمت لتضم 4.3 مليون نسمة على أقل تقدير أو حتى ما قد يصل إلى 5 ملايين نسمة. ولأن الناس من كل أنحاء سوريا بدأوا في الاستقرار هناك، خرج آخرون بلقب ثانٍ للمنطقة هو "سوريا الصغرى".
يوافق أحمد فراس اللوش، عضو المجلس البلدي في إدلب وأستاذ الهندسة الكيماوية في جامعة إدلب، على إجراء لقاء بين الحصص، ويعتذر في لحظة من اللحظات بسبب اضطراره للمغادرة لأن طلابه ينتظرونه.
ويعدد قائمة من الإنجازات والأولويات التي وضعها المجلس وهي تتضمن شق طرقات وبناء أرصفة جديدة إضافة إلى مشاريع متواصلة في مجال البنى التحتية للكهرباء والصرف الصحي والمياه.
ويقول، "كما هو الحال في أي بلد آخر، عندما يؤمن الاستقرار، يظهر الاهتمام بالتعليم ويبدأ البناء والاستثمار والعمل. لقد أحرزنا الكثير من التقدم خلال العام الماضي".
تطالعك مؤشرات على التغيير في كل مكان، وقد يشعر الزائر إلى المناطق المحررة اليوم بالحيرة إزاء التغيير السريع الذي طرأ على المنطقة. في أكتوبر (تشرين الأول) افتتح مستشفى إدلب الجامعي، وهو عبارة عن مبنى أبيض ضخم يعتبر أكثر مشاريع الإعمار طموحاً بفارق كبير في شمال غربي سوريا منذ أكثر من عشر سنوات. قبل عام 2020، عمل السوريون على إخفاء منشآتهم الطبية خوفاً من أن تستهدفها الغارات الجوية الروسية.
يقول محمد حسام شيخ فتوح، أحد مديري المستشفى، "إن كنت وسط حرب، لن تكون لديك القدرة على البناء. فلا يواجهك سوى حالات الطوارئ. ولدت الهدنة وضعاً مناسباً لبناء مستشفى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما استقطبت الهدنة أشخاصاً آخرين من مناطق مختلفة من سوريا وتركيا. وحصل انفجار سكاني. وتعتبر التحسينات المتواضعة في الحياة هنا أحد عوامل الجذب. ترتفع المباني السكنية والتجارية بوتيرة محمومة، ولا سيما في مدن مثل إدلب وأعزاز وعفرين وسرمدا.
وقد توسعت مدينة إدلب وحدها من 200 ألف نسمة عند بداية الانتفاضة في عام 2011 إلى 500 ألف حين انتزعت من قبضة الأسد في عام 2015، وصولاً إلى ما يتراوح بين 800 ألف ومليون الآن، كما يقول اللوش، عضو المجلس البلدي. وتضاعف عدد السيارات في المدينة ليبلغ 200 ألف خلال السنوات القليلة الماضية، مع انتقال السوريين من جيوب ثورية سابقة في جميع أرجاء البلاد ليستقروا هنا. والسيارات تحتاج إلى طرقات. والناس يحتاجون إلى إسكانات. وأطفالهم بحاجة إلى مدارس.
على الرغم من القصف المنتظم - الذي يزعم أنه ينهمر من طرف الفصائل التركية المعارضة لتركيا - في مدينة أعزاز وحدها، 80 في المئة من سكان المدينة حالياً قدموا من مناطق أخرى من سوريا، كما تقول رينا نيتجس، الباحثة الهولندية المقيمة في إسطنبول التي تؤلف كتاباً عن شمال سوريا، وقد قامت بزيارات كثيرة للمنطقة.
وتقول، "يأتي الأشخاص من المناطق السورية الواقعة تحت سيطرة النظام لأنهم يقولون إن الاقتصاد أسوأ حالاً هناك. يستأجرون المنازل ويعيشون فيها، فيما يعيش أفقرهم، وأغلبهم من المزارعين القادمين من أراضيهم، داخل خيم".
مع تراجع حدة التوتر، أصبح التنقل بين مختلف الجيوب أسهل. يستطيع سكان أعزاز شراء زيت الزيتون والصابون من سوق عفرين، أو زيارة الأصدقاء والأقارب في مدينة إدلب. ومع أن السكان يشتكون من التوترات القائمة بين بعض الجماعات المسلحة التي تؤمن الحماية من جهة والمجالس الحكومية المحلية من جهة ثانية، فلم يؤثر ذلك على حياة الناس الشيء الكثير.
عاد كثير من المقاتلين الثوار إلى الجامعة فارتفع معدل التسجيل في جامعة إدلب وفرع جامعة حلب في أعزاز. وقد التحق أكثر من 20 ألف طالب الآن بالتعليم الجامعي، أي ضعف عدد الطلاب المسجلين قبل الهدنة. يرتاد كلية الصيدلة في جامعة إدلب حالياً نحو 700 طالب، مقارنة بـ400 قبل الهدنة.
ويقول مدير الكلية، حسين عمر، "نعيش منذ سنتين ما يمكنك وصفه بالوضع المستقر. وهو ما يعني بأنه لدينا مختبرات جديدة ومعدات جديدة".
في مقهى كتاب، وهو مكتبة ومقهى شيد فوق أنقاض فندق سابق في إدلب، يختلط الشباب والشابات بهدوء. وتقول رلى، خريجة كلية الهندسة البالغة من العمر 26 عاماً "إجمالاً، الحياة أفضل بكثير مما كانت عليه منذ سنتين".
إنما مع ذلك، يسود جو من خيبة الأمل واليأس في شمال غربي سوريا، ولا يزال التوق لحياة أفضل موجوداً. على الرغم من أن تركيا تحاول توفير الاحتياجات الأساسية مثل الكهرباء والماء بشكل أكبر في المناطق المحررة، ليست هذه الخدمات مجانية فعلياً، خلافاً للنموذج الذي اعتاده السوريون منذ فترة بعيدة.
وتعليقاً على هذا الموضوع، تقول الصحافية والناشطة في محافظة إدلب سارة قاسم، "تحسن وضع التعليم والرعاية الصحية، وتتوفر الأسواق والمتاجر والمطاعم، لكن الأسعار مرتفعة للغاية وعليّ دفع الكثير من المال".
ومن ناحية أخرى، تبعد المنطقة المحررة كل البعد عن رؤية سوريا الحرة الديمقراطية التي سعى إليها من نزلوا إلى الشوارع للمطالبة السلمية بالتغيير السياسي منذ أكثر من 11 عاماً.
ويقول الحمدو، "يواصل معظم الناس حياتهم وأعمالهم ودراستهم، ولكن في قلبهم شيء دفين لا يمكن محوه".
في بلدة دير حسن في وقت سابق من العام الحالي، نزل العشرات إلى الشارع احتجاجاً على السياسات المتشددة لهيئة تحرير الشام، الجماعة الإسلامية التي تسيطر على محافظة إدلب. ورفعوا لافتات تطالب الجماعة بإطلاق سراح المعتقلين ووصفوها بالطاغية، كما جاء في التقارير الصحافية. سرعان ما قمعت التظاهرة.
أما الأحلام لسوريا الحرة التي ألهمت الانتفاضة الشعبية ضد ديكتاتورية بشار الأسد الظالمة منذ أكثر من 11 عاماً، فقد تلاشت منذ زمن بعيد، في أعقاب سيطرة هيئة تحرير الشام، ائتلاف الجماعات المسلحة بقيادة أبو محمد الجولاني، الذي ترأس في السابق فرع القاعدة في سوريا.
ومع أن رجال الجولاني خففوا بعض القيود الاجتماعية والعادات الدينية المتشددة التي كانوا قد فرضوها في السابق، وسمحوا ببعض الحرية خلال السنة الماضية، إلا أنهم لا يزالون مصدر النفوذ الرئيس في إدلب، إضافة إلى سيطرتهم على الحياة العامة من خلال العناصر الذين عينوهم في ما يسمى حكومة الإنقاذ الوطني.
ويقول الحمدو، "تحاول هيئة تحرير الشام دفع الناس إلى تقبلها على أساس أنها مجموعة معتدلة غير متطرفة، لكن بين الناس والهيئة صدام لن يختفي كلياً. تعيد الهيئة النظر في رؤيتها لنفسها وتعاملها مع الناشطين والأجانب والاقتصاد، لكن الأمر الذي لم يتغير هو رغبتها بالسيطرة. تريد بسط نفوذها على كل شيء".
اتهم التقرير الصادر هذا العام لمؤشر بيرتلسمان للتحول (نحو الديمقراطية) الذي يرصد التقدم نحو الديمقراطية في الدول، هيئة تحرير الشام بـ"محاولة فرض النظام الاستبدادي بأجندة إسلامية" تتصف بـ"العقائد الدينية" كما "الاعتقالات التعسفية والعنف والاعتداءات".
وجاء في التقرير أن المناطق الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام لم تجر فيها أي انتخابات فيما الحكومة المحلية إما "تهيمن عليها أو تهمشها الجماعات المسلحة".
وقالت رلى، خريجة كلية الهندسة، إنه فيما مجال التعبير مفتوح، لكنه ضيق جداً، مضيفة أنه "يمكنك الاحتجاج، لكن فقط ضد الأسد".
وتعتبر الجيوب الموجودة في شمال حلب، ومن ضمنها منطقتا عفرين وأعزاز، معاقل المقاتلين المسلحين المدعومين من تركيا، وهم فلول الجماعات الثورية المسلحة سابقاً التي حاربت نظام بشار الأسد في دمشق.
ومع أنها تنضوي شكلياً تحت لواء الحكومة السورية المؤقتة، تتناوش هذه المجموعات بين بعضها البعض وقد اتهمت بممارسة الابتزاز المادي. ويتحدث تقرير بيرتلسمان عن وجود قطاع أمني خاضع لسيطرة "مراكز سلطة محلية جداً، وغالباً أشبه بالمافيا" يديرها "أمراء حرب".
وتقول نيتجس، "تحصل سرقات وأعمال لصوصية. ويريد الناس للاعتداءات أن تتوقف".
في كل حدب وصوب داخل المنطقتين، يطغى الوجود التركي. أصبحت الليرة التركية العملة التي فرضها الواقع على سوريا الصغرى. وتفيض الأسواق بالسلع التركية فيما سلمت بعض أكبر مشاريع البناء إلى متعهدين أتراك. ومن جهتها، توفر المنظمات الخيرية التركية الطعام للمحتاجين وتدعم المستشفيات التركية المنشآت الطبية.
أما القوات التركية، وعلى الرغم من أنها غير مرئية، فموجودة على الأرض وتوفر بعض الحماية للمنطقة من قوات النظام السوري المدعومة من الروس والإيرانيين.
لا يرتاح السوريون للمدى الذي بلغه النفوذ التركي. يقول السوريون إنهم يريدون طبعاً أن يكونوا أحراراً ومستقلين، ولكنهم مدركون أنه لولا القوات التركية المسلحة، يمكن للقوات الروسية والسورية، التي ربما لديها تحالفات وتعاون غير ثابت مع بعض الفصائل السورية الكردية التي تسيطر على شمال شرقي سوريا، أن تأخذ المنطقة في غضون أيام ليس إلا.
وقال أحد كبار المسؤولين السوريين في أعزاز لنيتجس، "ليس وجود الأتراك هنا وضعاً مثالياً، ولكنه أفضل من وجود نظام الأسد أو روسيا".
وعلى الرغم من التقدم الحاصل، يحوم خطر تجدد الحرب فوق سوريا الصغرى. تهدد تركيا الآن بشن عملية عسكرية لتوسيع رقعة المناطق المسماة بالمحررة، التي تعتبرها أنقرة نجاحاً باهراً. وتأمل بانتزاع السيطرة من السوريين الأكراد في جيب تل رفعت، الذي تتهم تركيا الجماعة المسلحة الموجودة فيه باستخدامه منصة لإطلاق قذائف الهاون والهجمات الصاروخية.
كما عرضت خططاً طموحة أكثر هدفها احتلال منطقة يسيطر عليها السوريون الأكراد تقع بين المنطقة الموالية للأتراك في شمال حلب والمناطق التي تسيطر عليها في محافظة الحسكة التي استولت عليها تركيا خلال عملية عسكرية استمرت أسبوعاً في أواخر عام 2019، في محاولة لمد جسر أرضي بين منطقتين خاضعتين لها.
ومن شأن كل هذا أن يهدم بسرعة سلاماً هشاً أساساً مرهوناً بأهواء القوى الإقليمية والعالمية العظمى.
يعود الأساس المتزعزع الذي تقوم عليها سوريا الصغرى إلى أواخر عام 2019. حينها، شنت القوات السورية، بعد أن شجعتها انتصارات أحرزتها على الثوار خلال الصيف، ومدعومة بالقوة الجوية الروسية والميليشيات الموالية لإيران، هجوماً عسكرياً شرساً بهدف إعادة السيطرة على محافظة إدلب بشكل نهائي، انهمرت القنابل الروسية وصواريخ المدفعية السورية بلا تمييز فوق رؤوس المدنيين في ما سمي عملية "فجر إدلب 2".
وحذرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حينذاك، ميشال باشليه، من أن "عائلات بأسرها، فرّ بعضها من أقصى الأراضي السورية إلى أقصاها خلال العقد الأخير، تكتشف بكل أسف أن القنابل خبزها اليومي".
لكن الهجوم تمادى. ضربت غارة جوية، إما روسية أو سورية، برج مراقبة تركياً، وأدت إلى مصرع 34 جندياً تركياً في إدلب. عندها تدخلت تركيا بقوة وشنت عملية "درع الربيع".
وبواسطة الطائرات المسيّرة، ومن بينها "بيرقدار تي بي 2" الشهيرة المستخدمة الآن ضد قوات الكرملين في أوكرانيا، ونظام المدفعية الدقيقة والطائرات المقاتلة، دمرت تركيا قوات النظام السوري فقتلت عشرات الجنود السوريين ومقاتلين لـ"حزب الله". وحطمت تركيا أعداداً غير معروفة من الطائرات المروحية والدبابات والمركبات المصفحة ومدافع "هاوتزر" وشاحنات الذخيرة وأنظمة الدفاع الجوي ومستودعات الأسلحة. واستهدفت قواعد جوية ومختبرات علمية.
تحت وطأة الهجوم التركي المضاد، ولشدته، انقلب زخم الهجوم الذي دعمه الروس. بعدها التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو وتوصلا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، على الرغم من تعرضه لانتهاكات منتظمة.
تزامنت مرحلة الهدنة هذه مع انتكاسة كبيرة في الاقتصاد التركي قلبت الشعب التركي الكاره للأجانب أصلاً على ما يبدو بشكل قطعي ضد ملايين السوريين وغيرهم ممن استقروا في البلاد. ووجد أردوغان نفسه أمام ضغط من اليمين واليسار، ووعد بتشكيل منطقة آمنة تجعل السوريين في تركيا يرغبون في العودة، أو أقله، تجعل بعضهم لا يبرحون مكانهم.
يقر معظم سكان سوريا الصغرى بأن قلة قليلة من السوريين في تركيا يعودون إلى المنطقة، ولكن ذلك قد يتغير. بدأت الحكومة التركية كما معارضيها من يسار الوسط والقوميين بالتحرك لجعل الحياة أصعب بالنسبة للسوريين في تركيا. تنشر الصحافة التركية يوماً بعد يوم تحذيرات من احتمال إرغام السوريين على العودة الجماعية، وترحيلهم إلى سوريا الصغرى قبل انعقاد انتخابات وطنية حاسمة السنة المقبلة.
ينتاب السوريون رعباً من احتمال أن تخون أنقرة الجيب عبر إبرامها أي شكل من الصفقات مع موسكو أو حتى دمشق. عقدت روسيا وتركيا وإيران يومين من المحادثات في شأن سوريا في العاصمة الكازاخية، انطلقت يوم الأربعاء وحضرها مبعوثون عن المعارضة ونظام دمشق. ومن ناحية أخرى، لمح سياسيو المعارضة التركية الذين يتصدرون استطلاعات الآراء بشدة إلى انفتاحهم على مسألة استعادة العلاقات الطيبة مع نظام الأسد. وقد تقطع قنوات إمداد المساعدات الدولية التي تشكل شريان حياة بالنسبة للنازحين القاطنين في مخيمات سوريا الصغرى الشهر المقبل إن لم يتوصل أعضاء مجلس الأمن في الأمم المتحدة إلى اتفاق. تنتهي صلاحية الاتفاق الساري حالياً في 10 يوليو (تموز).
في مركز حديثي الولادة في مستشفى التوليد الذي تديره الجمعية الطبية السورية الأميركية، تحذر الدكتورة خزيرة من خطر محو كل المكاسب التي تحققت على امتداد السنتين الماضيتين بلحظة واحدة. وتقول، "من الصعب جداً إعادة البناء واكتساب ثقة الناس وجعلهم يشعرون بالأمان. ومن السهل جداً تهديم كل شيء".
نُشر في اندبندنت بتاريخ 20 يونيو 2022
© The Independent