عرفت المجتمعات العربية "الزار" بصفته طقساً أو أسلوباً علاجياً منذ القدم قبل ظهور أساليب العلاج الحديثة، إذ تُقام حفلاته في منزل المريض مقتصرةً على الغناء والتصفيق بحضور ما لا يزيد على أربعة أو خمسة أشخاص، لكن مع مرور السنوات تحول "الزار" من طقس عقائدي أو روحي إلى حفلات ترفيهية للشباب، مقترنةً بالرقص الهستيري.
على نغمات الفن الخبيتي والسامري، باتت الفرق الشعبية تتنافس على إحياء جلسات "الزار" التي نجحت في اجتذاب الجماهير الشبابية، للمشاهدة والاستمتاع بحثاً عن نشوة "الزار" أو الاستنزال المنتظر. فبمجرد بدء حركات محددة تدل على أنهم يحملون "الزار" قبل أن تتحول إلى رقص بلا وعي، تتسابق أعين الجماهير لالتقاط المشاهد غير العادية.
أحد أشهر هؤلاء الفنانين هو شبح بيشة، مغن ومحيي سهرات طربية يُعد من نجوم الصف الأول في سوق فناني المناسبات، حضرنا إحدى حفلاته بحثاً عن حكاية "الزار"، سألناه عن مدى صدقية تلك الحالة، فقال "الشياطين تتلبس البشر، وهذا ثابت ولا ينكره أحد. حضوره أثناء الطرب وعزف الموسيقى نحن نسميه حضور "الزار"، لكن هم في نهاية الأمر شياطين".
وعن سبب حضورهم في الحفلات الغنائية، يقول "من الشياطين "الجن الراقصون" الذين يطربون على أغنية، وأحياناً يطلبون أغاني معينة، وبعضهم يردد كلمات القصيدة كاملة ويطلبها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف شبح بيشة "عندما نلعب على الأغاني القديمة بالذات تحصل "الحضرة"، يحضرون مباشرة فهم يحبون الشعبي والقديم"، مضيفاً "حتى عندما يقرر المغادرة، يشترط إيقاعاً معيناً أو أغنية محددة ليرحل، فنلبي طلبه لأنه حضر "طربان"".
وحول بعض الظواهر التي يقوم فيها بعمل سلوكيات معينة مثل أكل الجمر أو لمس النار، وممارسة أعمال خطرة أخرى، يرد "من ماذا خُلق الجن؟ خلق الجان من مارجٍ من نار، فعندما يمسك بالنار أو يأكلها فهذا أمر طبيعي وانجذابه لها جزء من طبيعته، فإذا كان جنياً حقيقياً وليس شخصاً مدعياً فلن يتأذى".
وأتى اللقاء المذكور في حلقة بعنوان "الجن والزار" ضمن سلسلة وثائقيات تنشرها "اندبندنت عربية" منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021، تحت عنوان "أما بعد"، تتناول مواضيع علمية وسياسية واجتماعية من منظور موسوعي ومعرفي مختلف، يركز على تقديم معلومات شيقة على أساس التحليل العميق والدقيق، عن الأحداث والمفاهيم والظواهر التي من حولنا، في محتوى بصري محترف مدعم بمخرجات "فن الاتصال البصري" (الغرافيك) وتحريك الصور (الأنيميشن).