ينتظر ملايين السوريين القابعين في خيام مهترئة شمال البلاد القرار الدولي المرتقب خلال الأيام القليلة المقبلة بتمديد إيصال المساعدات الإنسانية، في وقت ليس بمقدور العائلات المنتشرة بين السهول والجبال فعل أي شيء لتحسين أحوالها وتكتفي بالانتظار.
يقول الرجل الستيني، رياض قرنفل الذي يعيش مع عائلته الصغيرة في مخيم قرب قرية آطمة إلى جانب الحدود التركية، إن الحصول على حمام للاغتسال يعد رفاهية لا تتوفر بشكل يسير، ويشير السيد قرنفل النازح من ريف إدلب الجنوبي إلى أن "وجود كأس ماء بارد هو مطلب شبه مستحيل في هذا الجو الحار، بل إن الماء النظيف الصالح للشرب غير متوفر من الأساس".
وتقاسي العائلات النازحة للحصول على الغذاء والدواء، حيث تدني مستوى المساعدات المقدمة، وتتشابه حالة قرنفل مع حالات كثيرة، في حين أن هناك عائلات لا تملك حتى الخيمة وتتقاسم "البيت القماشي" مع عائلة أخرى.
كارثة إنسانية في الشمال
في العاشر من يوليو (تموز) الجاري سينتهي التكليف الأممي لإرسال المساعدات، الأمر الذي يتطلب تمديد العمل به. وسدت روسيا الطريق على أعضاء مجلس الأمن في جلسة الجمعة 8 يوليو باستخدام حق النقض على مشروع قرار قدمته النرويج وإيرلندا لتمديد آلية المساعدات، وتعزو روسيا هذا الرفض بأنه يأتي من دون موافقة دمشق، معربة عن موافقتها لإرسال المساعدات شريطة إرسالها عبر الدولة وبموافقتها، وإلا سيعتبر ذلك "انتهاكاً لسيادتها".
من جهتها ترفض الدول الأوروبية التنسيق مع دمشق بعد اندلاع النزاع عام 2011 وأمطرتها بالعقوبات الاقتصادية والسياسية والمقاطعة الدبلوماسية، ولهذا تدفع باتجاه إرسال مساعدات لأكثر من أربعة ملايين سوري هجّروا بسبب الحرب الدائرة.
وفي وقت أخفق مجلس الأمن الدولي في التوصل لقرار تمديد التفويض بعد وقائع جلسة ساخنة في نيويورك امتدت لأربع ساعات متواصلة حيث حظي القرار، الذي أعدته بتأييد 13 صوتاً، بينما امتنعت الصين عن التصويت. ويحتاج أي قرار إلى موافقة تسعة أصوات وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حق النقض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتجه الأنظار إلى معبر باب الهوى بين تركيا وسوريا شمالاً لعبور كميات من الغذاء والدواء، ويؤكد مسؤول بإدارة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية بالمفوضية الأوروبية، أندرياس بابا كونستانيتو في تصريحات صحافية مع انتهاء التفويض من المعبر "ليس لدينا أي نظام آخر، هذا المعبر يعد شريان الحياة لملايين السوريين".
التجاذبات السياسية على أطراف المعبر
في هذه الأثناء تتخوف دمشق وحلفاؤها من استغلال ذلك والمرور بمناطق في إدلب تسيطر عليها فصائل متشددة، وتلعب التجاذبات السياسية دوراً في الموافقة على تمرير المساعدات، لا سيما أن الكرملين اليوم يعيش صراعاً ضد الولايات المتحدة والدول الأوروبية في أعقاب الحرب الأوكرانية، وبالتالي لن يسمح بتمديد الآلية المتبعة منذ عام 2014 والتي أقرتها الأمم المتحدة.
من جهتها تحذر المنظمات الإنسانية والإغاثية من أحوال قاسية ستصل إلى إعلان كارثة محدقة مع نقص الإمدادات، وقالت منظمة العفو الدولية، إنه على أعضاء مجلس الأمن تمديد القرار لإيصال المساعدات إلى ما لا يقل عن 4 ملايين من السكان والنازحين في الشمال الغربي "ويعيش حوالى 1.7 مليون شخص حالياً في مخيمات، 58 في المئة منهم من الأطفال، لا تتوفر لديهم سوى إمكانيات ضئيلة للوصول إلى المياه وخدمات الصرف الصحي".
المساعدة بإعادة الإعمار
ويتحدث ناشطون في المجال الإغاثي والإنساني يمارسون عملهم على امتداد مخيمات الشمال في ريفي حلب وإدلب عن وجود 1489 مخيماً بينهم 452 مخيماً عشوائياً، وهذا الأمر يحمل المنظمات الإغاثية العاملة على الأرض كثيراً من الصعوبات والتحديات.
ويرى الناشط محمد الشيخ أن المخاوف من وقف الإمدادات تسري بين العاملين في القطاع الإنساني، مضيفاً، "أن ذلك سيخفض من أداء العمل وأساساً نحتاج إلى كثير من الدعم، إن العائلات ذات الأفراد الكثيرة تتشاطر الحصص الغذائية وأرغفة الخبز قليلة العدد، في وقت ترتفع أسعار المنتجات بشكل كبير مع عدم توفر فرص عمل للرجال والشباب".
في هذه الأثناء، يحاول الأوروبيون تقديم مقايضة في ملف المساعدات لروسيا بغية تمريرها عبر الحدود الشمالية، عبر التلويح بشراكة في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، وهو الأمر الذي طالما تحفظت الدول الغربية عن المشاركة به إلا بإجراءات تسوية سياسية تتضمن حلاً شاملاً للأزمة في البلاد.