سجلت تونس ارتفاعاً في إنتاج الفوسفات اعتُبر الأهم منذ ما يزيد على عشر سنوات. وعرفت شركة فوسفات قفصة، ولأول مرة منذ عام 2012، زيادة في مستوى الإنتاج لم يحقق طوال هذه المدة التي سيطرت عليها احتجاجات وتجاذبات اجتماعية، تلاها توقف تام بمراكز الإنتاج بمناجم قفصة (جنوب غربي تونس)، وكذلك وحدات التحويل بالجنوب الشرقي بمحافظة قابس.
وارتفع الإنتاج إلى مليونين و13 ألف طن من الفوسفات التجاري خلال السداسية الأولى من السنة الراهنة، على الرغم من التوقف التام لنشاط وحدات الإنتاج بموقعين، وهما الرديف وأم العرائس (محافظة قفصة بالجنوب الغربي) بما ينبئ بشبه انفراج في الملف الحارق الذي تسبب في حرمان تونس من أحد أهم موارد العملات.
وكانت تونس قد استأنفت تصدير الفوسفات في شهر مايو (أيار) 2022 بعد توقف دام لأكثر من عشر سنوات، وتعمل الحكومة الحالية على تحقيق حجم صادرات يساوي خمسة ملايين طن لكامل السنة.
سداسية قياسية
وكشفت شركة فوسفات قفصة أنها، وعلى الرغم من استمرار توقف "المغاسل" بمناجم أم العرائس والرديف عن نشاطها في إنتاج الفوسفات التجاري، تمكنت في الأشهر الستة الأولى بالسنة الراهنة، من إنتاج يفوق مليوني طن، وهو مستوى لم يتحقق في السداسية الأولى من السنة منذ أكثر من عقد، وتسببت الاضطرابات الاجتماعية طيلة العشرية، المتمثلة في احتجاجات الأهالي بمنطقة المناجم ومطالبتهم بالتشغيل، في تهاوي الإنتاج، حيث عمد المتظاهرون إلى تعطيل منشآت الشركة من أجل الضغط على السلطات. ويتواصل توقف إنتاج الفوسفات بمغسلة الرديف (محافظة قفصة)، منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، فيما توقف نشاط مغسلة أم العرائس بالمحافظة ذاتها منذ ديسمبر (كانون الأول) من سنة 2021، بسبب الاحتجاجات، ما حرم الشركة من إنتاج 800 ألف طن إضافي من الفوسفات التجاري، وتحقيق الهدف الذي رسمه مخططها، وهو بلوغ ثلاثة ملايين طن خلال النصف الأول من سنة 2022.
تزويد سوق الأسمدة
وساعدت زيادة الإنتاج في التخفيف من أزمة الأسمدة بالقطاع الزراعي، جراء توقف الإنتاج في السابق. وزودت شركة فوسفات قفصة، خلال النصف الأول من السنة، مصنعي الأسمدة الكيماوية بمليون و865 ألف طن من الفوسفات التجاري، الأمر الذي مكن المجمع الكيماوي التونسي والشركة التونسية الهندية لصنع الأسمدة، من دعم مخزونهما من الفوسفات المخصص لإنتاج الأسمدة، ومن ثم استعادة النشاط وتصنيع الأسمدة الكيماوية على امتداد شهر من دون توقف.
وأعلنت شركة فوسفات قفصة استئناف استخراج الفوسفات الخام من منجم أم الخشب في المتلوي (محافظة قفصة)، بعد حصولها أخيراً على "رخصة التفجير" المخصصة بهذا المنجم، الذي توقف عن النشاط منذ بداية هذا العام بسبب الترخيص.
ومنجم أم الخشب لاستخراج الفوسفات الخام دخل حيز الاستغلال منذ عام 2015، ويعد من أكبر مقاطع الاستخراج في المساحات المنجمية بالمنطقة. ويوفر طاقة استخراج سنوية تعادل مليوني طن من الفوسفات الخام. ويذكر أن الكميات المستخرجة توجه نحو مغاسل المظيلة بالمحافظة ذاتها، ثم تحول إلى فوسفات تجاري. وتعول الشركة كثيراً على استئناف نشاط منجم أم الخشب بهدف دعم مخزونها من الفوسفات الخام والترفيع من طاقة إنتاج مغاسل المظيلة، وبالتالي إنتاج الفوسفات التجاري.
وتخطط تونس لإنتاج نحو ستة ملايين طن عام 2022، متوقعة ارتفاع الإنتاج بأكثر من 25 في المئة عما جرى إنتاجه العام الماضي، باستغلال تحسن الوضع الاجتماعي في منطقة الحوض المنجمي وتهيئة ظروف نقل المواد الخام نحو مصانع التحويل. وتحاول تونس استغلال فرص تنامي الطلبات في السوق العالمية والزيادات اللافتة لأسعار مادتي الفوسفات والأسمدة، ما من شأنه أن يثري العائدات من العملة الصعبة، ويحسن التوازنات المالية لشركة "فوسفات قفصة" التي عانت وعلى مدى 11 عاماً من تدهور جراء تراجع الإنتاج وتوقف تسويقه محلياً وعالمياً.
إصلاح هيكلي
وكشفت نائلة نويرة القنجي، وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة لـ"اندبندنت عربية" عن أن وحدات تحويل الفوسفات استعادت نشاطها، وهي مصانع الأسمدة بـ"المضيلة 1" و"المضيلة 2" بمحافظة قفصة بالجنوب الغربي، بعد تعثر دام عامين، وعادت لمد المصنعين بقابس وصفاقس بالساحل الشرقي بالكميات اللازمة لتحويلها إلى أسمدة، مشيرة إلى أن مستوى الإنتاج ارتفع إلى أكثر من 212 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما عادت إلى العمل خطوط نقل الفوسفات من المناجم لوحدات التحويل، وعبرت القنجي عن أملها في أن تحقق تونس بفضل هذا النسق السقف الذي حددته للإنتاج عام 2022، وهو ستة ملايين طن.
لكن الوزيرة عادت لتشير إلى أولويات الوزارة، وهي الإصلاح الهيكلي الضروري الذي تحتاج إليه منظومة الفوسفات في تونس، وبالتحديد المجمع الكيماوي الذي يعاني عجزاً مالياً متفاقماً، حيث تضع الحكومة استراتيجية في هذا الأمر.
السعي إلى استعادة العملاء
وتستعيد تونس، بصفة تدريجية، عملاءها التقليديين، وتتلقى طلبات متزايدة على الفوسفات من فرنسا وكندا والبرازيل وتركيا وإندونيسيا وباكستان، بعد أن استأنفت التصدير في شهر مايو الماضي، بعد توقف دام 11 سنة.
المتخصص في الشأن الاقتصادي حسين الرحيلي، يقول إن النسق الحالي لا يبدد المخاوف حول تقطع نسق الإنتاج، على الرغم من أنه حقق استقراراً نسبياً في الأشهر الأخيرة، وذلك بالنظر إلى توقفه بمغسلة الرديف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتوزع صادرات تونس بين 80 في المئة من الفوسفات المحول والحوامض و20 في المئة من الفوسفات التجاري، متجاوزة المنافس التقليدي، وهو المغرب الذي لا يوفر سوى 50 في المئة من الفوسفات المحول، إضافة إلى جودة المنتج التونسي الذي خسر ترتيبه الخامس عالمياً من حيث الكميات بـ8.5 مليون طن في السابق بسبب الاضطرابات الاجتماعية بمنطقة المناجم منذ سنة 2011.
وتراجع ترتيب تونس كثاني بلد منتج للحامض الفوسفوري في العالم بـ650 ألف طن وأول منتج لثلاثي الفوسفات الرفيع بـ1.2 مليون طن، مما كبدها خسائر تقدر بـ25 مليار دينار (8.33 مليار دولار)، إذ يوفر الفوسفات مداخيل للدولة التونسية قدرها مليارا دينار (666 مليون دولار) سنوياً، وبلغ عائدات شركة فوسفات قفصة 4.5 مليار دينار (1.5 مليون دولار) في السنة خلال الفترة السابقة لعام 2010.
ويكمن التحدي الذي تواجهه تونس حالياً في استعادة مصنعيها التقليديين، واغتنام تزايد الطلب على الفوسفات بالسوق العالمية وارتفاع الأسعار بمقتضى ظروف الحرب من 88 دولاراً للطن في أبريل (نيسان) 2021، إلى 175 دولاراً للطن في أبريل 2022، لكن يتحدد ذلك بمدى حسن إدارة الحكومة الحالية للملف الاجتماعي الحارق بمنطقة الحوض المنجمي التي تعصف بها الاحتجاجات والاضطرابات الاجتماعية، وسط عجز الحكومات المتعاقبة على حل هذا الإشكال المتسبب في اضطراب الإنتاج، بل وتوقفه بنسبة 75 في المئة بالسنوات الماضية، وعدم تجاوز الإنتاج ثلاثة ملايين طن في العشرية الأخيرة، وحرمان البلاد من أهم مورد لمداخيل العملات.