ينتظر حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" جولة ربما تكون حاسمة في الصراع الدائر على الزعامة بين بافل طالباني ونجل عمه لاهور شيخ جنكي بعد لجوء الأخير إلى القضاء الاتحادي في خطوة قد تضع الحزب في مأزق قانوني لدى دائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية التابعة لمفوضية الانتخابات، فيما أكد قانونيون أن اللجوء إلى القضاء الاتحادي يعطي صورة سلبية عن المؤسسة القضائية في إقليم كردستان.
وكان شيخ جنكي رفع في مايو (أيار) الماضي دعوى قضائية على نجل عمه بافل طالباني في محكمة استئناف بغداد الكرخ، بتهمة "مخالفة النظام الداخلي للحزب"، عقب إبعاد جنكي من رئاسة الحزب بالتشارك مع قادة آخرين في الثامن من يوليو (تموز) العام الماضي، إذ كانا انتخبا كرئيسين للحزب بالتشارك في عام 2020، قبل دخولهما في خلاف حاد على الزعامة.
وفي مطلع الشهر الماضي تزامناً مع ذكرى تأسيسه، أعلن الحزب رسمياً خلال "ملتقى" استمر أياماً عدة عن تنصيب بافل طالباني، نجل مؤسسه رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني زعيماً وحيداً للحزب، ليمنح سيطرة شبه مطلقة لعائلة طالباني الأب على القرار المركزي للحزب، في خطوة وصفها معترضون بأنها "مخالفة للنظام الداخلي في طريقة انتخاب الرئيس والقيادات من دون عقد مؤتمر عام".
تسريب للوثائق
فبعد فترة هدوء، عاد الخلاف إلى الواجهة مع بث وسائل إعلام تابعة لجنكي وثيقة، قالت إنها "نسخة من أمر ولائي صادر عن محكمة الكرخ في بغداد، تقضي "بإيقاف جميع الإجراءات الخاصة بتغيير المنهاج والنظام الداخلي للحزب وإيقاف قرار استبعاد جنكي، مع حجز ملف الحزب لدى المفوضية العليا للانتخابات". وأكدت أن الأمر "أرسل إلى دائرة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية في المفوضية، إضافة إلى إبلاغ بافل طالباني بالأمر الولائي".
إلا أن وسائل إعلام حزب "الاتحاد" سارعت إلى نفي صحة صدور أي قرار من المحكمة، قائلة "إنها مجرد إشاعات"، ونشرت وثيقة "توضح رد محكمة الكرخ الدعوى المقامة ضد الحزب بتاريخ 12 يونيو (حزيران) الماضي"، مشددة على أن "عدم نشر رد الدعوى حينها كان من أجل مراعاة الإجراءات الإدارية والقانونية، لكننا اضطررنا إلى نشره اليوم لإبطال الإشاعات"، في حين لم يصدر عن المحكمة المعنية أي بيان بشأن صحة الوثائق المسربة إلى الإعلام، سواء صدور الأمر الولائي من عدمه.
مشهد ضبابي
متخصصون قانونيون أشاروا إلى أن الوثيقة الأولى تظهر صدور الأمر الولائي بغياب المدعى عليه، فيما تظهر الوثيقة الثانية إقدام الحزب على تمييز القرار وتمكنه من كسب القضية"، وما زاد المشهد ضبابية عندما صدرت لاحقاً تصريحات لمسؤولين من الطرفين نفوا فيها "صحة صدور أي قرار من المحكمة بشأن الدعوة المرفوعة من قبل جنكي"، إذ نفت مسؤولة مكتب حزب "الاتحاد" في بغداد رابحة حمد صدور أي قرار من المحكمة، كما برز موقف مماثل من مقربين من جنكي وقالوا إن "محامي جنكي لم يتلقَّ أي إخطار بصدور مثل هذا القرار".
وعلى الرغم مما أثير في وقت سابق عن أن محكمة الكرخ ستعقد جلسة لإصدار قرار بشأن القضية في الأول من أغسطس (آب) المقبل، ذكرت تسريبات أن "ملف القضية نقل إلى محكمة كركوك".
هيئة قضائية ثلاثية
وإزاء الموقف من الناحية القانونية، قال الخبير القانوني علي التميمي إنه "وفقاً لقانون الأحزاب رقم 36 لعام 2015، يجوز الاعتراض على حزب أو كيان أو تشكيل، وتكون جهة الطعن الهيئة القضائية الثلاثية المشكلة بموجب قانون مفوضية الانتخابات رقم 31 لسنة 2019، ومهمات الهيئة بتّ الاعتراضات والشكاوى المرفوعة على الأحزاب، ومن الطبيعي فإن قرارها يكون قابلاً للطعن أمام المحكمة الاتحادية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف التميمي، "تظهر الأحداث أنه تم الطعن في صحة العضوية، بعد ذلك رفع طلب بإصدار أمر ولائي، ويبدو أن الهيئة القضائية رفضت ذلك ليقدّم طلب لتمييز القرار وفق المادة 216 من قانون المرافعات أمام محكمة الاستئناف التي من جانبها رفضت ذلك أيضاً. وهنا يعتبر الموضوع من حيث إصدار الأمر الولائي غير ممكن، لكن يبقى القرار الذي سيصدر عن الهيئة القضائية الثلاثية هو المعول عليه باعتباره قراراً نهائياً، أي إن الهيئة القضائية الثلاثية المرتبطة بمفوضية الانتخابات هي المعنية بإصدار القرار النهائي وهو قابل للطعن أمام المحكمة الاتحادية الذي سيكون قرارها باتاً وملزماً وفق المادة 94 من الدستور".
وتتزامن هذه التطورات مع ذكرى مرور عام على نشوب الخلاف بين الزعيمين بافل وجنكي، وأصدر الأخير بياناً مطولاً قال فيه، "عدم الاستسلام مطلقاً، وسأبقى ملجأ الحزب والجماهير". وشدد على "مواصلة النهج الوطني للحزب وبدعم من أعضائه المخلصين، وستكون لنا برامج وخطط جادة لإعادة إحياء الحزب بعد صدور قرار القضاء، إذ إننا رفعنا دعوة قضائية لدحض الاتهامات وتصحيح قرارات الحزب الخاطئة". ووصف قرار إبعاده بأنه "كان مخططاً خبيثاً لتنفيذ انقلاب عسكري بدعم من أطراف داخلية وخارجية أشعل النار في بيت الحزب، والذي سيظل وصمة سوداء في التاريخ، ليس على صعيد الحزب فقط بل كان أيضاً نكسة للديمقراطية والقانون".
تبعات قانونية وإجرائية
وفي آثار تبعات الخطوة، يعتقد أستاذ القانون في جامعة السليمانية إسماعيل نامق أنه "في ما لو ثبتت صحة صدور الأمر الولائي، ولم يلتزم به حزب الاتحاد ربما القضاء سيحرمه من المشاركة في الحكومة الاتحادية، وكذلك يحظر ممارسة أنشطته السياسية من قبل دائرة الأحزاب السياسية في مفوضية الانتخابات"، لافتاً إلى أن "الدعوى المرفوعة لها مدلول واحد هو أن المتنفذ في السلطة وغير المتنفذ لم يعودا يثقان بنزاهة وعدالة المؤسسة القضائية في كردستان، لأنها مثل بقية المؤسسات تخضع لسلطة الحزب والمسؤولين المتنفذين".
وتساءل نامق "هل هناك مسؤول في أربيل مستعد للمثول أمام محكمة في السليمانية، سواء كمدّعٍ أو مدعى عليه؟ والعكس صحيح، لذلك لجأ شيخ جنكي إلى بغداد، إذ كان بإمكانه أن يطالب بحقوقه في السليمانية، لكن بما أن القضاء مثل بقية المؤسسات يخضع لسلطة منافسه (بافل طالباني)، فإنه لم يجازف بضياع حقه، لذا توجه إلى بغداد مضطراً".
محاولة اغتيال
وفي سياق آخر، تعرض منزل حاجي مصيفي، القيادي البارز في الحزب بمدينة أربيل إلى هجوم مسلح، أسفر عن إصابة أحد حراسه بجروح. وأعلن مصيفي أن "المهاجمين جاؤوا لقتلي في غرفة نومي، لكنهم فشلوا"، نافياً "أي صلة بين دوافع الهجوم بالخلافات داخل الحزب، كما لا تتعلق أيضاً بالخلافات القائمة مع الحزب الديمقراطي، فليست لدي خلافات سواء مع بافل أو جنكي". وزاد، "أنا لا أتهم أحداً، ولم أرفع دعوى ضد أي شخص، بل رفعت دعوى كحق عام فقط"، وختم قائلاً، "سيكون لي حديث آخر في حال عدم توصل التحقيقات إلى نتيجة".
وسارع محافظ أربيل أوميد خوشناو إلى الإعلان عن "الكشف عن هوية المهاجمين في حال إلقاء القبض عليهم"، وأردف، "إذا كان القبض عليهم مهماً لمصيفي، فهو مهم لنا كلجنة أمنية بأضعاف".
ويتقاسم الحزبان الكرديان التقليديان النفوذ والسلطة في الإقليم، وما زالا يعانيان من آثار "حكم الإدارتين" الذي نشأ بعد حرب أهلية خاضاها منتصف تسعينيات القرن الماضي، تمكن خلالها الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني من فرض نفوذه على المناطق الوسطى والشمالية من الإقليم وأهمها أربيل ودهوك، بينما خضعت المناطق الشرقية والجنوبية لسيطرة حزب طالباني، ومركزها السليمانية.
أما الخلافات بين أجنحة حزب طالباني، فليست جديدة، إذ شهد الحزب منذ تأسيسه عام 1975 سلسلة من المنعطفات بعد انشقاق طالباني الأب عن حزب بارزاني، مستقطباً خمس قوى كردية ليصبح قوة منافسة، لكنه غالباً ما واجه أزمات وتصدعات داخلية بين قياداته، إلى جانب خوضه صراعات مسلحة مع حزب بارزاني وقوى أخرى، ثم تلقى ضربة موجعة على إثر انشقاق أبرز قادته المخضرمين نوشيروان مصطفى عام 2006، معلناً تشكيل حركة "التغيير" كأول قوة كردية معارضة، وأخذ الشرخ بين قياداته في الاتساع مع إصابة زعيمه جلال طالباني بجلطة دماغية عام 2012 ومن ثم وفاته عام 2017.