منذ مارس (آذار) 2019، وفي أعقاب سقوط آخر معاقل تنظيم "داعش"، يعيش شمال شرقي سوريا حالة حذر بسبب وجود عشرات آلاف المعتقلين من أفراد التنظيم داخل السجون، بينما عائلاتهم من نساء وأطفال يقبعون بمخيمات تحت رقابة وسيطرة خاضعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من دون تحديد مصيرهم. وبرز حديث دبلوماسي أميركي بضرورة التوصل إلى حل للآلاف من هؤلاء قبل أن يفوت الأوان، إذ حذر القائم بأعمال منسق وزارة الخارجية الأميركية لمكافحة الإرهاب تيموثي بيتس من "احتمال عودة (داعش) كلما طال بقاؤهم على هذا الشكل، بحيث يمنحهم مزيداً من فرص التحرر من قبل مجموعات مسلحة تقاتل على الأرض، إضافة إلى تجنيد من هم بمخيمات النازحين".
وأعلن بيتس عن تلك المخاوف في حديث لمعهد الشرق الأوسط مطالباً بإيجاد حلول لها، ووضع يده على أكثر المشكلات الشائكة والمعقدة، التي تثير استياء الغرب، وتتلخص بإعادة معتقلي "داعش" من أصول أجنبية، فقال إن "هناك ما يقرب من 4 إلى 5 آلاف مقاتل غير سوري، والحل الدائم والوحيد للتحدي الذي نواجهه في شمال شرقي سوريا هو أن تستعيد كل دولة رعاياها من المعتقلين الذين يقبعون في مخيمات النازحين".
الرقم الصعب
في غضون ذلك، تثير المجموعات المتفرقة من خلايا التنظيم غبار البادية مجدداً، لا سيما بعد مصرع أحد أبرز قادتها، ماهر العقال، الذي يُعد المسؤول عن خطط التمويل، بغارة جوية أميركية، بينما تعيش قوات النظام السوري ومعها "خبراء روس" بمشاركة الطيران الحربي حالة مطاردة في عباب الصحراء لملاحقة فلول التنظيم، فيما لم يمنع قوات "قسد" انشغال قادتها وأفرادها بالتحضير والتأهب لصد العملية التركية المزمع إطلاقها بشكل مفاجئ، من المشاركة في محاربة "داعش".
"حالة من الترقب تعيشها المنطقة بأكملها أشبه بالسكون الذي يسبق العاصفة"، هكذا يصف الوضع، الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، خليل دياب، مشيراً إلى "خطر محدق يتربص الشمال الشرقي من البلاد ما لم يُعَد ترتيب أوراقها، إذ تحتشد شرقاً وشمالاً فصائل وميليشيات كردية وإيرانية من جهة مع تحضير القبائل العربية لإطلاق فصائلها الخاصة بعد معارك مع قوات حماية الشعب، علاوةً عن وجود جيوش أجنبية كالروس في قاعدة جوية بالقامشلي والأميركيين في قاعدة التنف، إضافة إلى قوات قوى التحالف الدولي والجيش النظامي وغيرها من الفصائل".
ويرجح الباحث دياب أن أميركا باتت تفكر في وضع حل عبر التلويح بإعادة الأجانب من مسلحي "داعش" إلى بلدانهم الأصلية، "وهو مطلب أميركي قديم، يعطي إشارة إلى رؤية جديدة، أو حالة توجس من حرب قريبة النشوب لعل أنقرة اقتربت بالدفع بعمليتها، بالتالي يحاول فلول (داعش) الاستفادة من حالة الفوضى لتحرير قادة وأفراد جماعتهم المتطرفة، فبلا شك مشهد الهجوم على سجن الصناعة في وقت سابق سيتكرر في حال تعرضت البلاد إلى أي معارك دامية وشديدة العنف".
من جهته، يجزم قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبادي بمشاركة قواته في العمليات التي تحدث ضد تنظيم "داعش". وقال في مؤتمر صحافي، الجمعة 15 يوليو (تموز) الحالي، إن العمليات "تلقى كل الدعم والتأييد من قواتنا"، محذراً في الوقت ذاته مما وصفه بـ"العدوان التركي" الذي يتحضر لمناطق سيطرة قوات الفصائل الكردية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عودة "داعش" أو الزوال
من جهة أخرى، تفيد المعلومات باتساع نشاط مجموعات "داعش" في أعقاب الهجوم الأخير على سجن الحسكة، الذي تدخلت القوة الأميركية لصده، والذي كان يستهدف تحرير معتقلين من أفراد التنظيم، وعلى الرغم من خسائر تكبدها المهاجمون، فإنهم أفلحوا بتحرير عشرات المسجونين، ومنهم قادة، وتم إجلاؤهم إلى مناطق بالقرب من الحدود العراقية. وبحسب المعلومات الواردة فقد شُيِّدت معسكرات تدريب، منها ما يطلق عليه تسمية "أشبال الخلافة" وهم من الفئة العمرية الفتية منذ عام كامل.
في المقابل، يعتقد مراقبون أن عودة التنظيم إلى ما كان عليه هو "ضرب من الخيال"، ويقللون من خطر أفراده ويعدون وجوده إلى زوال، لكن ربما هذا الاستنتاج يُعتبر بعيداً من الواقع، لا سيما مع وجود 70 ألفاً من عائلاتهم يعيشون بمخيمات، أبرزها مخيم "الهول" القريب من الحدود السورية - العراقية، حيث تتزايد فيها الخطورة والعنف إذ يضم نساءً وأطفالاً. وينظر قادة فلول التنظيم إلى هؤلاء كخزان بشري يصنع فرقاً يعولون عليه في حال التحرك نحو أي معركة مقبلة.
وامتلك "داعش" قبل أفوله سجلاً حافلاً بالعمليات المنظمة والتدريب المكثف وطويل الأمد، كما يراهن منذ عام 2014 على قدراته بالتحمل والتخفي والتمويه، ويساعده بذلك الموقع اللوجيستي الذي يحظى به في البادية مترامية الأطراف، التي تصل إلى عدة دول. وتشكل هذه المكانة تهديداً متزايداً للمصالح الاقتصادية، حيث تتعثر مخططات ومشاريع اقتصادية للحكومة بحكم تهديدات بدأت قبل عام من قبل أفراد التنظيم، بينما يخامر فريق من المتابعين الشك بعودة التنظيم في ثوب جديد يحمل اسماً جديداً بهيكلة وسياسة عسكرية تتقارب مع دولة التنظيم التي سقطت قبل أعوام.