مع انتهاء زيارة جو بايدن إلى الشرق الأوسط ولقاءاته مع قادة المنطقة خلال زيارته إلى السعودية، تباينت تقييمات الخبراء الأميركيين ومراكز البحوث والدراسات في واشنطن حول نتائجها، سواء أكان ذلك على صعيد التعاون الأمني، أو التأثير على إيران، أو من حيث المواجهة مع روسيا والصين في الشرق الأوسط، فما هي النقاط التي يرى الأميركيون أنها حققت نجاحاً، وتلك التي فشل بايدن في إنجازها أو تحتاج ربما إلى أسابيع أو أشهر قبل الحكم عليها؟
تقييمات متباينة
من وجهة نظر الإدارة الأميركية، فإن رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط التي بدأت في إسرائيل والضفة الغربية، وانتهت في السعودية، عززت سمعة الرئيس الأميركي كرجل دولة حقق مكاسب استراتيجية، عبر السعي إلى موطئ قدم أكبر في المنطقة بينما تشق روسيا والصين طريقهما إليها، ونجح في طمأنة الحلفاء التقليديين الذين سعوا إلى إحياء العلاقات مع أهم شريك أمني لهم، ونتج عن هذا الدفء خطوات للتقريب بين القدس والرياض، واندفاع متجدد لحل الصراع المستعصي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ورهان أوسع في أن تزيد السعودية إنتاج النفط لسد عجز الطاقة في الغرب خلال أسابيع أو أشهر من الآن.
غير أن التقييم الشامل للصورة يتباين لدى المراقبين والخبراء المتخصصين في واشنطن، استناداً إلى مخرجات قمة جدة مقارنة بما كانت تطمح فيه الإدارة الأميركية، فعلى الرغم من نجاح بايدن في طمأنة القادة التسعة العرب، بأن الولايات المتحدة باقية في المنطقة ولن تغادرها وستظل شريكاً أمنياً نشطاً، وحليفاً استراتيجياً على أكثر من صعيد، فإنه فشل في تأمين التزامات من السعودية تجاه محور أمني إقليمي يشمل إسرائيل، أو الحصول على تعهدات بزيادة فورية في إنتاج النفط، كما لم ينجح في تحقيق أي إنجاز ملموس لتحريك الجمود الحالي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
عودة إلى المنطقة
بالنسبة لإدارة بايدن، فإن الرحلة كانت تستحق العناء، من حيث تكريس مكانة الولايات المتحدة في المنطقة من خلال تعميق التعاون الدفاعي والأمني والاستخباري بين الولايات المتحدة والدول العربية وضمان حرية وأمن ممرات الملاحة البحرية، واستعداد واشنطن للعمل الجماعي مع دول مجلس التعاون الخليجي لردع التهديدات الخارجية لأمنهم، وهو ما يعيد الولايات المتحدة إلى المنطقة، ضمن إطار عمل جديد للشرق الأوسط يختلف عن الاستراتيجية التي اتبعتها الولايات المتحدة في السابق بخفض وجودها تدريجياً، والذي عززه الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
روسيا والصين
وفي وقت أوضح فيه بايدن في قمة جدة أن الولايات المتحدة لن تنسحب وتترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران، يشير السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، دانيال شابيرو، إلى أن زيارة بايدن، تدور أساساً حول منافسة الولايات المتحدة مع روسيا والصين، وأن القمة الافتراضية مع إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والهند، ترتبط بعدم حصول الصين على التكنولوجيا المتطورة، كما أن سعي الرئيس الأميركي إلى تحقيق هدف مماثل وهو زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار وتشديد العقوبات ضد روسيا، هو جزء من إعادة ضبط أوسع للعلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية التي تحتاج إليها واشنطن بشدة، إذ تأتي إعادة تأكيد الضمانات الأمنية الأميركية في مقابل توقعات واشنطن بأن المملكة ستتماشى مع المصالح الأميركية الأساسية عندما تتعرض للتهديد من قبل منافسيها العالميين. ويضيف شابيرو أن العلاقات في كل المنطقة الآن تتم من خلال هذه المنافسة الاستراتيجية، سواء في الأمن أو التجارة أو التكنولوجيا، وأن دعم بايدن للتكامل الإقليمي يستند إلى نفس الحسابات.
حسابات النفط
وفيما يحتاج بايدن إلى مساعدة السعودية، عملاق "أوبك"، في وقت ترتفع فيه أسعار النفط الخام قفزت معدلات التضخم إلى أعلى مستوياتها في 40 عاماً بما يهدد مستقبله السياسي، بدا قبول السعودية لزيادة إنتاج النفط يرتكز إلى معايير أخرى، إذ صرح وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير للصحافيين الأميركيين بأن أي قرار في شأن النفط سيرتكز إلى الأسس وليس التكهنات، وليس على الهستيريا، ولا على الجغرافيا السياسية، في وقت فسره موقع "بلومبيرغ" أنه يشير إلى احتمال تأجيل الإعلان حتى اجتماع "أوبك+" في شهر أغسطس (آب) المقبل، وأن الزيادات لن يتم حسابها حتى أوائل الخريف.
العلاقة مع إسرائيل
وبينما تجادل إدارة بايدن بأنها حققت إنجازاً تاريخياً عبر موافقة السعودية على فتح مجالها الجوي للطائرات المدنية الإسرائيلية، رد الجبير بأن فتح سماء بلاده لم يكن من منطلق الرغبة في التطبيع مع إسرائيل، بل طموح المملكة في أن تكون مركزاً عالمياً للابتكار والأحداث الرياضية الكبرى، ما يتطلب من أي شركة طيران أن تسافر إلى أو عبر السعودية، مشيراً إلى أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يتم قبل أي تغيير في العلاقات السعودية - الإسرائيلية.
في الوقت نفسه، اعتبر مراقبون أن السعودية، وهي أهم حليف عربي لواشنطن، صبت الماء البارد على آمال الولايات المتحدة في أن تساعد القمة على إرساء الأساس لتحالف دفاع جوي إقليمي يشمل إسرائيلي لمكافحة التهديدات الإيرانية، حيث قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، إنه ليس على علم بأي مناقشات في شأن تحالف دفاعي خليجي - إسرائيلي وإن المملكة لم تشارك في مثل هذه المحادثات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتفق محللون في أنه قد يكون من الصعب، الموافقة على خطة لربط أنظمة الدفاع الجوي للدول العربية التي ليست لها علاقات مع إسرائيل، وترفض أن تكون جزءاً من تحالف ينظر إليه على أنه ضد إيران.
ويعتبر موقع "رييل كلير وورلد"، أن الترتيبات الدفاعية في الشرق الأوسط ظل يشوبها الغموض منذ فترة طويلة ولا تبلغ مرحلة التنفيذ العملي بسبب تباين المواقف بين الأطراف الحليفة، فعلى سبيل المثال، شكلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب "التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط" عام 2017، وهي شراكة دفاعية مشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك مصر والأردن، وتم تسويقه كمشروع أميركي عربي لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق السلام على الصعيدين الإقليمي والدولي، لكنه فشل بسبب اختلاف الأولويات بين الدول المتحالفة، ففي حين اتفق جميع المشاركين على أن إيران تقف وراء لغة "التطرف والإرهاب"، إلا أن الهدف الحقيقي المتمثل في الردع والدفاع ضد إيران كان أولوية مشتركة بين بعض أعضاء التحالف، وهم الولايات المتحدة والبحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة، إلا أنها كانت أولوية لا يتقاسمها أعضاء آخرون، مثل عمان وقطر.
وفي حين أن إيران ما زالت هي التهديد الأساسي لتحالف الدفاع الجوي المقترح، فإن العلاقات الإيجابية المستمرة بين عمان وقطر مع إيران، تعني أن هدف التهديد من المرجح أن يظل غير محدد في أي اتفاقية جديدة.
التأثير على إيران
ترى باربرا سلافين، مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي، أن طهران، وهي تفوت فرصة أحياء الاتفاق النووي لعام 2015 وتهدئة مخاوف انتشار الأسلحة النووية في الخليج، من غير المرجح أن تقبل نظاماً استراتيجياً جديداً في الشرق الأوسط تستثنى منه، ولهذا، من المتوقع أن تضاعف إيران علاقاتها مع الشركاء العرب المحليين وكذلك مع روسيا والصين.
أما تبني إسرائيل باعتبارها "شريكاً استراتيجياً" في أي وقت في المستقبل، ودعم الردع العربي الإسرائيلي لإيران، فإنه سيؤدي إما إلى خفض التصعيد الإقليمي أو إلى زيادة اشتعال الصراع.
في المقابل، تعتبر نادرة شاملو، الباحثة في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي، أن تداعيات رحلة بايدن على إيران، تتمثل في أن الحياة ستكون أكثر صعوبة بالنسبة للمواطن الإيراني العادي، إذ سيؤدي الفشل في إحياء اتفاق إيران النووي المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، إلى مزيد من العقوبات والعقبات أمام الاقتصاد الإيراني، ومن المرجح أن يؤدي إلى إضعاف النظام الإيراني، وسيضيف عدم الاستقرار وعدم اليقين إلى منطقة مضطربة بالفعل.
ولكي يفرض النظام الإيراني سيطرته على الشعب، ومن المرجح أن يلجأ إلى مزيد من القمع والعنف ضد مواطنيه، وسيزداد خطر حدوث مواجهة أوسع إذا ضربت الطائرات الإيرانية، من دون طيار أهدافاً في إسرائيل أو استهدفت القوات الأميركية في العراق أو سوريا، ولهذا، ترى شاملو ضرورة أن يكون تركيز إدارة بايدن والمهتمين بالاستقرار في الشرق الأوسط على التقريب بين دول المنطقة، ربما تحت رعاية الأمم المتحدة، من أجل مناقشة تدابير بناء الثقة، وليس تعزيز خطوط الصدع القديمة.