ليست جبهات القتال في جنوب العاصمة الليبية طرابلس هي وحدها التي تشتعل فيها نار الحرب، بل أيضاً في كواليس الصراع الليبي، تدور حروب من نوع آخر للسيطرة على موارد الدولة. وتتجه الأنظار إلى أكبر معقلين للموارد، البنك المركزي ومؤسسة النفط، فتؤكد مصادر مسؤولة أن قادة مدينة مصراتة يسعون إلى نقل إدارات في المؤسستين إلى مدينتهم الواقعة شرق العاصمة بنحو 200 كيلومتر.
وضع مصراتة
وتُعتبر مصراتة أهم مدن غرب ليبيا، وتعيش حالة انتعاش اقتصادي كبير بسبب تركز أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة فيها وإدارة مصالحهم منها، كما أن كتائبها التي تُعد بالعشرات وفرت قدراً كبيراً من الأمن فيها، ما أشاع على ألسن كثيرين من الليبيين إلى إمكانية تحولها إلى عاصمة للبلاد. لكن مصادر مأذونة تحدثت لـ" اندبندنت عربية" قالت إن تلك الترجيحات قد تتحول إلى واقع في ظل تردي أوضاع قوات حكومة الوفاق في طرابلس.
وتعليقاً على ما أورده موقع أفريكا إنتيليجنس Intelligence Africa الأسبوع الماضي، حول سعي قيادات مصراتية، نافذة داخل حكومة الوفاق في طرابلس، إلى نقل أجزاء من البنك المركزي من العاصمة إلى مصراتة، قال أحد المصادر إن النقل قد يطال أيضاً أرشيف المؤسسة الوطنية للنفط، لكن ذلك مرتبط بمساعٍ سرية مشتركة بين شخصيات بارزة في المدينة وقيادات في الحكومة حذرت من "غضب دولي" إزاء هذه الإجراءات.
وكشفت المصادر ذاتها أن ما يجري في الكواليس "أمر معقد للغاية، فمن جانب يتوجب حماية معقل الموارد في البنك المركزي ومؤسسة النفط بشكل سريع، ما يفرض على الساعين إلى تحقيق ذلك، إقناع دول مرتبطة بالنفط الليبي"، موضحةً أن "الزمن يسابق تلك الجهود السرية بسبب تقدم الجيش نحو داخل طرابلس". وعن ردة فعل الحكومة، تؤكد المصادر أن رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج "لم يعد يملك القرار مقابل شخصيات تنتمي إلى مصراتة بدت هي المسيطرة كنائبه أحمد معيتيق، صاحب الصلات القوية بالحكومة الإيطالية وفتحي باشاغا وزير الداخلية الذي يبدو وكأنه هو مَن يقود الحرب". وأضافت أن "باشاغا يمارس غالبية مهماته من فندق داخل مصراتة إلى حيث نقل أهم إدارات وزارته".
وفيما أشارت المصادر إلى إن "الإجراءات داخلياً تسير بما يشبه الابتزاز والتهديد لمسؤولي البنك المركزي ومؤسسة النفط بسبب تورطهم في صفقات غير قانونية"، خصوصاً أن مكتب النائب العام الذي يتولى رئاسته شخص من مصراتة أيضاً، يحقق في ملفات فساد داخل المؤسستين، قرأ فتحي العريض، المستشار السابق لوزارة الاقتصاد الليبية، الخطوة بأنها مؤشر فعلي على ضعف الموقف العسكري لقوات حكومة الوفاق.
وسيلة ضغط
واستخدمت حكومة الوفاق المؤسستين للضغط على خصومها ومحاولة تغيير الموقف الدولي من عملية الجيش الوطني على طرابلس. ففي نهاية أبريل (نيسان) الماضي، أوقف البنك المركزي صرف رواتب جنود "الجيش الوطني"، كما خاطبت وزارة الاقتصاد مؤسسة النفط في مايو (أيار) الماضي بـــ"وقف التعامل مع 40 شركة نفطية"، من بينها "توتال" الفرنسية بزعم "انتهاء مدة العقود الممنوحة لها"، مكتفية بتجديد التعاقد فقط مع شركة إيطالية. كما أن مؤسسة النفط في طرابلس حاولت استخدام ورقة النفط، متهمةً في بيانات عدة، قوات الجيش الوطني باستخدام "موانئ النفط لأغراض عسكرية" وبقصفه مواقع تابعة لها داخل طرابلس. وقلّل العريض من فعالية الإجراءات، معتبراً أنها مؤشر واضح على الانهيار وربما الصراع داخل صفوف قوات حكومة الوفاق، لا سيما أن "مصراتة تمثل أكبر قوات الحكومة التي تقاتل الجيش حالياً". وليس إجراء نقل بعض الإدارات إلى خارج طرابلس، المؤشر الوحيد على الاضطراب الذي تعيشه حكومة الوفاق، بل تحدث مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني، العميد خالد المحجوب عن انشقاق عدد من كتائب قوات الوفاق سراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن المحجوب أن "بعض الوحدات العسكرية داخل طرابلس أكدت رغبتها في الانضمام إلى الجيش" وأن عدم إعلان انشقاقها يرتبط بأوامر لمهمات محددة، مؤكداً أنه "طلب منها البقاء لتوليها مهام السيطرة داخل العاصمة". ولفت إلى أن أحد أسباب امتناع الجيش عن حسم المعركة سريعاً، توفير الوقت لمَن أراد الالتحاق بقيادة الجيش. وعن إمكانية أن يُدخِل إجراء نقل مؤسسات مفاصل الدولة إلى مصراتة، حكومة الوفاق في خلافات وربما اقتتال مع فصائلها المنتمية لطرابلس، التي يمثل البنك المركزي بالنسبة إليها مصدراً مهماً للتمويل، قال العريض "لا أعتقد ذلك، فكتائب مصراتة باتت هي مَن تقود المعركة وميليشيات طرابلس تعرف أن انسحاب مصراتة يعني نهايتها أمام الجيش خلال لحظات، وبالتالي رضوخها لها أمر أكيد". وتابع "مصراتة باتت تمثل الملجأ الوحيد لهم أيضاً".
واعتبر العريض أن نقل وزارات، "شأن حكومي" "لكن نقل مؤسستين هما الأهم بالنسبة إلى المجتمع الدولي أمر غير ممكن، إذ لن يجازف أحد بالمساس بهما، بخاصة في ظل صراع لم تتحدد نتائجه لمصلحة أي من الطرفين حتى الآن"، مؤكداً في الوقت ذاته أن الأمر مرتبط بمواقف دول فاعلة ضمن الأزمة الليبية، بعيداً من الجانب القانوني والتشريعي. وقال "عندما قرر مجلس النواب، الجهة التشريعية في البلاد نقل البنك المركزي إلى البيضاء ونقل مؤسسة النفط إلى بنغازي، لم يستجب لقراره أحد وبقي العالم يتعامل مع المؤسستين في مقارهما في طرابلس على الرغم من أن محافظ البنك مقال بقرار رسمي من مجلس النواب"، مضيفاً أن "قرار النواب صدر قبل مجيء حكومة الوفاق، بينما استمرت دول مستفيدة من النفط الليبي في التعامل مع حكومة الإنقاذ أيام وجود المؤتمر الوطني العام الذي لا يعترف به أحد دولياً". ويسيطر الجيش على غالبية منابع النفط المهمة في الجنوب الليبي، ومنشآت تصديره في منطقة الهلال النفطي. وتُقدَر إيرادات النفط بمليارات الدولارات سنوياً. ولوّح رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى إمكانية الاضطرار إلى وقف إنتاج وتصدير النفط بسبب دعم "حكومة الوفاق" قواتها من موارده.