أيام قليلة ويتوج رئيس الجمهورية، قيس سعيد، المسار الجديد الذي وضعه لتونس، منذ 25 يوليو (تموز) 2021، بالاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي صدر بالجريدة الرسمية.
وتتفاعل في الشارع السياسي التونسي مختلف المواقف المتباينة إزاء مشروع الدستور بين من يراه استكمالاً لمسار التصحيح وقطعاً مع منظومة سابقة حكمت طيلة عشر سنوات ولم تنجح في تحقيق مطالب التونسيين في العيش الكريم، ومن يراه انقلاباً على الشرعية الدستورية وهروباً إلى الأمام في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية ومالية خانقة، وهناك من يختلف أيديولوجياً وسياسياً مع الجهات الرافضة لمسار قيس سعيد إلا أنه يلتقي معها في رفض طريقة حل البرلمان أو حل المجلس الأعلى للقضاء وغيرها من الإجراءات.
وتكشف الحملة الانتخابية لمشروع الدستور الجديد عن انقسامات حادة في الشارع التونسي يغذيها تبادل الاتهامات وهو ما يؤشر إلى تشكل مشهد سياسي مبني على الإقصاء والإقصاء المضاد قد يسهم في نفور التونسيين من المشاركة السياسية.
تراجع اليسار وانحسار شعبية "النهضة"
ويعتقد هشام الحاجي، النائب السابق في البرلمان، والكاتب الصحافي، في تصريح خاص، أن "الحملة الانتخابية الخاصة بالاستفتاء على مشروع الدستور تحيلنا على الانقسام الحاد الذي يشهده المشهد السياسي، وسط تواصل خطاب الإقصاء وتصيد الأخطاء والتخوين والتآمر وهذا يحول دون أي حوار حقيقي في المستقبل، ويهدد القواسم المشتركة التي من دونها لا يمكن أن تكون هناك حياة سياسية متطورة ومتجانسة".
ويضيف الحاجي أن اليسار تراجع دوره بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة وهو الذي كان الرقم الصعب في المشهد السياسي، ولم يعد يلعب دوره في التأطير وفي إحداث التوازن في المشهد.
ويقول النائب السابق "انحسرت شعبية حركة النهضة، وباتت غير قادرة على التأثير في موازين القوى، إذ لم تفلح الحركة في أن توجد حراكاً سياسياً يوقف هيمنة رئيس الجمهورية على المشهد ولم تنجح في أن تجند أنصارها في الدفاع سلمياً عن زعيمها راشد الغنوشي، وظهر ذلك من خلال الوقفة المساندة للغنوشي، أمام القطب القضائي والمالي التي شارك فيها بضع عشرات" .
طريق مفتوح
ويستنتج الحاجي أن "هذه المؤشرات تشير إلى أن رئيس الجمهورية في طريق مفتوح لتحصيل نسبة تصويت بنعم تسمح له بإقرار الدستور الجديد"، لافتاً إلى أن "نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد، لن تكون مرتفعة بسبب حالة الفتور لدى الرأي العام، والشرخ القائم بين النخب السياسية والتونسيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لقد راكم المشهد السياسي في تونس كثيراً من الخيبات طوال العشرية الماضية، ما عمق الهوة بين الطبقة السياسية وعموم التونسيين، ولم تشهد المحطة الانتخابية هذه السنة (الاستفتاء) الحماس نفسه كالانتخابات السابقة، بسبب حال الإحباط التي تسود المجتمع وسط أزمة اقتصادية واجتماعية تحكم قبضتها على التونسيين.
وبخصوص مرحلة ما بعد استفتاء 25 يوليو 2022 يؤكد الحاجي أن الأحزاب السياسية ستفقد تدريجاً مكانتها بسبب تراجع قدرتها على التأثير في الرأي العام، بينما سيكون قيس سعيد اللاعب الوحيد في الساحة السياسية وسيواجه تراكمات أزمة متعددة الأبعاد اقتصادية واجتماعية ومالية.
ويدعو الحاجي النخب السياسية إلى القيام بمراجعات ذاتية والعمل على تجديد قياداتها وابتكار آليات جديدة للتواصل مع التونسيين.
أحزاب من دون مبادرات
ومن جهته، يؤكد أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية عدنان منصر أن "الأحزاب السياسية في تونس، لم تتقدم بمبادرات قوية من أجل استرجاع مكانتها في المشهد السياسي، وبدت كأنها تراقب خطوات رئيس الجمهورية، الذي انفرد بحيز مهم من المشهد".
ويلفت منصر إلى أن رئيس الجمهورية "يعامل المنظمات الوطنية بالطريقة نفسها التي يعامل بها الأحزاب، ويعتبر أن مشاكل الأحزاب السياسية هي نفسها تنطبق على المنظمات الوطنية، لذلك لم يتعامل مع المنظمات واعتبرها في أكثر من مناسبة فاشلة في إدارة الشأن العام".
ويعتقد أستاذ التاريخ المعاصر أن "لحظة 25 يوليو أحدثت انقسامات وخلفت استقالات في عدد من الأحزاب السياسية، على غرار حركة النهضة التي تعيش على وقع أزمة داخلية أضعفت قدرتها على المناورة أو التيار الديمقراطي، الذي تغيرت تقييماته للحظة 25 يوليو".
ومثلت إجراءات 25 يوليو 2021 منعرجاً بالمشهد السياسي في تونس، نتج عنها تغيرات في الخارطة الحزبية في البلاد بظهور أحزاب جديدة على الساحة، داعمة لمسار قيس سعيد وولادة أحزاب من رحم أخرى كحزب "العمل والإنجاز" للقيادي السابق في حركة "النهضة" عبد اللطيف المكي، كما شهد عديد الأحزاب انقسامات داخلية ونقاشات عميقة تمحورت حول ضرورة تغيير آليات التعاطي مع الشأن العام في تونس.