من الرسوم والتعريفات التي أشعلت عدة حروب تجارية بين واشنطن وعدة عواصم عالمية، انتقل الرئيس الأميركي دونال ترمب إلى سوق العملات ليترقب العالم حرباً جديدة بخلاف الحروب التجارية المشتعلة منذ بداية العام الحالي. وقد يشكل التركيز المتجدد للرئيس الأميركي، على ما يعتبره أسعار صرف "غير عادلة"، مؤشراً إلى حلقة جديدة من حرب عملات من شأنها أن تترك تداعيات على الاقتصاد العالمي.
ويلحظ مشروع لوزارة التجارة إمكانية أن تفرض الولايات المتحدة رسوما عقابية على كل بلد تعتقد أنه يُضعِف عملتها ليبقي صادراته أرخص من المنتجات الأميركية. وكما أظهر هجوم ترمب على رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، فإن إجراءات السياسة النقدية الحالية يمكن أن تؤدي اعتبارا من الآن لانتقام أميركي. حيث اتهم الرئيس الأميركي "دراغي" الراغب في تحفيز اقتصاد منطقة اليورو، بأنه يريد خفض سعر اليورو مقابل الدولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خسائر تلاحق جميع العملات
ويحذر اقتصاديون من أن هذا الموقف قد يفتح الباب أمام حرب عملات عالمية تلحق أضراراً بالعملات كافة.
والتهديد الذي يلوّح به وزير التجارة ويلبر روس، الذي يعتبر صاحب موقف متشدد حيال المبادلات، قد يعرض واشنطن للانتقام إذا خفض الاحتياطي الفيدرالي معدلات الفائدة كما يرغب ترمب.
وعادة ما تقرر البنوك المركزية خفض معدلات الفائدة بهدف تحفيز الاقتصاد البطيء. وغالباً ما يسفر ذلك عن إضعاف معدلات أسعار صرف العملات، ما يؤدي بدوره إلى تعزيز الصادرات والنشاط الاقتصادي.
وقال الخبير الاقتصادي طارق الرفاعي، "إن حرب العملات بدأت منذ فترة كبيرة"، مشيراً إلى "أن الصين تتلاعب في سعر عملتها وفقما يتم تداوله من أخبار وتحذيرات".
وتوقع في اتصال لـ"اندبندنت عربية"، "أن يتجه الرئيس الأميركي إلى فرض عقوبات على الدول التي تتلاعب في سعر عملتها، ولكن هذا لن ينطبق على الاتحاد الأوروبي".
اقتراحات أميركية معيبة
من جهته، يبدي مارك سوبل، مسؤول الخزانة السابق في إدارات جمهورية وديموقراطية، "تحفظات جدية" عن الاقتراح الجديد.
وكتب في مذكرة وجهها إلى وزارة التجارة أن "الإدارة تعلق بشكل محق، أهمية كبيرة على مكافحة الممارسات النقدية التي تضر بالاقتصاد الأميركي والعمال الأميركيين"، لكنه تدارك أن الاقتراح "معيب بشكل أساسي، ويمكن أن تكون نتائجه عكسية".
وعلى مر السنين، اقترحت حكومات ونواب من الحزبين الجمهوري والديموقراطي عدم مهادنة البلدان التي تتلاعب بأسعار الصرف لديها لتكون أكثر قدرة على المنافسة في التجارة العالمية، لكن هذه الجهود، التي كانت تستهدف الصين تحديداً، قوضت في الغالب جزئياً باعتبار أنها تنتهك قواعد التجارة العالمية.
ومن المفارقات أن الصين التي تعتبر الهدف الرئيسي للاقتراح الجديد، لم تتدخل في أسواق العملات في السنوات الأخيرة، إلا منعاً لانخفاض قيمة اليوان، ولم تتمكن وزارة الخزانة الأميركية التي تنشر تقييما كل سنتين حول التلاعب بالعملات، من اتهام الصين رسميا بالتلاعب بعملتها منذ منتصف تسعينيات القرن الفائت.
لماذا يتحامل ترمب على رئيس المركزي الأوروبي؟
الدكتور ناصر قلاوون، أستاذ العلوم الاقتصادية في لندن، أكد "أن الرئيس ترمب حانق على (المركزي الأوروبي) لعدة أسباب خاصة مع اعتقاده بأن رئيس الاحتياطي الفيدرالي تسبب في بعض علامات الضعف في التوظيف الأميركي في الأداء الصناعي وهذه عادة السياسيين".
وأوضح، "ترمب يعتبر أنه قدّم تنازلات للاتحاد الأوروبي مثل تأجيل فرض رسوم على منتجات أوروبية ويابانية لمدة 6 أشهر. وفي ملف الصين، حاول إعادة إيجاد نوع من الإيجابية في الموازين التجارية، حيث كان العجز التجاري مع الصين في حدود 160 مليار دولار لصالح أميركا، لكنه يستخدم أسلحة سياسية لتحقيق التوازن في الميزان التجاري".
وأشار "قلاوون" إلى "أنه بالنسبة لأوروبا، فإن الميزان التجاري راجح لصالح أوروبا، ويرى ترمب أن ذلك مسؤولية المركزي الأوروبي الذي أقر سياسية التيسير الكمي التي سهّلت للبنوك الأوربية الاقتراض بفائدة صفر".
في الوقت نفسه يعتقد ترمب "أن مايرو دراغي يحاول الحفاظ على المكتسبات التي حققها خلال 8 سنوات مثل إنقاذ منطقة اليورو من عجز في قبرص واليونان وإيطاليا وإسبانيا وأيرلندا، وقدم حزم المساعدة من ناحية عدم حصول تفكك في العملة الأوروبية".
وأضاف "هناك شبهة في أن أوروبا تسعى وبطريقة غير مباشرة بأن يبقى سعر صرف اليورو متراجعا نسبيا ليدعم اقتصاديات مثل ألمانيا التي حققت فائضاً كبيراً بحدود ملياري يورو، ولذلك فإن هجوم ترمب على أوروبا يوجه إلى ألمانيا بشكل خاص، فهي القاطرة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي".
وتابع "إلقاء الرئيس الأميركي اللوم على المركزي الأميركي ونظيره الأوروبي لا يعني أنه يريد إنهاك الحركة التجارية، ولكنه يريد أن يدخل انتحابات الرئاسة الأميركية بنقاط سياسية حتى لو لم يحقق أي نمو اقتصادي، ولذلك فهو يطالب دائماً بأن يفعل المركزي الأميركي مثلما يفعل المركزي الأوربي بشأن التوسع في الإقراض".
التجارية الأميركية تراقب تطورات كل عملة
ومن الآن فصاعداً، قررت وزارة التجارة تعديل قاعدة للتعامل مع التطورات الخاصة بكل عملة مثل أي دعم حكومي يضر بالمصنعين الأميركيين.
وإذا تمت الموافقة على هذه القاعدة، فسيتم اعتبار أي تلاعب نقدي بمثابة إعانة، ويمكن لوزارة التجارة أن تفرض رسوماً جمركية لتعويض سعر صرف أدنى مقابل الدولار. ويخضع هذا الإجراء لتعليقات عامة حتى 27 يونيو (حزيران). ويجوز للحكومة الأميركية تطبيقه في أي وقت بعد ذلك.
وبحسب النص، "ستطلب وزارة التجارة من وزارة الخزانة الأميركية تحديد ما إذا كانت عملة بلد ما أقل من قيمتها ما لم يكن لدينا سبب وجيه للاعتقاد بخلاف ذلك".
وتثير هذه المنطقة الرمادية قلق الاقتصاديين لأنه ليس لدى وزارة التجارة الخبرات الفنية لإجراء هذه التقييمات.
من جانبه يرى مارك سوبل "أن المشروع سيمنح الوزارة (سلطات تقديرية مفرطة). والمعروف أنه من الصعب إجراء حساب موضوعي حول ما إذا كانت عملة ما جرى تقييمها بأقل من قيمتها، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي قيمتها".
تباطؤ النمو الاقتصادي مع استمرار الحروب التجارية
عبد العظيم الأموي، الخبير في الأسوق الدولية، قال "إن استمرار الحرب التجارية التي تشنها الولايات المتحدة الأميركية في عدة جبهات تسببت في تباطؤ نمو الاقتصاد الذي ضغط على البنوك المركزية حول العالم لتبني سياسة نقدية تيسرية وخفضا لسعر الفائدة".
وأشار إلى "أن هذه التدابير الخاصة بالسياسة النقدية ستكون إحدى نتائجها إضعاف واستنزاف العملات. وفي ظل استمرار الحرب التجارية قد يدخل سعر صرف العملة ضمن أدوات الحرب التجارية، ولذلك طلبت وزارة التجارة الأميركية من الشركات في 23 مايو (أيار) الماضي بالإبلاغ عن الدول التي تضعف عملاتها لتساعد شركتها في المنافسة لنفرض عليها عقوبات".
هل تفرض أميركا عقوبات جديدة؟
أضاف الأموي، "نعم ستلجأ الولايات المتحدة لفرض عقوبات على الدول التي تخفض عملاتها وتوصف بأنها متلاعبة بالعملة".
وأشار إلى "أن هذا التذمر الواضح من الرئيس الأميركي ترمب بعد تصريحات رئيس البنك المركزي الأوربي ماريو دراغي أخيراً بشأن استعداد البنك لتحفيز اقتصاد منطقة اليورو، يذكرنا بما حدث في 2010 عندما تسببت أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو في نشوب حرب عملات عالمية بعد أن تبنى المركزي الأوروبي سياسية التيسير النقدي وانخفض سعر صرف اليورو تبعا لذلك".
وأوضح "أنه في الوقت الحالي لدينا أكثر من عامل سيقود لحرب عملات قريباً، أهمها سياسة البنوك المركزية التي تتجه جماعيا لاعتماد سياسات تيسيرية لتحفيز اقتصادياتها، ما سينتج عنه ضعف هذه العملات، إضافة إلى اتساع رقعة الحرب التجارية التي ستتمدد وتشمل أوربا وآسيا وأمريكا الشمالية".