إذا كان بوريس جونسون قد قضى يوم السبت الماضي في حالة هلع بسبب تسجيل (لشجار عائلي) محدد، فلا بد أنه تقلَّق على الشريط الخطأ. فالفيلم الذي يسجل أحداثا محلية في كامبرويل لم يصل بعد إلى الجمهور. ولذلك، فإنه سيكون ممتنا.
غير أن تسجيل فيديو قديم نشر مؤخرا قد وصل إلى الفضاء العام، وتداعياته ستكون ذات تأثير أعمق من تبادل للآراء على الهواء حول بقع النبيذ وأجهزة الكومبيوتر الباليستية.
وهذا الفيلم بطله ستيف بانون، زعيم الحركة الفاشية الجديدة، بوصفها الملّطف "البديل اليميني" فقط.
فبعد مضي ثلاث سنوات على هندسته لانقلاب سياسي كبير من خلال إشرافه على حملة دونالد ترمب الرئاسية، هل سيكرر بانون، عن غير قصد، اللعبة لصالح جيريمي هانت ؟
والجواب هو بالإيجاب في عالم يفتقد الاحتشام كثيرا. وفي تلك اليوتوبيا، حيث يظهر بانون في التسجيل وهو يناقش علاقته العملية بجونسون، فإن من شأن ذلك تقليص هذه المهمة الانتحارية الهادفة للوصول إلى "داوننغ ستريت" (مقر رئيس الحكومة البريطانية) عدة أميال.
وكان جونسون سئل بإلحاح في الصيف الماضي عن بانون، فأجاب بالطريقة التي أصبحت تلقائية بالنسبة إليه، إذ كذب بثقة شخص معتاد على الكذب، لكنها مفضوحة، فقد سبق (لبوريس) أن وقع مرات عديدة في شرك الكذب، ومع ذلك تمكن من النجاة في تلك المناسبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسبق لجونسون أن كذب باختلاقه اقتباسا، خلال عمله صحافيا مبتدئا من صحيفة التايمز، فطُرد من وظيفته. كذلك، هو كذب حين كان وزيرا في حكومة الظل لحزب المحافظين فطُرِد من منصبه. وكذب حول ما كانت تفعله مواطنة بريطانية في إيران، ثم أنكر أن يكون ما قاله في حقها قد أطال فترة حبسها.
وإذا كان حزب المحافظين على استعداد لإغماض عينيه أمام شخصية مختلة كهذه، بعد تورطها بهذا العدد الكبير من الأكاذيب، فإن احتمالات أن يفتح عينيه أمام الكشف عن كذبة أخرى ضئيلة.
غير أن هناك أكثر وأسوأ من الكذبة الكبيرة بحد ذاتها. وتعزيز حدوثها هو اعتراف ضمني بالذنب الذي يجب أن يُرهِب المحافظين الجيدين في المقاطعات والقرى الصغيرة، لكن قد لا يكون لذلك الصدى الكبير.
حين سئل عن علاقته ببانون قبل حوالي سنة، قال جونسون: " هذا ليس سوى تضليل يساريين ما زالت جراثيمهم تتكاثر في فضاء تويتر".
وقد طمأننا أنصاره من أن الجدل الذي جرى في كامبرويل (بينه وبين شريكته) هو مجرد تضليل يساري أيضا- مكيدة حاكها بعض السكان في تلك المنطقة من أنصار البقاء في الاتحاد الأوروبي مع صحف لها نفس الموقف لتشويه قضية خاصة لأغراض سياسية.
في المقابل، قد يكون أصعب رفض الفيديو الذي يظهر فيه بانون باعتباره مكيدة معادية لبريكست. فالشريط تم تصويره خلال رحلة لبانون إلى لندن لقضاء بعض الوقت مع نايجل فاراج والعاملين السابقين في إدارة موقع "برايتبارت" البريطاني، وخلال ذلك اللقاء يقول بانون في تسجيل الفيديو إن جونسون عمل معه بتعاون وثيق.
كذلك، هو خصص وقتاً من دون أي مقابل من جدول أعماله لتقديم المشورة لجونسون حول خطاب استقالته بعد تخليه عن منصب وزير الخارجية البريطاني.
وفي هذا الصدد قال بانون: "بقيت أناقش معه طوال عطلة نهاية الأسبوع هذا الخطاب... لقد دققنا كثيرا في النص".
ليس هناك شيء غير سليم في هذا، إذ حتى كبار الخطباء قد يطلبون قدرا من المساعدة في هذا المجال.
صحيح، أن بطله ومثله الأعلى، كان يقوم بذلك معتمدا على نفسه فقط، لكننا لا نستطيع جميعا أن نكون تشرتشل، مهما تمنينا تحقيق ذلك. فلا أحد يلوم جونسون لاستماعه إلى أصوات أخرى قبل جذب انتباه مجلس العموم له.
لذلك، فما الذي يدفعه للكذب، ويعطي تعليماته لمتحدث باسمه أن يكذب من أجله حين قال إن "أي إشارة إلى أن بوريس متواطئ مع بانون (ونايجل فاراج) أو يستشيره هي زائفة تماما إلى حد اعتبارها مكيدة؟".
وهو قام بذلك، لأنه أدرك الخطر على طموحاته إن أصبحت العلاقة علنية. أو أنه اعتقد ذلك.
بل حتى قبل 12 شهرا، كانت أي علاقة مع مؤلف فكرة ترمب القائلة بفرض "حظر على المسلمين"- الذي يعتبر زعيم الفوضويين الذين يهدفون إلى إطلاق الفوضى لتدمير الديمقراطية الليبرالية في شتى أنحاء العالم- كان ليكون قد بدا في حينه فتاكا.
فلفترة طويلة، وخلال الفاصلة الزمنية بين "الأطفال السود ...مع ابتساماتهم الواسعة" وبين تشبيهه للمسلمات المنقبات بأنهن مثل علب البريد من المقنعين الذين يسطون على البنوك، اعتنق جونسون التعددية الثقافية بقوة حين كان عمدة لندن، وطرح نفسه بأنه شخص "محافظ حداثي لوطن واحد".
وهو كان شجاعا بتجاوز ذلك الاعتناق، لكنه لم يمتلك الشجاعة الكافية للإعلان عن اعتماده على بانون.
وبالنظر إلى الوراء، كان عليه أن يستعيد الشجاعة. فمن غير المرجح أن يعاني، فحزب المحافظين في حالة تشنج جماعي ناجم عن استنشاق أبخرة ضارة، وإن هم علموا بأن مرشحم المفضل تربطه علاقة وطيدة ببانون فذلك لا يضير كثيرا.
بالتأكيد، تراكم الإحراجات هذا يُضعف من حظوظه، مثلما تشير التحولات التي تجري في مكاتب الرهان الآن. فأن يقع (جونسون) في النهاية ضحية لـ "تضليل يساري" خلال عطلة نهاية الأسبوع فذلك أمر مؤسف حقا. ولكن أن تكون هناك فضيحتان خلال 24 ساعة فذلك يبدو كأنه بوق تنبيه السيارة أطلق لتحذير كبار السن (من أنصار حزب المحافظين) من الجبل الجليدي الخفي تحت سطح الماء الذي ينتظر الحزب بزعامة جونسون في الانتخابات العامة المقبلة.
مع ذلك، فقد لا يعبر صوت البوق أدوات سمعهم المساعدة بشكل كاف كي يوصلوا المنافس هانت إلى داوننغ ستريت. فهم مهتمون ببريكست فقط، ولن ينظروا إلى ما بعد 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وإلى حد الآن فإن الناخب المحافظ على دراية ببانون، وما يعرفه عنه ليس نموذجا لقناع وحش غير عادي مخصص لعيد القديسين(هالاوين). فهو رجل ترمب الذي تواطأ مع فاراج لتمكين حزب بريكست من احتلال الموقع الأول في الانتخابات الأوروبية. وإذا كان جونسون عمل نفس الشيء في تواطئه مع هذا الماكر، فما الخطأ في ذلك؟ حتى لو كذب حول علاقته به، ما الجديد في الأمر؟
يمكن القول إن فضيحة أخرى أو اثنتين خلال فترة قصيرة قد تتسبب بانطلاق شكوكهم الخاملة من جديد، وكشف أكاذيب أخرى قد تجبرهم على التساؤل إن كانوا قادرين على الثقة بما يقوله حول الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق إذا كان ذلك ضروريا.
طفلنا المولود في نيويورك، ترمب، قادر على استخدام نسخته المفصلة بإطلاق النار على شخص في الشارع الخامس (فيفث أفِنيو) من دون أن يفقد شعبيته.
لذلك فإن هذا السباق لداوننغ ستريت لم ينته بعد. ويبقى احتمال خسارة جونسون قائما. إنه يبذل قصارى جهوده. وأنتم لا تستطيعون تخطيئه على هذا الجهد. مع ذلك، ما زالت مكاتب الرهان تعطيه نسبة فوز تصل إلى 80 في المائة كي يكون الحصان الثاني الإيمائي (البانتومايم) الذي يفوز من حظيرة ستيف بانون لأبناء الطبقة الثرية، مدعيا مثل ترمب بأنه من المتمردين المعادين للمؤسسة الحاكمة.
من جانب آخر، يبدو أن المنافسة على الفوز بجائزة "أكثر الفطنين للعام" قد انتهت. "مع بدء بوريس جونسون وصديقته كاري بالاستعداد للانتقال إلى داوننغ ستريت..." جملة وردت في مطلع مقالة على موقع "ذا آرتكل" عصر الجمعة.
© The Independent