يعيش الصيادلة وضعاً صعباً في الجزائر بعد تكرر الاعتداءات من قبل مدمني المخدرات، وأصبح العمل خلال الفترات الليلية مغامرة خطيرة، الأمر الذي دفع نقابة الصيادلة للدعوة إلى توفير الحماية لهذه الفئة.
مخاطر تهدد السلامة
وأصدرت النقابة بياناً تشكو فيه المخاطر التي تهدد سلامة الصيادلة الجسدية والنفسية في ظل الاعتداءات المتكررة بخاصة من مدمني المخدرات والحبوب المهلوسة، وأعادت التذكير بعدم أهمية وجدوى المرسوم التنفيذي 19-379، المحدد لكيفيات المراقبة الإدارية والتقنية والأمنية للمواد والأدوية ذات الخصائص المؤثرة عقلياً المعدل والمتمم بعد أكثر من 3 أعوام، معتبرة أن المرسوم لم يوفر الحماية للصيادلة.
وانتقدت النقابة تجاهل وزارة الصحة تحذيرات الصيادلة من مغبة استمرار هذه الاعتداءات، مشيرة "نبهنا بخصوص انعدام الأمن أثناء أداء المناوبة الليلية، وقد أصبحت الاعتداءات تنفذ في وضح النهار"، وطالبت بضرورة توفير حماية خاصة للصيادلة الممارسين بصفة حرة، وبتشديد العقوبات على المعتدين.
ويمنع القانون الجزائري بيع المخدرات والمؤثرات العقلية لمن لا يثبت فيهم توفر الشروط اللازمة، المتمثلة أساساً في وصفة طبية صادرة عن الطبيب المعالج أو المؤهل لفرضها، كما يشير إلى أن كل عملية شراء أو تنازل للمواد التابعة لنظام المخدرات، حتى لو كانت بطريقة مجانية، يجب أن تقيد في سجل خاص يرقم ويُؤشر عليه رئيس البلدية ومحافظ الشرطة، على أن يتضمن تفاصيل دقيقة عن المشتري مثل اسمه وعنوانه وكمية المنتج التي سُلمت إليه.
ولم تتفاعل كل من وزارتي الصحة والصناعة الصيدلانية مع مطالب نقابة الصيادلة الخواص، والتزم كل منهما الصمت والترقب إلى حين (كما جرت عليه العادة)، غير أن مصدراً من وزارة الصناعة الصيدلانية أكد لـ"اندبندنت عربية"، أن قلق الصيادلة مبرر ولكن ليس من المنطقي وضع شرطي أو رجل أمن أمام كل صيدلية، كما ليس من مهمات الوزارتين ضمان أمن الصيدليات بقدر ما هي مطالبة بتوفير مستلزمات الطبابة والأدوية.
وأضاف أنه يجري البحث عن حلول بين مختلف الفاعلين المعنيين، ومن بينها منح الأولوية في فتح صيدليات جديدة لتلك التي تجاور مراكز الشرطة والأمن، وكشف عن لقاء سيتم تحديد موعده يجمع وزارة الصحة بالنقابات المعنية بالصيادلة من أجل دراسة بعض الحلول واقتراح أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تواطؤ وخرق ميثاق المهنة
في السياق، يقول الحقوقي حاج حنافي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن ظاهرة الاعتداء على الصيادلة من طرف مدمني المخدرات استفحلت بشكل بات يتطلب تضافر قطاعات عدة مثل العدالة والصحة والأمن والإعلام من أجل مواجهة الوضع، وأوضح أن "الواقع يظهر أن هناك وسطاء للاتجار بالحبوب المهلوسة بهدف ضرب الشباب والنيل من الجزائر، ونحن نتابع كثرة المحاكمات المتعلقة بالمخدرات والمهلوسات، حيث لا يكاد يمر أسبوع من دون فعل المتاجرة أو النقل أو الحيازة أو الاستهلاك".
ويتابع حنافي، أنه على الصيادلة على الرغم من التزامهم المهني وحقهم في التأمين من التهديدات تدارك بعض الثغرات، مشيراً إلى أن "بعض الصيادلة يتحملون المسؤولية من خلال التواطؤ بهدف الربح السريع على حساب المهنة"، وشدد أن "استقراء لواقع هذه الظاهرة وجدنا أن هناك مسؤولية مشتركة تقع على البائع الذي يعمل مع الصيدلي، والذي يخرق ميثاق أخلاقيات المهنة بوجود إهمال متعمد أو غير مقصود"، مضيفاً "رصدنا تحقيق بعض الصيدليات ثراء على حساب أخرى بسبب بعض التصرفات المشبوهة وارتياد زبائن غير أسوياء".
من هم "ميغا بونيس"؟
إلى ذلك، أوضح رئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين في الصيدلة، عبد الواحد كرار، أن سوق المؤثرات العقلية باتت تسيطر عليه فئة جديدة من بائعي الجملة تعرف في الوسط تحت اسم "ميغا بونيس"، هدفها الوحيد هو المتاجرة في المؤثرات العقلية التي تجني من خلفها أرباحاً طائلة، في ظل غياب المراقبة من الجهات المتخصصة، مضيفاً أن فائض الإنتاج أيضاً يشكل خطورة بالغة لتفشي الاتجار بالمؤثرات، فهو يتسبب في انحرافات بعض الأطراف التي تبحث عن أساليب للتخلص منه قبل انتهاء آجال صلاحيته، وأبرز أن الإجراء الرامي إلى تقديم توقعات الطلب من قبل الزبائن قبل الحصول على ترخيص برنامج الإنتاج مهم لتجنب التحايل والتلاعب، "لأننا الآن ننتج أكثر من احتياجاتنا ولا نعرف الكميات التي يتم التلاعب بها في السوق السوداء".
وصرح كرار، أن "خطورة الظاهرة تتطلب إنشاء هيئة متعددة القطاعات الوزارية للتسيير، بعيداً من الجانب القمعي والتنظيمي فقط، ونحتاج إلى رفع جهود التوعية، ملتزماً في هذا السياق التكفل بإنجاز ومضات إشهارية توعوية مقابل إيجاد وسائل إعلام تبثها مجاناً في سياق الخدمة العمومية"، مشيراً إلى أن لاتنتج المؤثرات العقلية في الليل نظراً لقلة المراقبة، كما أن فترة إنتاجها تخضع إلى رفع درجة الرقابة وعدد أعوان الأمن ومراقبة جميع التحركات، حيث تعلن حالة استنفار قصوى يتجند لها الجميع وتصل المراقبة إلى غرف تغيير الملابس والمراحيض، واقترح دعم مصالح الأمن في إنجاز تحقيق بخصوص أهلية الموظفين في وحدات المؤثرات العقلية.
تشديد القانون الجنائي
من جانبه، يرى الباحث في القانون آدم مقراني، أن انتشار حالات الاعتداء على الصيدليات طلباً للحبوب المهلوسة يطرح إشكالات عدة في ارتفاع نسب الجريمة المرتبطة باستهلاك وترويج المخدرات، إضافة لضرورة الإحاطة بالصيادلة على مستوى الحماية القانونية، موضحاً أن المعضلة تظل اجتماعية بالأساس، لأن تفاقم الطلب على المخدرات في صفوف الشباب يبرز محاولات الهروب من الواقع عبر اللجوء إلى تناول الحبوب المهلوسة وما يترتب على ذلك من ممارسات وتصرفات عدوانية خطيرة تصل حد القتل من أجل الحصول عليها، الأمر الذي يخل بالأمن العام ويرفع من نسب الجريمة.
ويواصل مقراني أنه لا وجود لحلول سحرية لمقاومة هذه الظاهرة، لكن يجب إحاطتها بظروف تشديد على مستوى القانون الجنائي، إضافة إلى تكثيف الدوريات الأمنية حول الصيدليات ليلاً، مع العمل على معالجة المدمنين بتكثيف مراكز المعالجة، وختم أن الظاهرة تبقى هيكلية في علاقة واقع الشباب الجزائري اليوم الذي تنتشر في أوساطه ظواهر سلبية تسيء إليه وإلى صورة البلاد وهو ما يتطلب عملاً في العمق.