الثلاثاء الماضي، عندما بلغت درجات الحرارة ذروتها في أكثر أيام المملكة المتحدة حراً منذ بدء تسجيل البيانات في هذا المجال، وإذ أنا في طريقي إلى اصطحاب أولادي من مدرستهم في حي نيوهام [في العاصمة البريطانية لندن] رأيت غمامة ترتفع في الأفق.
لما كنت نشأت في بلد تجتاحه الحرائق في أشهر السنة الأكثر سخونة، أدركت ما كانت عليه تلك الغمامة. كانت نتيجة حرارة بلغت 40 درجة مئوية، مقرونة بأسبوعين لم تتساقط فيهما أي أمطار. في هذا الطقس، تترتب على أي شرارة آثار كارثية تتهدد النباتات والحيوانات والمباني والناس، إذ رأيت الدخان اعتراني قلق على مجتمعنا، ولكن لم أتوقع أن يحدث ذلك على مسافة قريبة جداً من المنزل.
أطلعت زوجي على صور التقطتها للمشهد. أجابني أن الحرائق كانت "بعيدة جداً، أبعد من داغينهام [حي في شرقي لندن]، على مقربة من المكان حيث يعيش عمي"، وفق ما جاء في كلماته. رجعت إلى المنزل وحاولت أن أخفف عني وعن أولادي بعض الحرارة المحبوسة في أجسامنا. ماء عذب على الجبين، ومثلجات للصغار وتشغيل زوج من المراوح. ارتشفت كوباً من القهوة الباردة ورحت أقلب في الأخبار. رأيت صوراً مروعة لمناطق كبيرة من لندن وقد تأججت فيها النيران.
ظهرت تلك النشرات جنباً إلى جنب مع أنباء عن الحرارة الشديدة، مصحوبة بصور لسكان يتدفقون إلى الساحل. لا يسعني إلا أن أفكر في مدى انعدام المسؤولية الذي اتسمت به وسائل إعلام عدة إذ فوتت هذه الفرصة لإشراك الجمهور في واحدة من المسائل الأكثر إلحاحاً التي نواجهها، ألا وهي أزمة المناخ: السبب الرئيس وراء ما نشهده من درجات حرارة مرتفعة تحطم الأرقام القياسية عاماً تلو آخر.
ربما يستمتع بعض رواد الشواطئ بموجات الحر مؤقتاً، ولكنها تضع على كاهل خدماتنا العامة عبئاً شديد الوطأة. لا أتصور كم كانت مهمة شاقة وصعبة بالنسبة إلى رجال الإطفاء، الذين خاضوا يومهم الأكثر إرهاقاً وازدحاماً منذ الحرب العالمية الثانية، إخماد حرائق مهولة في ظل هذه الظروف. أو سعي الأطباء والممرضين والممرضات والمسعفين والمسعفات إلى تلبية الطلب المتزايد على الخدمات الصحية بسبب الضرر الذي تركته هذه الأحوال المناخية القاسية في صحة الناس. تلقيت رسالة أخرى من زوجي تقول، "وصلتني تواً الأخبار التي كنت أخشاها".
وتابع قائلاً، إن "عمي وعائلته بخير، الحمد الله، ولكنهم يعيشون في وينينغتون. لقد احترق منزلهم". كنت في حال ذهول يفوق التصور. كان منزلهم واحداً من 20 منزلاً آخر دمرتها حرائق استعرت في الأعشاب. 20 عائلة، و20 مأساة.
على مدى عقد من الزمن، انخرطت في النضال من أجل مكافحة تغير المناخ. وغايتي من هذه النشاطات أنني لا أريد أن تتأثر حياة الناس وصحتهم وسبل عيشهم ومنازلهم بالأحوال المناخية المتطرفة بشكل مستمر. في الحقيقة، ما انفك العلماء يحذرون السياسيين طوال عقود مرت من زيادة احتمال نشوب حوادث مناخية قاسية وغير متوقعة نتيجة الاحترار العالمي المتفاقم.
ويبدو أن موجات الحر "غير العادية" التي حطمت الأرقام القياسية، والتي ربما كانت تحدث كل بضعة عقود قد صارت إشاعة الآن. كذلك ثمة تأثيرات أكثر غدراً، وإن كانت أقل وضوحاً. لا يتأثر الناس بهذه الحوادث المتطرفة إلا عند وقوع المآسي. يتردد صدى الأحوال المناخية الشديدة القسوة في المجتمعات، إذ تقود إلى شح المياه ونقص الغذاء. وسرعان ما تترتب عليها آثار متصلة ببعضها [تأثير الدومينو]، إذ تفضي بشكل غير مباشر أو مباشر، إلى تفاقم الجوع، واستفحال الفقر والبطالة، وزعزعة الاستقرار الاجتماعي، والنزوح الجماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقاسي بلاد الجنوب العالمي تلك العواقب، حيث يواجه السكان، علماً بأنهم غالباً الناس الأفقر في العالم، آثار تغير المناخ بصورة حقيقية ملموسة، وتبلغ في حالات كثيرة درجة أسوأ، ولكن في الغالب، تخلف هذه المجتمعات أيضاً أصغر بصمة كربونية، ما يعني، عموماً، أن إسهاماتها في السبب الرئيس وراء أزمة المناخ ضئيلة أصلاً.
أن نردع هذه الحوادث من أن تصبح أكثر تكراراً في العقد المقبل، من أجل خير أطفالنا وأحفادنا، يعني أن على السياسيين تقديم التزام جاد يقضي بإعادة كثير من النظم البيئية المتدهورة إلى حالتها الطبيعية والتعجيل في التحول عن الاعتماد على الوقود الأحفوري. كنت أفكر في الخطوات التي أود أن يخطوها نوابنا ورؤساء البلديات وأعضاء المجالس البلدية، والتي تتعدى مجرد طرح الأفكار والتقدم بالصلوات.
أريدهم أن يدعموا مشروع قانون المناخ والبيئة، وهو اقتراح لقانون جديد في المملكة المتحدة يقدم نهجاً مشتركاً يتصدى لأزمة الطبيعة والمناخ. مشروع القانون الخاص هذا، الذي يشق طريقه حالياً عبر البرلمان البريطاني، من شأنه أن يجعل الالتزام بإبقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب [الاحترار العالمي] تحت 1.5 درجة مئوية التزاماً قانونياً على عاتق المملكة المتحدة. كذلك يطالب المملكة المتحدة بتحمل المسؤولية عن بصمتها الكربونية برمتها، بما فيها الانبعاثات التي تخلفها المنتجات المصنعة في الخارج والمستوردة على أراضيها، وعكس مسار الضرر الذي يلحق بالطبيعة بحلول عام 2030.
في حال تحول المشروع إلى قانون، فإن الناس العاديين من مختلف المجتمعات سيساعدون الحكومة البريطانية أيضاً في صياغة استراتيجية من أجل المناخ والطبيعة ترمي إلى تحقيق هذه الأهداف وتحديد أفضل طريقة للمضي بها قدماً.
قال زوجي، إن عائلته قد خرجت سليمة من هذه الكارثة تقريباً، ولكن مع ذلك، فهم كما قد تتخيل تحت ضغط مهول. إلى أين يذهبون من هنا، وهل كان مستطاعاً الحيلولة دون ما حصل، وهل يحدث مرة أخرى؟ ليست في جعبتي كلمات أقولها، لكن ما أعرفه أننا: كلما قللنا من متوسط زيادة درجة الحرارة العالمية، كانت فرصنا أفضل في تفادي وقوع معاناة في المستقبل.
كلما أعدنا النظم البيئية إلى حالتها الطبيعة ورممناها بسرعة أكبر، صارت هذه الحوادث المناخية أقل تكراراً. غالباً ما نشعر بالعجز عن التأثير في القضايا المتعلقة بأزمة المناخ. في مقدورك أن تتحرك اليوم عبر مطالبة النائب الذي يمثلك بدعم مشروع قانون المناخ والبيئة. أما السبب وراء أهمية هذه المسألة؟ فلأننا جميعاً نستحق مستقبلاً ملائماً للعيش.
أسست أليساندرا بالانغه Muslim Declare وهي جمعية تعنى بالبيئة، كما أنها تعمل كمنسقة في مجموعة Zero Hour التي تعنى بالحملات البيئية. تم إنشاء مجموعة على "فيسبوك" تتوخى دعم ضحايا الحرائق التي اجتاحت وينينغتون.
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 29 يوليو 2022
© The Independent