أصدرت المحكمة الإدارية في تونس، مساء الثلاثاء 9 أغسطس (آب) الحالي، أحكاماً بوقف تنفيذ 47 من قرارات الإعفاء التي كان صدرت عن الرئيس قيس سعيد بحق 57 قاضياً مطلع شهر يونيو (حزيران) الماضي، بعد استكمال كافة إجراءات التحقيق.
وأوضح الناطق باسم المحكمة الإدارية، عماد الغابري، أن "الرئيس الأول للمحكمة الإدارية بصفته قاضي توقيف التنفيذ، استند في إصدار أحكامه في الملفات المشار إليها، إلى نتائج إجراءات التحقيق التي أذن بها، وبعد مطالبة الجهات الإدارية المعنية بما يفيد تعليل وتسبيب الإعفاءات"، مضيفاً أن "التعاطي القضائي مع الملفات تم بحسب خصوصية كل ملف".
وأشار إلى أن الأحكام توزعت على صنفين، حيث تم "قبول وقف تنفيذ قرارات الإعفاء بحق القضاة الذين لم يتوفر فيهم الموجب الواقعي والقانوني للإعفاء"، فيما تم "رفض وقف تنفيذ قرارات الإعفاء بحق قضاة آخرين كانت معللة وتوفرت فيها موجبات الإعفاء".
قرارات منصفة
وتأتي هذه الأحكام إثر تقدم القضاة المشمولون بقرار الإعفاء، بدعاوى في قضايا مستعجلة أمام المحكمة الإدارية في إطار "توقيف تنفيذ الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء القضاة".
وكان رئيس الجمهورية أصدر الأمر الرئاسي رقم 516 لعام 2022 بتاريخ 1 يونيو 2022 أعفى بموجبه 57 قاضياً، من بينهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء السابق، يوسف بوزاخر والرئيس السابق لمحكمة التعقيب، الطيب راشد وقاضي التحقيق بابتدائية تونس البشير العكرمي.
وسبق إعفاء هؤلاء القضاة إصدار المرسوم عدد 35 لعام 2022 المؤرخ في 1 يونيو 2022، الذي أعطى لرئيس الجمهورية صلاحية إعفاء كل قاضٍ تعلق به ما من شأنه أن يمس بسمعة القضاء أو استقلاليته أو حسن سيره.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعبرت "الجمعية الوطنية للقضاة" عن ارتياحها لصدور هذه القرارات التي وصفتها في بيان بـ"المنصفة لعدد كبير من القضاة الذين استُهدفوا بقرارات الإعفاء خارج المسارات التأديبية القانونية ومن دون كفالة حق الدفاع والمواجهة".
وحيّت جمعية القضاة "تجند القضاة العدليين والإداريين والماليين ضمن وحدة الصف القضائي" للتصدي لما اعتبروها "مظلُمة الإعفاءات خارج الأطر التأديبية القانونية دون ملفات مؤسَسة ومؤيَدة، في مساس فادح بقرينة البراءة والتفافهم حول هياكلهم للدفاع عن استقلال القضاء والقضاة ضد كل هيمنة أو تطويع".
وأكد القضاة "مواصلة متابعته تنفيذ قرارات إيقاف التنفيذ"، مطالبين السلطات المعنية "بالالتزام بحجة الأحكام القضائية إعلاء لمبادئ دولة القانون"، كما أكدوا "متابعة الملفات التي رُفضت بشأنها قرارات وقف التنفيذ طبق المواقف المبدئية من آلية الإعفاء والمدعّمة بالمعايير الدولية لاستقلال القضاء".
كما شددت "جمعية القضاة التونسيين" على "تمسكها بنزاهة القضاء وباستقلاليته وحياده بوصلة وعنواناً وممارسة".
تعاط مرتبك
إثر هذا الحكم أبرز رئيس "جمعية القضاة التونسيين" أنس الحمايدي أن "القضاة المعفيين كانوا يعيشون منذ تاريخ صدور الأمر الرئاسي بإعفائهم حالة غير عادية وأنهم خاضوا إضراباً عن العمل لمدة 4 أسابيع متتالية وإضرابات عن الطعام".
في هذا السياق، رأى الباحث السياسي محمد ذويب أن "هذا القرار الذي يؤكد التعاطي المرتبك مع الملف القضائي يمكن لرئيس الجمهورية حسن استغلاله وذلك عبر دفع وزيرة العدل ليلى جفال إلى مطالبة القضاة بالاعتذار أو بالاستقالة وبالتالي تحميلها المسؤولية كاملة". من ناحية أخرى، اعتبر ذويب أن "قرار الإعفاء يجب أن يطبَق، مما يؤكد أن القانون فوق الجميع ويسقط المقولات التي تؤكد عودة الديكتاتورية أو بداية سيطرة الرئيس على السلطة القضائية".
أما المحامي فتحي الغنودي فقال، إن "المرسوم الرئاسي عدد 35 لعام 2022 المؤرخ في 1 يونيو الماضي، نص صراحة على أنه لا يمكن الطعن بالأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء قاض إلا بعد صدور حكم جزائي في الأفعال المنسوبة إليه".
وتساءل الغنودي عن مدى سلامة قرار المحكمة الإدارية، "والحال أن المرسوم الرئاسي واضح في هذا المجال. وما هي طبيعة الملفات التي على أساسها تم الإعفاء؟"، مضيفاً أن "وزارة العدل مطالَبة بكشف وإنارة الرأي العام؟". وتابع الغنودي، "هل هناك تعطيل ورفض من النيابة العمومية لتحريك دعاوى جزائية ضد زملائهم القضاة الذين تم إعفاؤهم، وفق منطق التضامن القطاعي؟".
ورأى الغنودي أن "محاربة الفساد الذي ينخر الدولة في كل القطاعات عماده قضاء عادل ونزيه لا يخضع للولاءات الحزبية وخادم عند لوبيات الفساد، ويشكل ضماناً لحق كل مواطن بمحاكمة عادلة يُحترَم فيها حق الدفاع".